الحديدة .. حسابات متناقضة في الميدان و”التسوية” رهن الأزمة الإنسانية
يمنات
معاذ منصر
لا خلاف على أن معركة الحديدة تعتبر المعركة المهمة في حرب اليمن، وعلى أنها ستعمل على تغيير خارطة الصراع العسكري الدائر منذ أكثر من ثلاثة أعوام، والتقديرات السياسية الدولية تشير إلى أن هذه المعركة من المتوقع أن ترسم المصير النهائي للحرب، وستعمل على الدفع بعجلة المفاوضات إلى الامام بشكل او بآخر.
الحديدة بالنسبة للأطراف المتحاربة المحلية والأطراف الإقليمية والدولية، أهم من صنعاء ومن تعز، بل وأهم من عدن. والخلاف على الحديدة كان سبباً رئيسياً في اندلاع الحرب بعد مؤتمر «الحوار الوطني» العام 2014، حين عارضت الأطراف السياسية الشمالية عزل المحافظات الشمالية في إقليم سمي بإقليم أزال، وإبعاده عن المنافذ البحرية، حيث صارت المنافذ البحرية في كل من عدن والحديدة، لأقاليم أخرى، وكان هناك معارضة عزل صنعاء ومحافظات مجاورة من تلك المنافذ. ولذا الخلاف على الحديدة كان مبكرا، والمعركة فيها ليست كما يتصورها البعض أو كما تتصورها بعض الأطراف المشاركة في المعركة. فمن الحديدة قد تكون بدأت الحرب ومنها وإليها تنتهي.
والواضح أن المعركة هذه التي ظلت الأطراف الدولية هي من تتحكم بمصيرها، طوال الفترات الماضية، وظلت كل عملية عسكرية تعلنها «الشرعية» ويعلنها «التحالف» بشأن الحديدة مصيرها الفشل والتوقف، تبدو هذه المرة محشورة بحسابات جديدة، وقرار إطلاقها لم يكن وراءه «الشرعية» أو «التحالف» أو أي طرف اخر، بقدر ما كان قراراً دولياً كبيراً قد اتخذ، ويجري الان دراسته بشكل دقيق من قبل الدول الكبرى، المتحكم الأول بمصير هذه الحرب.
وحتى الان لم تتضح معالم معركة الحديدة، ومعالم مساراتها، وهل ستسير بها الأطراف المتحاربة حتى النهاية؟ أم أنها ستتوقف عند حد معين؟ والواضح هو أن الضوء الأخضر الدولي قد أعطي بلا شك لتحريك هذه المعركة، ولكن لا يعني أن الحسابات المحلية والإقليمية هي من ستجد طريقها وهي من ستتحكم بهذا المصير.
الحسابات كثيرة، ومتقاطعة، إقليميا ودوليا، ومحليا، وكل يخوض الحرب تحت راية مختلفة وهدف مختلف وتوجه مختلف أيضاً، ولكن الميدان هو من سيحدد المصير.
والشاهد وطبقاً لمعلومات «العربي» التي حصل عليها من مصادر سياسية مطلعة على ما يدور في دوائر صناعة القرار الدولية، وعلى ما يدور خلف الكواليس، هو أن معركة الحديدة «لن تمثل نهاية للحرب عسكرياً، وإنما ستكون بمثابة ورقة ضغط على الأطراف للقبول بالذهاب نحو الجلوس على الطاولة والقبول بتسوية سياسية يجري هندستها الان من قبل الدول الكبرى، وليس من قبل المبعوث الاممي (مارتن جريفيث) الذي أساساً يمثل الأمم المتحدة ومجلس الامن والدول المعنية بالقرار السياسي الدولي».
انطلقت معركة الحديدة تحت حسابات سياسية وعسكرية كثيرة بعضها متناقضة، حتى على مستوى الدول الكبرى، ففي الوقت الذي أيدت دول كبرى المعركة لوضع حد للنفوذ الإيراني، مانَعَت من الجهة الأخرى انطلاقها، في مسعى لعدم تفاقم الوضع الإنساني، وحدوث كارثة إنسانية تعيها هذه الدول، وتعمل حساباتها وتعرف نتائجها أكثر من الأطراف التي تخوض الحرب بدون رؤية دقيقة، خصوصاً الطرف الذي يمثله «التحالف العربي» و«الشرعية».
