لماذا صعّد تنظيم “القاعدة” هجومه على تنظيم “داعش”..؟
يمنات
تشير الرسالة الأخيرة التي وجهها زعيم تنظيم “القاعدة” أيمن الظواهري، في 5 يناير 2017، وشن فيها هجومًا حادًا على زعيم تنظيم “داعش” أبو بكر البغدادي، إلى أن ثمة مرحلة جديدة من التصعيد بدأت بين التنظيمين المتنافسين، بالتزامن مع العمليات العسكرية التي يتعرض لها الأخير في كل من العراق وسوريا والتي ساهمت في تقليص قدراته البشرية والمادية إلى حد ما، والمساعي الحثيثة التي يبذلها الأول من أجل العودة من جديد إلى تصدر قائمة التنظيمات الإرهابية على مستوى العالم، بعد فترة من التراجع على المستويين التنظيمي والعملياتي.
أهداف متعددة
وقد كان لافتًا أن التصعيد الأخير من جانب الظواهري جاء بعد فترة توقفت فيها الحرب الفكرية والإعلامية بين الطرفين بشكل نسبي على الأقل خلال الشهور الأربعة الأخيرة، وهو ما يشير إلى أن الظواهري يسعى من خلال ذلك إلى تحقيق أهداف عديدة في هذا التوقيت تحديدًا، ويتمثل أبرزها في:
1- استغلال تراجع “داعش”
يدرك تنظيم “القاعدة” أن نشاط ونفوذ تنظيم “داعش” بدأ يتراجع بشكل واضح منذ منتصف عام 2016، بعد مرور عامين على اجتياحه مدينة الموصل في شمال العراق. وقد بدا هذا التراجع جليًا سواء في المعاقل الرئيسية للتنظيم في كل العراق وسوريا، لا سيما مع بدء معركة تحرير الموصل، والتي يفقد التنظيم السيطرة عليها تدريجيًا، بعد استعادة بعض مناطقها من جانب القوات العراقية بالتعاون مع التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، أو في بعض دول الأزمات التي نجح التنظيم خلال الفترة الماضية في التمدد داخلها، على غرار ليبيا، حيث اضطر إلى الانسحاب من بعض المناطق التي سيطر عليها بسبب العمليات العسكرية التي يتعرض لها، والتي توازت مع غارات أمريكية استهدفت العديد من قياداته، على غرار أحمد الهمالي الذي كان يعرف بـ”والي طرابلس” في أغسطس 2016. وقد أشارت تقديرات أمريكية، في ديسمبر 2016، إلى أن تنظيم “داعش” فقد نحو 50 ألف مقاتل خلال عامين منذ بداية العمليات العسكرية لقوات التحالف الدولي.
فضلا عن ذلك، فقد تقلصت قدرة المجموعات الإرهابية التي بايعت التنظيم في بعض الدول على تنفيذ عمليات إرهابية نوعية نتيجة الضربات العسكرية التي تتعرض لها والقيود التي باتت تفرضها السلطات الأمنية في تلك الدول التي اتجه كثير منها إلى رفع مستوى التنسيق الأمني مع بعض القوى الدولية المعنية بالحرب ضد الإرهاب على غرار الولايات المتحدة الأمريكية.
وهنا، فإن ثمة اتجاهات عديدة باتت تشير إلى أن الظواهري يسعى إلى استثمار ذلك من أجل ممارسة مزيد من الضغوط على “داعش”، بشكل قد يساهم في إضعافه بدرجة أكبر. ولذا ربطت تلك الاتجاهات بين هذه الجهود وبين الدعوة التي وجهها الظواهري، في أغسطس 2016، إلى بعض الفصائل المسلحة في سوريا بتشكيل مجلس موحد يحدد الأولويات ويقسم المهام فضلا عن تأسيس هيئة للقضاء الشرعي لحسم الخلافات فيما بينها، حيث اعتبرت أن ذلك يمثل محاولة من جانب زعيم تنظيم “القاعدة” من أجل التقارب مع تلك الفصائل والعمل على توسيع نطاق خلافاتها مع “داعش”.
2- استقطاب عناصر جديدة
يسعى الظواهري من خلال رسالته الأخيرة إلى استقطاب عناصر ومجموعات إرهابية جديدة للانضمام إلى صفوف التنظيم، وذلك من خلال مطالبته بالتركيز على استهداف مصالح الولايات المتحدة الأمريكية، باعتبار أنها تمثل، وفقًا لرؤيته، خصمًا مشتركًا لتلك التنظيمات الإرهابية، بسبب الضربات العسكرية التي تشنها ضد قياداتها وكوادرها في أنحاء مختلفة من العالم.
