ازمة قطر مع شقيقاتها الخليجيات تدخل “مناطق محرمة”
يمنات
بوادر نجاح أي وساطة تنعكس دائما في حدوث “هدنة” إعلامية بين الدول المتخاصمة كخطوة اولى، تمهيدا لبدء الحوارات السياسة لتطويق الازمة، والوصول الى “تفاهمات” حول نقاط الخلاف الرئيسية، وإصلاح البين.
اذا طبقنا هذه القاعدة على ما تردد عن وساطة يقوم بها امير الكويت الشيخ صباح الأحمد الصباح في الخلاف القطري السعودي الاماراتي المتفاقم، فإننا نجد ان هذا الخلاف ما زال على حاله، بل يزداد تصاعدا، وان الزيارة الخاطفة التي قام بها امير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني الى دولة الكويت مساء الأربعاء، للتهنئة بمقدم شهر رمضان، لم تنعكس بأي شكل من الاشكال بطريقة إيجابية على صعيد التهدئة.
من يتابع وسائل الاعلام في الدول المعنية الأربع وتحركات السياسيين فيها داخليا وخارجيا، يلمس للوهلة الأولى مؤشرات على ان هذه الازمة بدأت تدخل مناطق “محرمة”، او بالأحرى مرحلة كسر العظم.
قناة “الجزيرة” الذراع الإعلامي الأقوى لدولة قطر دخلت في اتون المعركة، بعد ان كانت، أي هذه المعركة، مقتصرة على افتتاحيات بعض الصحف مثل “الراية” و”الشرق” في الدوحة، وكان لافتا انها، أي “الجزيرة”، شنت هجوما غير مسبوق على دولة الامارات العربية المتحدة، وركزت في احد برامجها على العلاقات المتطورة بينها بين إسرائيل، بما في ذلك السماح للاسرائيليين بدخول دبي دون تأشيرة دخول (فيزا)، وفتح سفارة في ابو ظبي، واقامة خط طيران مباشر بين العاصمة الإماراتية وتل ابيب.
اعلام الامارات ممثلا في صحيفة “الاتحاد”، وبدرجة اقل “الخليج”، دخل الى ارض المعركة، وبدأ يركز على دور دولة قطر و”مؤسسة قطر الخيرية” تحديدا، “في تمويل الحراك الفوضوي بالدول العربية تحت مسميات الثورة والنضال وحقوق الانسان”، مشيرا الى “ان قطر معنية بتعزيز نقمة الشعوب على حكامها وقادتها من خلال اثارة قضايا حقوق الانسان”.
ولعل التطور الأخطر في هذه الحملة الإماراتية نقل صحيفة “الاتحاد” على صفحتها الأولى خبرا عن صحيفة “اليوم السابع″ المصرية، يقول بأن الدكتور سعود بن ناصر آل ثاني عضو الاسرة الحاكمة في قطر بصدد الإعلان عن حزب سياسي معارض لنظام الحكم الحالي في قطر برئاسة الشيخ تميم بن حمد، وقدم الدكتور ما اسماه باعتذار لدول الخليج ومصر واليمن “عما بدر من نظام الحكم من سياسات قطرية تجاههم وتهدف الى شق وحدة الصف العربي”، وانتقد “التقارب القطري الإيراني”، وتحول قطر الى “منابع لتمويل الارهاب وتصدير الفكر المتطرف”.
اللافت ان الاعلام القطري يوجه معظم سهامه ضد دولة الامارات، ويتجاهل المملكة العربية السعودية التي تتزعم الحملة ضد دولة قطر، وربما يعود هذا التوجه الى وجود رغبة او “تكتيك” بتحييد المملكة أولا، وعدم اغضاب الشعب السعودي الذي أظهرت بعض اوساطه تعاطفا مع دولة قطر، ورفض بعض دعاته الإسلاميين الانخراط في الحملة ضدها ثانيا.
المعركة تبدو للوهلة الأولى غير متكافئة، خاصة بعد دخول الاعلام المصري الى ميدانها داعما للجناح السعودي الاماراتي البحريني، فقناة “الجزيرة” التي تشكل رأس الحربة في الامبراطورية الإعلامية القطرية لم تعد على الدرجة نفسها من القوة والتأثير على ما كان عليه حالها قبل ما يسمى بثورات الربيع العربي التي انطلقت قبل ست سنوات، ولعبت فيها دورا “تحريضيا” محوريا.