معركة الحديدة بالنسبة للإمارات والسعودية
بالنسبة لـ«التحالف»، يبدو أن التوجه والهدف والتحمس للمعركة يمكن أن ينحصر بهدف الامارات في حرب اليمن وفي معركة الحديدة أيضاً، والذي يبدو واضحاً أنه يتعلق بالسيطرة على الموانئ اليمنية وعلى السواحل والممرات الدولية الهامة.
أما السعودية فيبدو أن هدفها من معركة الحديدة هو الضغط على حركة «أنصار الله» للقبول بتسوية، وربما التحضير والترتيب لمعركة في صنعاء، وتسويق بعض أطراف عائلة الرئيس الراحل علي عبدالله صالح، ولكن بحسب مراقبين سياسيين، فإن معركة الحديدة ليست مهمة للرياض بقدر ما هي معركة حدودها مع صعدة.
الحسابات المحلية للمعركة
أما على مستوى الأطراف المحلية، فتبدو معركة الحديدة بالنسبة لـ«الشرعية» مهمة، وطبقاً لمصادر سياسية في «الشرعية»، تحدثت إلى «العربي»، فإن المعركة «مهمة من زاوية أنها ستمكنها من رفع سقف شروطها أمام الحوثيين في التسوية المقبلة، ولكن الشرعية هي في الأساس تبدو معطلة وعاجزة وفاشلة في نظر اليمنيين، وأن يتم اتاحة الفرصة لها بمشاركة معركة الحديدة ولو شكليا سيمكنها من الحضور في التسوية المقبلة، برغم أن أي تسوية قادمة بلا شك لن تمنح الشرعية البقاء على رأس الحكم، بما في ذلك الرئيس عبدربه منصور هادي الذي سيتم عزله، ونقل صلاحياته لرجل توافقي».
وبالنسبة لـحركة «أنصار الله» فالمعركة، وطبقا لمصادر في صنعاء، تبدو «مصيريه ومهمة، وهي مستميتة ولا يمكن لها أن تسلم ميناء الحديدة، أو تتراجع عن خوض المعركة، أو التعامل مع هذه المعركة ببساطة. فحركة أنصار الله تعي ماذا تعني لها الحديدة ولليمن، ولذا تبدو الان مراهنة على أوراق كثيرة، ويبدو أن هذه الأوراق في تقديرات الجماعة ستمكنها من اللعب طويلا سياسيا وعسكريا في هذه المعركة، والطبيعة الجغرافية ووقائع ومسارات المعركة تؤكد أنها تسير لصالحها بما في ذلك التناقضات في المواقف الدولية والمحلية، والتناقضات في الأهداف والتوجهات والكارثة الإنسانية التي سيغرق بها التحالف».
«أنصارالله» والاستفادة من تناقضات الإقليم
في حديثه إلى «العربي» يذهب، مصدر سياسي مطلع وهو باحث استراتيجي بشؤون المنطقة، إلى القول «الحديدة بالمختصر هي ساحة إحكام السيطرة على منافذ البحر الأحمر. أولاً الإمارات تريد الحديدة بأي ثمن وأي تنازل وأي كلفة إنسانية، ليس لكي تعيد نظام صالح ولكن للحفاظ على اقتصادها. وتستطيع القول إن سيطرة جيبوتي على مينائها وسيطرة تركيا على الصومال ومينائها، تعني أن الضفة الغربية للبحر الأحمر خرجت من يد الإمارات. ومن هذه الزاوية تبدو معركة الحديدة هدفها اقتصادي بحت».
