مالذي تعده الامارات للحظة تقاسم لحم الكبش اليمني المذبوح..؟ وهل سيكون المقاتل الجنوبي بدون دية..؟
يمنات
صلاح السقلدي
بعد مقتل الرئيس السابق علي عبد الله صالح، الذي كان يراهن عليه “التحالف” عموماً، والإمارات بالذات، لإحداث تغيير في الخارطة السياسية والعسكرية المتصلّبة باليمن، وليقلب بواسطة حرسه الجمهوري والقبائل الموالية له وقيادات حزبه، الطاولة في وجه “أنصار الله”، ويشرع بعدها بتسوية سياسية مع “التحالف”، تكون أبو ظبي البوابة الرئيسية لها، بالتوازي مع خطة تحجيم دور حزب “الإصلاح” مستقبلاً، سيعيد “التحالف العربي” ترتيب أوراقه وأولياته، وسيعمد إلى تبديل خططه العسكرية وبناء تحالفاته السياسية المستقبلية في اليمن.
هذه التحالفات، تحـدّثَ عنها يوم الجمعة الماضي وزير الدولة للشؤون الخارجية الإمارتي أنور قرقاش، قائلاً إن “اليمن مقدم على خريطة وتضاريس سياسية جديدة”، وفقاً لما ستسفر عنه تلك الترتيبات والخطط القادمة، وبالذات العسكرية.
و لأن مفتاح أي حسم لأية قضية ولأي أزمة أو حرب، ومنها الأزمة والحرب في اليمن، هو النصر، بما فيه النصر العسكري، فقد شَــرَعتْ الإمارات بعد يوم فقط من مقتل صالح، وبعد إمساك الحوثيون بناصية الأمور بمعظم جغرافيا الشمال وبصنعاء بالذات؛ بإعادة ترتيب أوراقها العسكرية، وبالذات بمعركة الساحل الغربي، واستأنفتها بوتيرة كبيرة، مُـحدِثةٌ تقدم على الأرض هناك.
معركة الساحل سرّ التوقيت
لكن لماذا هذا الاستئناف وبهذه الوتيرة وفي هذا الوقت؟
كما أسلفنا، فإنه بعد سقوط الرهان الإماراتي على ورقة صالح، فإنها تتلمّس البديل لتحقيق أهدافها العسكرية والسياسية بعدة مسالك ودروب منها:
– نجل الرئيس السابق، أحمد عبدالله صالح، ليكون البديل لوالده “مؤتمرياً” وعسكرياً وسياسياً وقبلياً، يتم من خلاله لملمة بقايا “المؤتمر” و”الحرس الجمهوري” واستمالة عدة قبائل، وتطمين القبائل التي ما تزال مخلصة لوالده، ليوجه بالتالي كل هذا الجهد نحو الغاية الكبرى.
و هذا الاهتمام الإماراتي بنجل صالح بدا واضحاً في الأيام الأخيرة، فالزيارة التي قام بها الشيخ محمد بن زايد، ولي عهد أبو ظبي ونائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، إلى مقر احتجاز العميد أحمد علي، هي أكبر من أن تكون زيارة للتعزية، فإن لم يكن المراد منها، إيصال رسالة سياسية للمعنيين بالأمر، لاكتفى الرجل ببعث برقية عزاء ونشرها عبر وسائل الإعلام الرسمية للدولة، علاوة على تضاعف الاعتقاد بإسناد الإمارات مهام عسكرية له على الأرض، يرجح أن تكون جبهة الساحل الغربي حيث النفوذ الإماراتي، وبعيداً عن أي نشاط لخصومه وخصوم والده (حزب الإصلاح واللواء محسن الأحمر) في جبهات مأرب ونهم أو تعز.
و بذات الشأن، يكون إشراك العميد أحمد علي، في العملية السياسية وبتحالف عسكري فعلي مع دول “التحالف”، قد أسقط نظرياً وعملياً قرار مجلس الأمن 2216 الصادر بخصوص اليمن، الذي وضع العميد أحمد ووالده بقائمة المعاقبين، ما يعني ذلك أن التحالفات القادمة والمرجعيات السياسية ستتغير بشكل جذري.
و بالتوازي مع هذا المسار السياسي، تقوم الإمارات بتعزيز وجودها ونفوذها العسكري على الساحل الغربي، والتعمّق أكثر على طول هذا الشريط الحيوي، وربما للوصول إلى مدينة وميناء الحديدة، ليتسنى لها مستقبلاً الضغط بهذه الورقة بوجه “الحوثيين” و”الإصلاحيين” وغيرهم من القوى اليمنية عند أي تسوية سياسية مرتقبة، أو قل “في لحظة تقاسم لحم الكبش اليمني المذبوح”، حيث ترى أبوظبي في هذا الشريط مكاسب كبيرة للغاية ليس فقط سياسية، بل وجودية مستقبلية، واقتصادية وعسكرية هائلة، كالتمكن من الممرات الدولية البحرية ومن الموانئ الاستراتيجية المهمة بالمنطقة، والتي تنافس موانئها ومناطقها الحرة وشركات موانئها البحرية العابرة للقارات كشركة موانئ دبي الاستثمارية العملاقة التي اُخرجت من ميناء عدن قبل سنتين من اندلاع هذه الحرب.
