حرب .. جوع .. حصار .. مهانات يومية .. اليمن سجن بلا نوافذ ولا سقف
يمنات
لطف الصراري
يقولون إن المتفائل يطل من نافذة زنزانته وينظر للأعلى ممتدحاً جمال السماء، بينما ينظر المتشائم من نفس النافذة ويقول: ما أقذر الوحل.
في اليمن، هناك أكثر من عشرين مليون إنسان يتجولون في سجن كبير بلا نوافذ. سيكون من الحماقة حثهم على التفاؤل أو ترك التشاؤم وفق منطق النظر من خلف نافذة سجن. ذلك أن سجننا الكبير بلا سقف أيضاً، وعندما ننظر إلى السماء، لا يخطر لنا سوى الطائرات التي تقصف الأخضر واليابس، حتى مجالس العزاء الخاصة بالنساء والمكتظة بالأطفال. نسمع أزيزها، ويكفي أن نعرف بأنها عمياء لنغمض أعيننا وننتظر الموت.
في اليمن، يتقاتل أقل من نصف مليون شخص فوق رؤوس أكثر من عشرين مليون مدني ينامون ويصحون كل يوم في انتظار الخلاص من حرب تدمر حياتهم ومساكنهم ومصادر أرزاقهم؛ حرب تقضي على كل فرصة تلوح في الأفق لسلام نسبي وليس شاملاً كما تطمح الأمم المتحدة والدول الثماني عشرة. سلام يعيد جريان شريان الحياة إلى طبيعته، إلى الحد الأدنى من استقرار الأمن والسلع الأساسية وفرص العمل ومعدل دخل الفرد، وسعر الدولار والريال السعودي. هاتان العملتان اللتان تتحكمان بمصائر ملايين الجياع والمشردين والباحثين عن فرص النجاة. يتصدر الريال السعودي قائمة اهتمام اليمنيين الذين تعج بهم محلات الصرافة، غير أن سطوة الدولار لن تتوقف أمامه أيضاً. لم يعد سراً أن أمريكا تستخدم عملتها كسلاح ذي قدرة تدميرية فتاكة. يكفي أن تقرر اللجنة الاقتصادية في البيت الأبيض أرجحة اقتصادات العالم حتى يستجيب تجار العملات في اليمن، وترضخ البنوك الوطنية وأسواق الأسهم. غير أن من يربط رقبته إلى مشنقة الدولار وليس لقدميه أرض صلبة يقف عليها، يجد نفسه أول المتأرجحين وأكثرهم اضطراباً. أما جموع المتفرجين على المتفرجين الذين يتابعون أرجوحة الدولار بلامبالاة، سوف يصابون بالدوار واضطراب الأمعاء والحول، قبل أن يأتي دورهم للصعود على الأرجوحة الخضراء.
في اليمن يحدث الكثير مما لا يعرفه العالم ولا يريد معرفة شيء عنه؛ حرب، حصار، جوع، ومهانات يومية في الأسواق ونقاط التفتيش المنتشرة كالدمامل على الطرقات ومداخل المدن والأرياف. مهانات لا يسلم منها المحاصرون في الداخل ولا الهاربون من الجحيم عبر المنافذ الحدودية، حيث يؤمرون بالوقوف صفاً واحداً لتفتيش حقائبهم بالدور، كما لو أنهم خارجون من سجن ومتجهون نحو ساحة كبرى للأعمال الشاقة.
قبل أشهر، قال مسؤول أممي إن عدم تدفق اللاجئين من اليمن نحو أوروبا هو أحد أبرز الأسباب لجهل العالم بفداحة الحرب الدائرة في اليمن. ذلك صحيح، ويبدو أن انتشار اللاجئين في أنحاء أوروبا وأمريكا، يساهم في لفت نظر العالم إلى ما يحدث في بلدانهم. هو لا يعرف ربما أن اليمني مسكون بالحنين إلى وطنه أينما ذهب، حتى وهو في اليمن نفسها. حالة اغتراب لا يجدي معها منطق التفاؤل والتشاؤم؛ حالة تجعلنا أشبه بالسائرين نياماً نحو البحر أو الصحراء.
للاشتراك في قناة يمنات على التليجرام انقر هنا