اعتقال بنكهة داعشية في عدن
يمنات
صلاح السقلدي
بصرف النظر عن مَـــن تكون الجهة التي اعتقلت يوم الثلاثاء 16مايو أيار الجاري الصحفيين: ماجد الشعيبي وحسام ردمان وهاني الجنيد, وعــرّضتهم للتعذيب, فإن ذلك التصرف والذي لم يكن الاول من نوعه هو الأغرب والأخطر حتى الآن, في عدن على الأقل.
الخطورة التي تمثلها هذه الواقعة والتي لا أظن انها أتت بمعزل عن الجو السائد بحالة شحن التطرف الديني, وهيمنة ثقافة الترويع والتحريض ضد أصحاب الرأي وتعديا صارخا على الحقوق العامة وحق التفكير وإبداء الرأي, فضلا عن حالة تعدد الرؤوس الأمنية وتعدد الجهات التابعة لها بالمدينة.
فهذه الواقعة التي نعلن بأعلى صوت تضامننا مع ضحاياها لا نعرضها هنا لذاتها فقط, بل لندق من خلالها ناقوس الخطر الذي يتهدد السلم الاجتماعي بالمدينة بعد أن تكررت مثلها حالات مشابهة بالعامين الماضيين. فقد حدثت وفقا لشهود عيان مقربون من الصحفيين الثلاث على النحو التالي:
بعد خروج الصحفيون الثلاث من منزل القتيل الشاب والناشط الجنوبي أمجد عبدالرحمن- الذي قضى على يد من يعتقد انهم متطرفون بمقهى أنترنت بمدينة الشيخ عثمان قبل أربعة أيام بتهمة الكفر والإلحاد- بعد تقديمهم واجب العزاء لتلك الأسرة بمدينة كريتر, وفجأة تلقفهم طقم عسكري واحد على الأقل, قبل أن يقتادهم بطريقة مذلة الى سجن معسكر 20 يونيو بذات المدينة.
و وفقا لمقربون منهم فقد تعرضوا لعملية تعذيب واساءات كثيرة من قبل جنود تلك الوحدة الأمنية بسجن المعسكر. وكانت التهمة أغرب من طريقة الاعتقال ذاتها, وأبشع من حالة التعذيب نفسه, وهي (تهمة الإلحاد والكفر) بمجرد تقديمهم لواجب العزاء.
و هنا وضعت هذه القوى الأمنية نفسها ومن يقف خلفها بموقف الريبة والتوجس من عامة الناس, بعد أن جعلت من نفسها جهة توزع تهمة التكفير والإلحاد دون أن تمتلك الحق في ذلك, كما وضعت نفسها في موقف المتهم صراحة.
ففي الوقت الذي كان يجدر بها أن تلقي القبض على الجناة وتقديمهم للجهات المعنية المختصة لتقيم عليها العدالة, إلا أنها عوضا عن ذلك تحولت إلى جهة الخصم والحكم, وأصدرت حكم الكفر والردة على الضحية دون أي تحوز أدنى اية صفة شرعية أو قانونية يخول لذلك. فالأمن كما نعلم جميعا هو جهة ضبطية فقط وهذه فضيحة أمنية من العيار الثقيل.
هذه الحالة كما اسلفنا ليست المرة الأولى التي تحدث بعدن, فقد سبقتها عدة حالات بذات التهمة وبذات أسلوب التصفية الجسدية, كان آخرها الشاب العدني عمر محمد باطويل 17عام, قبل قرابة عام. ولكن ما يجعل هذه الواقعة أي واقعة قتل الشاب أمجد قبل ايام خطيرة هي أن الجهة الأمنية التي يفترض أنها تتقفى اثر الجناة وتقبض عليه وتقديمهم للنيابة والقضاء – ملاحظة: القضاء في عدن معطّل بفعل فاعل – فقد جعلت من نفسها جهة رديفة للجهة القاتلة وتركتهم وحالهم وطفقت بدلا من ذلك على تتعقب آخرين ليس لهم في القضية ناقة ولا جمل.
