دول الخليج الصراعات المتكررة .. كيف ستنعكس على الساحة اليمنية..؟
يمنات
صلاح السقلدي
الأزمة السياسية التي تعصف اليوم بالعلاقة الخليجية الخليجية – وبالذات القطرية السعودية – ليست هي الأولى من نوعها بين البلدين وبين دول مجلس التعاون الخليجي عموماً، ولكنها الأكثر حدة وسخونة، والأبرز ظهوراً على السطح من خلال وسائل الإعلام المختلفة، وسيل من التصريحات والتغريدات على وسائل التواصل الإجتماعي والمواقع الإخبارية والقنوات الفضائية من قبل أنصار الطرفين، وبمشاركة مباشرة هذه المرة للاعبين كبار مثل أمير دولة قطر، الشيخ تميم بن حمد، الذي وصفته صحيفة «عكاظ» السعودية قبل يومين بـ«الأمير المراهق».
فقد شاهدنا خلال العقدين الماضيين جولات مشابهة لهذه الأزمة، مثل واقعة الإشتباكات المسلحة التي اندلعت عام 1992م على حدود البلدين، قطر والسعودية (مخفر شرطة)، وسقط على إثرها ضابط سعودي وجنديان قطريان على الأقل، وأزمة محاولات الإنقلابات التي استهدفت أمير قطر السابق، حمد بن خليفة، والد الأمير الحالي تميم، والتي منها محاولة انقلاب عام 96م أشير بأصابع الإتهام فيها نحو الرياض والقاهرة، وأزمة عام 2014م بين قطر وباقي دول مجلس التعاون الخليجي بعد أن سحبت كل من السعودية والبحرين والإمارات سفراءها لدى قطر، بسبب ما وصفته بعدم التزام الدوحة بمقررات تم التوافق عليها في المجلس، يعُتقد أن أبرزها هو الموقف القطري من ما تقول الدوحة إنه «انقلاب 30 يوليو» في مصر، ودعم الدوحة لثورات «الربيع العربي»، وعلاقاتها الوثيقة مع جماعة «الإخوان المسلمين»، والتغطية المنحازة لقناة «الجزيرة» إلى جانب تيار «الإخوان».
وبالعودة الى الحديث عن الأزمة الأخيرة التي نشبت لتوها قبل أيام بعد انتهاء القمم الثلاث التي عُـقدت في الرياض – القمة الأمريكية العربية الإسلامية والقمة الأمريكية الخليجية والقمة الأمريكية السعودية – والتي لم يكن طرفاها هذه المرة دولتي قطر والسعودية فقط كما هو المعتاد، بل قطر طرف، والسعودية والإمارات والبحرين وبمشاركة فاعلة من مصر طرف ثان، وكان موضوع الدعم القطري لـ«الإخوان» هو محورها، فضلاً عما تزعمه السعودية من تقارب قطري إيراني إسرائيلي، نجد أن كثيراً من الترسبات والتراكمات السياسية القديمة التي علقت بجدران صمامات العلاقة الخليجية، كالتي عرجنا على بعضها سلفاً، كانت عاملاً مهماً من عوامل تفجر الخلاف بهذه القوة، وفي هذا الوقت الذي تخوض فيه تلك الدول حرباً مريرة ومكلفة في اليمن.
وأبرز هذه التراكمات على الإطلاق، والذي انبعث اليوم بقوة، هو موضوع علاقة قطر المثير للجدل بجماعة «الإخوان المسلمين» في مصر وباقي دول المنطقة. فقبل أيام من انعقاد تلك القمم في الرياض، كان الإعتقاد السائد بأن الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، لن يحضر تلك القمم لعدة اعتبارات مصرية، منها أن مصر التي دائماً ما تحرص على الاحتفاظ بكبريائها وتاريخها لا تريد أن يُنظر لحضورها على أنه مبايعة مصرية للسعودية في الامساك بقيادة الأمة العربية والاسلامية، وهي – أي مصر- الأحق في ذلك، ولكن المكالمة التي أجراها الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، قبل يوم من بدء القمم الثلاث مع الرئيس السيسي، والتي أُعلن بعدها بقليل عن مشاركته في القمة، قد تكون مكالمة انطوت على وعود أمريكية مغرية للقاهرة، وبالذات في ما يتعلق بالهاجس الذي يؤرق الرياض وهو الهاجس الأمني والانزعاج المصري من الدور القطري الداعم للجماعات الإرهابية في سيناء وباقي القطر المصري. أتى هذا الحرص الأمريكي السعودي على حضور مصر بعد ثبوت مقاطعة الرئيس التركي لهذه القمم، بعد أيام قليلة من زيارة مخيبة للآمال التركية قام بها الرئيس رجب طيب أردوغان إلى واشنطن، التي رفضت فتح مجال للنقاش في موضوع تسليم الداعية الديني، فتح الله جولن، الذي تتهمه أنقرة بقيادة الإنقلاب الفاشل عام 2016م.
ومن تلك الوعود الأمريكية هو التعاطي بحزم مع الدور القطري وعلاقته بالجماعات المتطرفة، ومنها بالطبع حركة «الإخوان المسلمين» في مصر. وقد وجدت قطر، وفقاً لمراقبين، في القمة تقريعاً قوياً من قبل الأمريكان وغيرهم، وكان الإنزعاج القطري جلياً إزاء ذلك، وقد اتخذت الدوحة من موضوع توصيف حركة «حماس» بالارهابية نافذة للتعبير عن سخطها على النفوذ المصري في هذه القمة، ومحاولة حشر قطر في الزاوية ونبذها عن محيطها. ولم تكتف الدوحة بذلك، بل أرسلت رسالة غضب قوية إلى المملكة السعودية لمعرفة الدوحة بالدور السعودي السيء تجاهها. من هذه الرسائل كانت التصريحات الساخطة للأمير تميم، والتي أدلى بها لوكالة الأنباء القطرية، منتقداً عملية توصيف الحركات المقاومة ومنها «حماس» و«حزب الله» بالجماعات الإرهابية، ناهيك عن تلويحه بالتقارب أكثر وأكثر مع خصم المملكة اللدود وهو إيران، ونشر عدد من التصريحات والمقالات لعدد من الكتاب الإيرانيين ومنهم وزير الخارجية الإيراني، محمد جواد ظريف.
