المصارعة الرومانية في منطقة الشرق الاوسط
يمنات
د. فؤاد الصلاحي
قديما ايام الامبراطورية الرومانية كانت النخبة تتسلى بالعاب ومهرجانات متعددة اهمها حلبات المصارعة التي يتم تنظيمها خصيصا بهدف اللتسلية من خلال جلب العبيد الاقوياء، حيث يتم اختيارهم وفق شروط محددة وتكون المصارعة حتى الموت بين طرفين من العبيد او بين احد العبيد و احد الاسود التي تربى لهذا الغرض. و تكون النتيجة الموت المحقق للعبيد في كل جولة مصارعة، و في كل مرة تنظم مثل هذه الحفلات الترفيهية.
و اليوم الامريكان يسيرون على خطى تراث الامبراطورية الرومانية ولكن المتصارعين حاليا ليسوا افراد من العبيد بل شعوب ومجتمعات دخلت عصر الحرية والديمقراطية وتعثرت في مسارها التغييري، و القتل يكون في اوساطهم مع تدمير الدول و المجتمعات و نهب الخيرات من ثروات متعددة.
و هكذا تم اعداد بلاد العرب مسرحا لمعارك الامبراطورية الامريكية وحلفائها في الناتو الغربي لأن الراسمالية العالمية التي تقود حركة العولمة لم تكتفي بجعل العالم كله سوقا للمنتجات السلعية حتى التافهة منها بل وممرا للجريمة وللتنظيمات المتطرفة التي يتم صناعتها بمعرفة وتخطيط لمصلحة الرأسمالية العالمية.
و هنا يتم التسويق لحالات الاقتتال واشعال بؤر النزاع داخل كل دولة وبين الدول وفق اوهام الحدود المصطنعة من مرحلة الاستعمار سابقا .. وهكذا تتزايد حلبات الاقتتال الاهلي والفوضى والعبث السياسي مثلما كانت تتعدد حلبات المصارعة في الزمن الروماني السابق.
و في كلتا الحالتين تبقى النخبة الاقتصادية السياسية هي التي تدير حلبات المصارعة وتتسلي بالاقتتال ومظاهر الموت والتدمير وبادوات تمت صناعتها من المعسكر الراسمالي، واحيانا تقدم الاسلحة وادوات القتال هدية ودعم لبعض الاطراف.
الجدير بالذكر ان حلفاء محليين للرأسمالية هم شركاء في صناعة العنف والتدمير وادارة الاقتتال الاهلي بل ادارة التوحش كتعبير عن وكلاء لهم فاعلية لسيدهم الامريكي والاوربي، مثلما كان هناك تجار عبيد ومدراء لحلبات الصراع ايام الرومان قديما.
و من هنا نعرف طبيعة وحجم الدور الامريكي في خلق ازمات الشرق الاوسط بدءا من ازمة فلسطين والانحياز اللامحدود لاسرائيل ضد حقوق العرب ودورها حاليا بدعم بل صناعة التنظيمات المتطرفة والارهابية لتؤدي دورها في تعميم حالات الفوضى والعبث السياسي باشراف وتنسيق من وكلاء محليين متعددي الانتماء والولاء للخارج ولمن يدفع لهم بل ان بعضهم يفاخر بتدمير بلاده ويجاهر بالارتباط مع اطراف خارجية.
مع العلم ان هؤلاء الوكلاء محليا مدخراتهم المالية في البنوك الامريكية والاوربية و كثيرا من اولاهم واقاربهم خارج مناطق الفوضى، أي يعيشون في مدن الامبراطورية الامريكية.
الغريب ان كثيرا من النخب السياسية الرسمية والحزبية تدعي نضالها ضد الامريكان من خلال ليس رفض الدور الامريكي الناظم للاقتتال والفوضى بل بالتقليل منه او حصره ضد خصوم محليين.
و هؤلاء مثلهم مثل العبيد الذين يطالبون ليس بنفي العبودية نحو التحرر بل يطالبون بتحسين شروط العبودية واستمراها ضمن تخفيف بعض القيود والممارسات.
في هذا السياق لايزال الوعي والادراك لدي مجتمعانا العربية (فرديا /جمعيا )غائبا عن فهم ماهية الدور الامريكي وماهية الترابط مع وكلاء محليين يخدمون الخارج الاقليمي والدولي وفق مبررات واوهام مذهبية وجهوية او سياسية لاعلاقة لها بمصالح الشعوب والمجتمعات التي خرجت تهتف سلميا بالدولة والمدنية والديمقراطية والعدالة.
و من هنا طالما والنخب الرسمية والحزبية وحلفائها لايدركون واقع بلادهم ولم يرتفع وعيهم الى حجم الوطن والشعب فان حلبات الصراع الرومانية ستستمر ليستمر معها الاقتتال والفوضى والعبث السياسي..؟
للاشتراك في قناة موقع يمنات على التليجرام انقر هنا