وتابع «سقطرى لا تفيد كثيراً إذا كانت الحديدة خارج السيطرة، وكذلك ليس هناك فائدة من الساحل الجنوبي لليمن بدون الحديدة والمخا وميدي»، مضيفاً «فلتنظر للجانب الموازي، عمان تطور موانىء صلالة مع قطر لضرب الإمارات، والحسابات كثيرة لو قلت ستعرفها كاملة، وهي حرب اقتصادية وسياسية أيضا بين وكلاء الغرب بالمنطقة. عمان منسجمة مع بريطانيا، أضف إلى أهمية قطر كأكبر مستثمر مباشر بالاقتصاد البريطاني. والكويت لا تحب أن تستفرد الإمارات والسعودية بالمنطقة لأسباب سياسية وتاريخية أيضاً. الأمريكان بعد حرب 90، استحوذوا على أغلب صفقات السلاح والعقارات بالكويت والإمارات والسعودية، وجاء الملك سلمان ليهدي الميزانية السعودية للشركات الأمريكية لضمان بقاء ابنه بالحكم. لذا الشركاء الإقليميين منزعجين من تهميش دورهم، وكذلك قد ينعكس على بلدانهم لأن هذه الحرب اظهرت الإمارات والسعودية دول توسعية. وانهيار الحوثي بدولة كبيرة اسمها اليمن بيد السعودية والإمارات بشكل مباشر، سيعرض دول الخليج للابتزاز السعودي الإماراتي بشكل مباشر. لذا الإقليم مع الحوار لإبقاء ركائز التوازن لصالح الإقليم، وكي لا تنتقل صراعات الأخوة الأعداء من اليمن إلى بلدانهم بشكل مباشر».
ولفت المصدر إلى أن «الملك عبدالعزيز (والد الملك الحالي سلمان) كان يريد أخذ الكويت وعمان أيضاً، إلا انه خسر باليمن، وبريطانيا أوقفت توسعه بالثلاثينات. إضافة للطموح التركي والإيراني الذي يقاطع طموح السعودية والإمارات. أضف إلى أن مصر لا تريد باب المندب بعيداً عنها، لأن إغلاق باب المندب سيخسر مصر مليارات الدولارات. ولذا تستطيع أن تقول إن الحوثي استفاد من كل تناقضات الإقليم، وهي أهم سبب لبقائه إلى الآن وستمكنه من اللعب في الفترة الراهنة».
وقائع الميدان وتقديرات الدول الكبرى وعلاقة ذلك بالتسوية
طبقاً لمصادر سياسية يمنية تقيم في أوربا، تحدثت إلى «العربي»، فإن التقديرات الدولية، لمعركة الحديدة، وما يجري نقاشه في أروقة الدول الكبرى، تؤكد على أن معركة الحديدة «لن تنتهي بالنصر لطرف، وأنها ستنتهي بأزمة إنسانية كبرى، خصوصا بعد وصول المعركة إلى الاحياء السكنية في المدينة، والمؤشرات العسكرية لدى الدول الكبرى، تفيد بأن التحالف العربي والشرعية سيغرقان عند هذا المستوى من الحرب، وعندها سيكون التدخل الدولي هو الحاسم، حيث سيستطيع المجتمع الدولي المطالبة بإيقاف المعركة فورا، بعد أن يكون قد أعطى فرصة للتحالف لخوض المعركة، ووصوله إلى طريق مسدود، ولذا فإن فشله في تحقيق نصر وبقاء المدنيين أمام نزيف، سيجعل الدول الكبرى تضغط على الطرفين بإيقاف الحرب، ومن ثم الذهاب نحو تسوية سياسية وتقديم تنازلات على هذا الطريق».
وتلفت المصادر، إلى أن «هذا التقدير هو الذي سيكون، وتوقعت به الدول الكبرى مبكرا، ودليله هو أنه بالتزامن مع انطلاق معركة الحديدة، أطلق المجتمع الدولي حملة إنسانية منذ اليوم الأول للمعركة، بدليل معرفته للنتائج وحساباته الدقيقة لمجريات وسريان المعركة العسكرية في الحديدة».
وتؤكد المصادر أن المهلة التي أعطيت للمبعوث الأممي مارتن جريفيث، ما هي الا إجراء «يصب في هذا السيناريو، والشهر ليس لإجراء حوارات مع الأطراف بقدر ما هو مهلة للأطراف المتحاربة، وانتظار النتائج التي ستكون قد ترتبت عليها المعركة».