هذا الخلاف الذي يستعر بين دول الخليج لا شك أنه سيلقي بظلاله الداكنة على مجريات الأحداث في اليمن، وسيؤدي إلى تصدع جدار الحرب التي تخوضها هذه الدول ضد حركة الحوثيين (أنصار الله) وقوات الرئيس السابق علي عبد الله صالح، والتي طال أمدها وتضاعفت كلفتها المادية والمالية والاخلاقية، متسببة باشتداد حالة المعاناة الإنسانية في أوساط اليمنيين. وقد بدأت أولى تجليات هذا التصدع بتقارير إخبارية خطيرة تعرض على قناة «الجزيرة» القطرية (التي طالب ناشطون سعوديون وإماراتيون بمنع بثها) موجهة بدرجة رئيسة ضد الإمارات، التي ترى فيها قطر في الآونة الأخيرة رأس حربة بوجه حركة «الإخوان»، وبالذات فرع اليمن (حزب الإصلاح)، حيث تحدثت تلك التقارير عن وجود سجون سرية في عدن والمكلا وسقطرى يتعرض فيها عدد من المعتقلين للتعذيب على يد ضباط إماراتيين منهم: أبو يوسف وأبو عبد الله. وهو الزعم الذي رفضته الإمارات ونخب جنوبية عديدة.
في اليمن، تلقفت أطراف الصراع المختلفة، وبالذات في الجنوب، هذه الأزمة، وطفق كل طرف يوظف ما يمكن توظيفه لمصلحته ويجير ما يمكنه منها ضد خصومه. فالحراك الجنوبي اعتبر التعاطي الإعلامي القطري في الجنوب استهدافاً له وللدول الخليجية التي تدعمه (الإمارات)، وأن هذا الإعلام يستند إلى معلومات استخباراتية إعلامية كاذبة يستقيها الإعلام القطري – وقناة «الجزيرة» تحديداً- من مطابخ إعلامية لحزب «الإصلاح» الإخواني في اليمن، باعتباره الحزب الذي يناصب الجنوب الخصومة المباشرة، وبالتالي فالدور القطري وفقاً للتفسير الجنوبي يشكل خطراً ليس فقط على الجنوب وقضيته، بل على مصير «التحالف العربي» و«عاصفة الحزم»، باعتباره يؤدي دوراً «مشبوهاً» في هذه الحرب. هذا السخط الجنوبي على الدور القطري يأتي بعد أيام قليلة من حملة شعواء تقودها قناة «الجزيرة» ضد «المجلس الإنتقالي الجنوبي» المشكل حديثاً في عدن، والذي دأبت قطر وأدواتها على الاستماتة في إفشاله منذ الوهلة الاولى لإعلانه. وهذه الرغبة المتشيطنة نحو الجنوب، بقدر ما هي رغبة قطرية، فهي «إخوانية» «إصلاحية» بدرجة أساسية.
حزب «الإصلاح» وجد نفسه في موقف «حيص بيص» من هذه الأزمة، بين المطرقة السعودية والسندان القطري. فهو – أي «الإصلاح» – الحليف الرئيس لقطر باعتباره أحد أذرع حركة «الإخوان»، لكنه في الوقت نفسه بحاجة للدور السعودي المحوري في هذه الحرب، التي يتطلع إلى أن تعيده إلى سدة الحكم في صنعاء وتقضي على أو تضعف خصومه الحوثيين وصالح، هذا بالاضافة إلى تواجد عدد من قياداته في الرياض. ومع ذلك، لم يقف حزب «الإصلاح»، ولا نعتقد أنه سيقف مكتوف الأيدي حيال ما يعتبره عدد من رموزه استهدافاً له ولقطر من قبل عدد من الجهات الإقليمية، ولكنه – أي «الإصلاح» – لن صوب رماحه مباشرة نحو السعودية للاعتبارات آنفة الذكر، وسيعمد عوضاً عن ذلك إلى تصويبها مباشرة لنحر الإمارات، خصوصاً بعد أن تحدثت هذه الأخيرة عن نشاط قطر في دعم جماعات الإرهاب في اليمن، حين كشفت عدد من مواقعها عن أن جمعية قطرية حولت مبالغ مالية خلال العام الماضي بلغت 500 مليون دولار عبر شركة العمقي، تحت غطاء مساعدات لمنظمات وجمعيات تابعة لحزب «الإصلاح». كما سيعمد «الإصلاح»، بالتوازي مع التركيز على الهجوم على الإمارات، إلى التركيز على وقوفه مع قطر والشد من عضدها، ليس في وجه الإمارات فقط كما هو معلن، ولكن في وجه السعودية من خلف الستار، كالبيان الذي صدر باسم حكومة بن دغر ونشر في موقع وكالة «سبأ» للأنباء الرسمية، والذي أيد الجانب القطري بقوة، مشيداً بدور قطر و«تضحياتها» في اليمن، وهو البيان الذي قيل إنه أطاح بناطق الحكومة، راجح بادي.
للاشتراك في قناة موقع يمنات على التليجرام انقر هنا