ليس هذا فحسب بل أن هذه الجهة الأمنية قد منعت الصلاة على الضحية أمجد, وهي سابقة لم تشهدها عدن من قبل, هذا علاوة على منعها لكل المعزيين من الوصول الى بيت الضحية أمجد, ومن جازف بالوصول فأطقم الاعتقال تتحينه على مقربة من المنزل.
قد يقول البعض ويبرر هذا التصرف الأمني المشين بالقول بأن هذا الشاب أو غيره من الضحايا الذين قتلوا بتهمة الكفر والإلحاد قد تعدوا حدودهم تجاه الدين الإسلامي.
و لكن هذا القول لن يصمد كثيرا حين نقول لهم ولغيرهم ممن يريدون أن تتحول عدن الى قندهار أخرى أو رقة داعشة جديدة بالجنوب: من خوّل هذه القوة الأمنية أن تصدر حكمها بكفر هذا أو إلحاد هذا..؟ هل هي جهة أمنية لضبط الأمن السكينة أم نسخة من محاكمة التفيتش سيئة الصيت التي سادت في القرن الخامس عشر ايام حكم الكنسية بأوروبا. وإن كان الأمر على هذا الشاكلة كما يريد لها البعض ان تكون من فوضى وهمجية وسيادة الفكر الداعشي التدميري, فمَـن ذا الذي بوسعه أن يضمن حياته أو حياة أقاربه من أن لا تطالهم ذات يوم هذه التهمة وبذات طريقة القتل المشين, وبصورة كيدية شخصية رخيصة..؟ مَــن يرضى أن يتحول ديننا الاسلامي الحنيف إلى وسيلة للقتل وأداة لسفك الدماء بدون حق, لرغبات وأهواء صبيانية..؟.
التعدي على الدين لا يمكن قبوله مطلقاً, وهذه حقيقة لا جدال فيها أبداً. ولكن وحتى لا تتحول الأمور الى وسيلة مكايدة شخصية وتصفيات حسابات خطيرة وسيادة فكر الجهل والجهالة الذي يعزف على نغمة الدين الحساسة في مجتمع شديد الحساسة لهذا الأمر, فيجب أن تقوم كل جهة رسمية أمنية أو قضائية أو دينية بعملها المخصص لها فقط, لا تتدخل كل جهة بعمل ليس من مهامها, وخصوصا حين يتعلق الأمر بأرواح ناس واعراضهم.
غداة حرب 94م تشكلت جماعات متطرفة في المكلا وعدن أسمت نفسها بــ(انصار المباحث), كانت تقوم بأعمال اشبه بوظيفة هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر- شرطة دينية – الموجودة بالسعودية والتي لا تمتلك ضوابط قانونية واضحة هناك, ولا وجود لها باليمن بأي مصوغ قانون أو شرعي أو اعترف رسمي, كونها مثيرة للجدل على المستوى المحلي والدولي وبالذات فيما يتعلق بالحقوق العامة, وتتداخل مهامها بشكل غريب بمهام السلطات الأمنية والقضائية والجهات الرسمية الأخرى. مع فارق أن تلك الجماعات التي ظهر في ذلك العام بعدن والمكلا جهلت حتى قواعد عمل هيئة المعروف بالمملكة واضافت لأسلوبها التي اتبعته لأكثر من ثلاثة أعوام تصرفات فوضوية همجية قمعية استفزازية لا تمت بصلة لهيئة المعروف على الرغم ما لهذه هذه الأخيرة من مآخذ حقوقية وقانونية عديدة.
*حكمة: يجب أن تكون الوسيلة التي نستخدمها بنفس نقاء الغاية التي نسعى إليها.
للاشتراك في قناة موقع يمنات على التليجرام انقر هنا