والشاهد هو أن الأزمة الإنسانية في الحديدة هي التي تتطور على مدار الساعة، حيث بدأ المدنيون بالنزوح الى مناطق أخرى من ناحية، ومن ناحية ثانية الاف المدنيين يقبعون في أجزاء ومناطق الحديدة، حيث تتواجد حركة «أنصار الله»، في حين أن «التحالف» يتواجد خارج المدينة ويشكل حصاراً كبيراً على المدنيين والمعلومات الميدانية تفيد بأن الإغاثة لم تصل بعد الى المحاصرين.
وبحسب الباحث السياسي اليمني، ماجد المذحجي، فإن «ارتفاع مستوى الضغط الدولي على معركة الحديدة مرهون بعاملين أساسيين، بدءً بسقوط أعداد كبيرة من الضحايا المدنيين، وتوقف حركة الميناء او تضرره نتيجة المعركة، كما ان صوراً واسعة لحرب شوارع في أوساط أحياء سكانية لو حدثت، سترفع مستوى الاهتمام الاعلامي والسياسي الدولي بمعركة الحديدة».
ولكن على الرغم من ذلك، وبحسب المذحجي «تدرك القوى الدولية ان معركة الحديدة محكومة بحقائق الميدان وتعقيدات إطلاق عملية عسكرية قرب احياء سكانية، ومؤشراتها تقول انها ستستغرق وقتاً اكثر مما يريد الجميع، وهذا سيشكل عبئاً سياسياً على التحالف والإمارات خصوصا، لكنه عبء ضمن نطاق آمن لا يخلق ضغطاً كافياً لوقف المعركة بالتأكيد، وفِي المقابل لا يلقي الحوثيون اهتماماً بالضغط الدولي إلا من ناحية تركزه على التحالف، بينما يحمي نفسه من اأي انتقادات دولية حول النتائج المدمرة لأدائه في الحديدة بخطاب ايديولوجي، يقول أساساً انه يخوض معركة ليس ضد اطراف محلية واقليمية، بل ضد امريكا ذاتها وتصدياً للمؤامرة الدولية على مشروعه».
خطة الحل بعد نتائج الميدان وكيف ستتغير
وعن خطة الحل السياسية المقبلة، توقعت مصادر سياسية مطلعة، أن «تتفق أمريكا مع الروس لإدارة ميناء الحديدة عبر الأمم المتحدة، فيما الصين تدعم هذا الحل، وموقف الحوثيين انهم يكسبون سياسيا على الطاولة ما خسروه بالحرب».
وقالت المصادر في حديثها إلى «العربي»، إن «المبعوث يمثل مجلس الأمن، وهذا المبعوث يحاول إيجاد صيغة يتفق عليها الخمسة الكبار لا الإمارات ولا السعودية ولا إيران».
وتابعت «الصيغة موجودة ولكن تحتاج أن تهيء لها الارضية اللازمة. لابد لحصار الحديدة أن يأتي أكله، وسيكون على قائد حركة أنصار الله عبد الملك الحوثي، أن يقنع أصحابه أن القبول بالحوار عدم خروج الحديدة من قبضة الدولة العميقة. وكذلك الشرعية تقول لأصحابها إن الحديدة عصية والحوار من سيأتي بها. والصيغة حكومة انتقالية، ولجان عسكرية دولية وتسلم إدارة أهم الموانئ للأمم المتحدة إلى أن يتعافى هيكل الدولة. إضافة إلى إبعاد رموز الحرب، والإتيان برموز ليست ملطخة بالدم، بالإضافة إلى تهذيب قرار مجلس الأمن بقرار دولي جديد يلزم الكل، من تحالف، وشرعية، وأنصار بالتغيير الجديد، وبقية الأمور تفاصيل، والحقيقة أن الامور تتبلور عن واقع يطبخ له بين لندن وواشنطن وموسكو بهدوء تام».
المصدر: العربي
للاشتراك في قناة موقع يمنات على التليجرام انقر هنا
لتكن أول من يعرف الخبر .. اشترك في خدمة “المستقلة موبايل“، لمشتركي “يمن موبايل” ارسل رقم (1) إلى 2520، ولمشتركي “ام تي إن” ارسل رقم (1) إلى 1416.