جناحا صقر خليجي في اليمن
هذا التعمّق يعني للإمارات ترسيخاً لامتدادها البحري من المهرة شرقاً إلى الحديدة غرباً وشمالاً، مروراً بميناء عدن الاستراتيجي وجزيرة سقطرى الحيوية ومضيق باب المندب الملاحي الهام، إلتحاماً بالجزر اليمينة بعمق البحر الأحمر منها أرخبيل حنيش وكمران، جنباً إلى جنب مع الجزر الإرتيرية التي تستأجرها من أسمرا، لتشكّل بالتالي سلسلة طويلة من النفوذ السياسي والوجود العسكري، والاقتصادي على السواء. حيث سيشكل هذا الوجود ورقة مساومة سياسية واقتصادية، علاوة على أنه سيكون بوابتها الفسيحة للولوج نحو وجود مستقبلي دائم.
لتشكل في المحصّلة الأخيرة مع السعودية جناحَـيّ صقر خليجي في اليمن وعموم المنطقة، يبسط جناحاً إمارتياً بالبحر، والآخر سعودياً بعمق الصحراء، من شمال حضرموت إلى الجوف مروراً بمأرب، حيث ستشكل هذه المناطق بالنسبة للرياض، سواء تم هزيمة الحوثيين أم إضعافهم فقط، منطقة عازلة غير معلنة لتأمين حدودها تقوم به بأيادٍ يمنية، فضلاً عن مناطق نفوذ حيوية مستقبلية تؤمّـن لها نقاط قوة عسكرية واقتصادية بصراعها المحتدم مع خصمها اللدود إيران.
هذا علاوة على أنها اليوم بمسيس الحاجة وبأسرع وقت ممكن، لتحقيق نصر عسكري كبير في اليمن، لتصرف به على الأقل الأنظار العربية الشاخصة بسخط نحو القدس التي أعلنها حليفها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، عاصمة لدولة إسرائيل الأبدية، في خطوة وضعت المملكة في قلب دائرة الحرج الشديد تجاه العرب والمسلمين كافة، خصوصاً بعد تقاربها المفرط مع واشنطن، وتوريدها للخزانة الأمريكية نصف ترليون دولار، وتصنيفها لعدة فصائل عربية مقاومِـة كحركات إرهابية، إنفاذاً لمطالب أمريكية.
دور الجنوب..؟
بقي الإشارة إلى أهم النقاط ونحن نتحدث عن استئناف الإمارات المعارك بالساحل الغربي، وهي نقطة الدور الجنوبي بهذه المعركة، حيث تناست كثير من القيادات الجنوبية غلطتها السابقة المتمثلة بعدم إبرامها بداية هذه الحرب في مارس 2015م أي اتفاق ولو ضمنياً، أو طلب ضمانات من “التحالف” بخصوص القضية الجنوبية مقابل المشاركة في الحرب، وبالذات المشاركة خلف الحدود الجنوبي.
فبمجرد استئناف الإمارات اليوم حربها هذه وبذات المكان (الساحل الغربي) الذي تحـــوّلَ إلى ثقب أسود يلتهم المئات، إن لم نقل الآلاف، من الجنوبيين بشراهة، تناست هذه القيادات كل شيء، ومع أن أمامها فرصة سانحة لتصحح بها خطأ فادحاً، إلا أنها بدلاً عن ذلك طفقت من جديد تحشد لهذه المعركة كل الطاقات الجنوبية وتسُوق لها المئات من الشباب الجنوبي، كوقود حرب قادمة لا تلوح أي بوادر لنهاية قريبة لها، والمضي بهم وبالجنوب تحت العباءة الإماراتية معصوبي الأعين إلى مصير مجهول، في حالة غباء سياسي لا نظير لها.
وعلى الرغم من أن الفرضة مواتية لهذه القيادات، وبالذات “المجلس الانتقالي”، لأن تفرض شروطها، وليس توسلاً بالطلبات أو الاستجداءات، وعلى الرغم من أن “التحالف” اليوم بمسيس الحاجة لإحداث نصر عسكري في هذه الظروف، ولن يتأتى له ذلك من دون المقاتل الجنوبي، إلا أنه للأسف لم نرَ موقفاً مغايراً من قبل هذه القيادات يوظف إيجاباً لمصلحة القضية الجنوبية، فالخطبة هي الخطبة والجمعة هي الجمعة بالنسبة لمواقف هذه القيادات، فالدماء والأوجاع من البسطاء والمكاسب المالية والمادية، وبناء الأمجاد الشخصية لهذه القيادات الكارثية؛ والتي بالمناسبة تعرف أنها مجرد أدوات للغير، ومع ذلك تمضي بغيها وبغبائها نحو المجهول، وهي تعرف أن الجنوب يتم استخدامه بالحرب للغير، ويتم تجاهله من قبل الجميع وقت المكاسب والمفاوضات.
يكفي أن نورد ما قاله الشيخ هاني بن بريك، لنعلم أن هذه القيادات تتخذ، عن دراية وعلم، من دماء الجنوبيين وسيلة وقرابين عند الخليجيين للتكسّب والارتزاق وبناء المجد الشخصي، في وقت تعرف أن المكاسب السياسية لهذه الحرب وهذه الدماء تذهب للغير، بل تذهب للخصوم. استهجن بن بريك مؤخراً ما اعتبره “سرقة شرعية هادي للانتصارات الجنوبية في الساحل الغربي”، وذلك في إطار ردّه على احتفال إعلام “الشرعية” بالانتصار في الخوخة، واعتبارها إيّاه “نصراً حققه الجيش الوطني اليمني مع التحالف العربي”. قال بن بريك، إن “الجنوبيين مع التحالف يحررون الساحل الغربي، مدينة مدينة وقرية قرية، وصولاً اليوم إلى الخوخة، وإعلام الزور ومنذ ما يقارب السنتين، يغطي معارك ذات التباب، وفي الأخير ينسب الانتصار لأصحابه”.
المصدر: العربي
للاشتراك في قناة موقع يمنات على التليجرام انقر هنا