من أرشيف الذاكرة (54) .. قصتي مع القات
يمنات
أحمد سيف حاشد
(13)
• أول مرة أذكر أنني خزنت مع الحليب، كان في مجلس مقيل زميلي الودود والمرح علي المعمري عضو مجلس النواب.. كان مجلسه ممتلئ بالحاضرين.. على الأرجح كان هذا في العام 2004 أو بعده بقليل.. أذكر أنه كان حاضرا ذلك المجلس نايف حسان ونبيل سبيع، وكان برفقتي مجيد الشعبي..
• يومها لم يكن نبيل ونائف يتحدثون في المجلس إلا لماما، ولكن ما لفت نظري أن مجيد الشعبي الذي رافقني، وكان يومها بمقام مستشاري القريب، لديه فراسة لا تخيب، وكان عميق في فهم الأشخاص من حديث قليل..
• بعد خروجنا من المجلس أذكر أنه أشار إلى اثنين ممن حضر المجلس، وكثف ما أراد بقوله : “رؤوس” وألمح أن أكون قريبا منهما.. لم يكن في ذلك الوقت نبيل ونايف مغمورين إلى الحد الذي يميزهم عمن كانوا حاضرين في المقيل.. ولكن كلما تقادمت الأيام كنت أشعر بأصالتهما وشجاعتهما وروعتهما، ولا زال حسن ظني واعتقادي بهما قائما إلى اليوم..
• ليس من السهل اليوم، في ظل هذه العواصف التي تهب من كل اتجاه، وفي عهد هذا السقوط المريع، أن تجد من استطاع الثبات، والحفاظ على ما في النفس من جمال ورهافة ومواقف مكلفة فيها حتى الصمت الجميل، في حضرت هذا النعيق، وفي محيط مزدحم بالقبح والسقوط والتعاسة.. اثنينهما نبيل ونائف إلى اليوم لم يسقطا، بعد أن سقط أكثر الكثير، في مستنقعات ضحلة وقذرة وموبوءة.. قليلون هم من استطاعوا الثبات والمقاومة، في هذا الوسط المملوء بالعطن والعفن والدود..
• الحليب مع القات يشعرك بالفخامة وأنت تتعاطيه، ولكن عليك أن لا تعر بالك لرأي من يحبطك، ويشعرك أنك مارقا عن القوم، وخارجاً عن الجماعة.. كنت أستلذ طعم القات مع الحليب.. شعرت أنه لا يكفيني في التخزينة قرطاسين أو ثلاثة، ولكن كان علي أن لا أهدر وقار كرسه عرف من عهد بعيد.. لازلت أذكر يومها رشقات سهام بعض الناظرين في المجلس، وأنا مخزِّن وأمص الحليب من قرطاسه بأنبوب رفيع..
• كنت أشعر أن هناك من يكبت ويكتم في صدره الصغير ضحكة بحجم الكرة الأرضية، ولكن أصحابها حاولوا قمعها في مشهد الحضور، ورموني بدلا عنها ببعض الأسئلة، ومنها عن طعم القات مع الحليب..
• الحقيقة أن انسجام القات مع الحليب فيه فرادة من التميز والتعاون.. القات كيف وباعث على النشاط والرواقة، مستساغا مع الحليب، ويعطيه نكة متميزة، ويفكك مرارة القات المقذعة، ويستبدله بطعم شهي مختلف، ويمتص قدر من السموم المسكونة في أوراق القات وغصونه.. ولكنني أقلعت عن الحليب مع القات بعد إدمان قصير، حالما وجدته يؤدي إلى تخليق الحجارة في الكليتين.. رغم أنني أخترق أحيانا هذا الإقلاع بخلط الحليب مع العسل..
• اليوم أسوأ من أمسه، والمستقبل مجهول أو على كف عفريت.. جموع هادرة لا تستسيغ القات مع الحليب، وهو في أسوأ حال لا يؤدي أكثر من توليف حجرة في الكلى، يمكن إزالتها بمنظار أو قليل من علاج، فيما تستسيغ تلك الجموع محتلين ومستبدين وعهره ونخاسين أوطان، وتؤدي لهم الطاعة والولاء والتعظيم سلام.. ولا سلام في المحارق.. المحارق ترحب بكل الضحايا ومن كل إتجاه..