ويبدو واضحا ان استراتيجية قطر المتبعة حاليا في مواجهة هذا التحالف الرباعي الموجه ضدها، والذي يركز على نقطة حساسة ومؤثرة وهي علاقتها بـ”الإرهاب”، تتمحور حول نقطتين أساسيتين:
الأولى: النأي بنفسها كليا عن نتائج قمة الرياض الأخيرة التي انعقدت بحضور الرئيس دونالد ترامب، والبيان الصادر عنها بمحاربة الإرهاب، واعتبار ايران رأس الحربة فيه مثلما ورد على لسان العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز.
الثانية: التقارب اكثر من معسكر ايران وتبني سياساته “المُمانعة”، وتطوير علاقاتها مع “حزب الله” و”سورية” و”حماس″، وانعكس هذا التقارب بشكل واضح على سياسة قناة “الجزيرة” الحالية التي باتت اكثر تعاطفا مع الحوثيين، وايران، وتتحدث عن معتقلات سرية للتعذيب تحت اشراف الامارات في عدن وسوقطرة، واستخدامها تعبير “الجيش العربي السوري” بدلا من “جيش النظام”، ولوحظ تكوين قطر جبهة مع ايران وسورية في الامم المتحدة، قامت يوم الاربعاء بالاعتراض على تزكية سفير إسرائيل داني دانون نائبا لرئيس الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها المقبلة.
في ظل هذا التصعيد الذي يعكس تجاوز طرفي الازمة كل الخطوط الحمر، من الصعب التنبؤ بأي بصيص امل على صعيد نجاح أي وساطة كويتية، مفترضة، هذا اذا وجدت بالأساس.
تبني جناحا معارضا في الاسرة القطرية الحاكمة من قبل اعلام دولة الامارات خطوة غير مسبوقة، منذ محاولة الانقلاب الفاشلة التي وقعت عام 1996 لاعادة الشيخ خليفة بن حمد آل ثاني الى عرش الدوحة، بعد الإطاحة به من قبل ابنه ولي العهد في حينه الشيخ حمد بن خليفة به في انقلاب ابيض.
صحيح ان هناك فوارق كبيرة بين الشخصيتين القطريتين، فالامير الجد (توفي قبل عام) كان يملك مكانة خاصة، ويتمتع ببعض الشرعية، ولكن الجديد هو تجاوز الخطوط شديدة الاحمرار في التقاليد الخليجية، ومحاولة شق الاسر الحاكمة.
من الصعب علينا التكهن بالمآلات التي يمكن ان تصل اليها هذه الازمة، وهي في اعتقادنا في هذه الصحيفة “راي اليوم”، مرشحة للمزيد من الصدامات والتعقيدات، ويبدو اننا امام انقسام حاد في مجلس التعاون الخليجي وبالتساوي، الى معسكرين يتبلوران بسرعة: الأول يضم قطر وسلطنة عمان وبدرجة اقل الكويت، والثاني المملكة العربية السعودية والامارات والبحرين.
امير الكويت الشيخ صباح الأحمد الذي اكرم وفادة ضيفه ونظيره القطري الشيخ تميم، واولم له بحفل إفطار فاخر على شرفه حضرها كبار المسؤولين ورجالات الدولة، يلتزم الصمت تجاه الازمة، وكذلك الاعلام الكويتي الذي يجاهد لكي يكون محايدا، او شبه محايد، فالتصريحات الصحافية الرسمية مقتضبة جدا، ونادرة، الامر الذي يجعلنا لا نعول كثيرا على وجود أي وساطة كويتية وشيكة، على غرار ما حدث اثناء ازمة سحب السفراء عام 2014، والعنوان الأبرز لهذه الازمة هو التأزم اكثر، وربما دخولها مناطق “محظورة جدا”، من بينها محاولة تغيير أنظمة.
ونكتفي بهذا القدر لان ليس كل ما يعرف يقال في الوقت الراهن على الأقل.
افتتاحية راي اليوم