وهنا كان لافتًا أيضًا أن الظواهري ركز في رسائله الأخيرة على توجيه تهديدات مباشرة للولايات المتحدة الأمريكية، على غرار الرسالة التي وجهها بمناسبة مرور 15 عامًا على وقوع أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001، وأشار فيها إلى إمكانية “تكرار تلك الأحداث آلاف المرات”.
بل يمكن القول إن الظواهري حاول استمالة بعض الفئات داخل الدول الغربية، من خلال التركيز على بعض قضاياهم، مثل إشارته إلى الصدامات التي وقعت بين السود والبيض في الولايات المتحدة الأمريكية، وتأكيده على أن “السود لن يتمكنوا من نيل حقوقهم عبر الدستور الذي يخضع لسيطرة البيض”.
وفي السياق ذاته، فإن ثمة مؤشرات عديدة تكشف عن اتجاه التنظيم إلى تكوين مجموعة إرهابية جديدة داخل سوريا، من خلال استغلال الانقسامات الواضحة سواء بين تنظيم “داعش” والتنظيمات الإرهابية الأخرى، أو داخل تلك التنظيمات الأخيرة، على غرار “جبهة النصرة” التي أعلنت انفصالها عن التنظيم وتغيير اسمها إلى “جبهة فتح الشام” في منتصف عام 2016، لتحقيق أهداف عديدة يأتي في مقدمتها تجنب وضعها ضمن قائمة التنظيمات الإرهابية التي تستثنى من وقف العمليات العسكرية وفقًا لاتفاقات الهدنة التي يتم التوصل إليها بين فترة وأخرى.
ورغم أن اتجاهات عديدة ترى أن هذا التغيير الذي أجرته الجبهة ربما يكون شكليًا فقط، دون أن يمثل تحولا ملحوظًا في أفكارها وتوجهاتها، إلا أن ذلك لا ينفي أن تنظيم “القاعدة” قد يسعى خلال المرحلة القادمة إلى استغلال تلك الانقسامات لتشكيل هذه المجموعة الجديدة التي ربما تكون أكثر ولاء له، باعتبار أن كوادر وعناصر تلك المجموعة تبنت موقفًا رافضًا من البداية للانفصال عن “القاعدة”.
3- استعادة النفوذ
يبدو أن الظواهري يسعى من خلال تجديد هجومه على البغدادي إلى استعادة نفوذه داخل تنظيم “القاعدة” من جديد، بعد أن تقلص خلال السنوات الأخيرة، خاصة من الناحية التنظيمية، نظرًا لضعف نشاط التنظيم الرئيسي خلال تلك الفترة وعدم قدرته على تنفيذ عمليات إرهابية نوعية توازي تلك التي نجحت عناصر تابعة لـ”داعش” في القيام بها سواء في بعض دول المنطقة أو في بعض الدول الأوروبية على غرار فرنسا وبلجيكا.
وقد أدى ذلك إلى تراجع دور الظواهري لصالح القيادات الفرعية في التنظيم، على غرار عبد الملك درودوكال زعيم تنظيم “القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي”، ومختار بلمختار زعيم جماعة “المرابطون”، وأبو محمد الجولاني زعيم “جبهة فتح الشام” (جبهة النصرة سابقًا)، نظرًا للمساعي التي بذلتها تلك القيادات في المرحلة الماضية من أجل تعزيز سيطرة تنظيماتها على مناطق رئيسية في الدول التي تتواجد فيها، على غرار سوريا وبعض دول غرب أفريقيا، رغم الضغوط التي تتعرض لها من قبل الأجهزة الأمنية في تلك الدول.
لكن تلك الجهود التي يبذلها تنظيم “القاعدة” من أجل استعادة صدارة التنظيمات الإرهابية ربما تواجه تحديات عديدة، يتمثل أبرزها في تزايد حالات الانشقاق داخله نتيجة تراجع دوره وتقلص قدرته على تنفيذ عمليات إرهابية نوعية، واستهداف قياداته من جانب بعض القوى والأطراف المعنية بالحرب ضد الإرهاب، وهو ما يزيد من احتمالات استمرار “القاعدة” في تبني سياسة تصعيدية تجاه “داعش”، خلال المرحلة القادمة، ربما بانتظار تبلور نتائج العمليات العسكرية التي يتعرض لها الأخير خلال الفترة الحالية، والتي ستفرض تداعيات مباشرة على توازنات القوى بين التنظيمات الإرهابية.
المصدر: المستقبل للدراسات والابحاث
للاشتراك في قناة يمنات على التليجرام انقر هنا