لماذا تحدى رئيس الوزراء الباكستاني “أمريكا”..؟
يمنات
عبد الباري عطوان
أعتَرِف بأنَّني أكِن كُل التَّقدير والاحترام للسيد عمران خان، رئيس وزراء باكستان الجَديد، الذي فازَ حِزبُه “الإنصاف” بأكثريّةِ المَقاعِد في البَرلمان الباكستانيّ في الانتخاباتِ الأخيرة، ليس لأنّي أعرِفهُ شَخصيًّا أثناء دراسته الاقتصاد في جامعة أكسفورد، وعَرفته مُناصِرًا شَرِسًا للقضيّة الفِلسطينيّة، الأمر الذي دَفَع بعض أنصار اللُّوبي الإسرائيليّ في لندن لاتِّهامِه بمُعاداة الساميّة، وإنّما أيضًا لأنّه يتعامَل مع الولايات المتحدة الأمريكيّة من زاوِيَة “النِّد للنِّد”، ولا يَخضَع لإرهاِبها وقراراتِها الابتزازيّة بوَقفِ المُساعدات العَسكريّة والاقتصاديّة التي تَصِل إلى مِلياريّ دولار سنويًّا تقريبًا، ويَرفُض في الوَقتِ نفسه أن يكون تاِبعًا لأمريكا وحُلفائِها في مِنطَقة الخَليج، مِثلَما كان يَفعَل أسلافُه السَّابِقين، وآخِرهُم الفاسِد الأكبَر نواز شريف الذي يَقبَع حاليًّا خَلفَ القُضبان.
عمران خان التقى قبل يَومَين مايك بومبيو، وزير خارجيّة دونالد ترامب، الذي قامَ بزِيارةٍ إلى إسلام أباد بعد قَطعِ بلاده 300 مليون دولار مِن المُساعدات السنويّة الأمريكيّة بحُجَّة أنّ باكستان لا تَقوم بجُهودٍ كافِيةٍ لمُحارَبة الإرهاب في أفغانستان، أي حركة طالبان، وفصيل حقاني أيضًا، بعد تَعاظُم الخَسائِر الأمريكيّة الماليّة والبشريّة.
***
عمران خان رفض الإقامة في القَصر الرئاسي، وباعَ كُل السيّارات الفَخمة ووضع ثمنها في ميزانيّة الدولة، وسَرّح أكثر من 500 خادِم وخادِمة يعملون في القصر، وفَضَّل الإقامة في بيتٍ مُتواضِعٍ من ثَلاثِ غُرَف، مُعلنًا انحيازه للفُقراء والمَسحوقين، وكانت رِسالته لوزير الخارجيٍة الأمريكيّ الزائر واضِحةً وصريحةً، وهِي “أنّ باكستان لن ترضَخ لما تقتضيه مصالِح واشنطن فقط، ولن تُشارِك في حُروب أيِّ دَولةٍ أُخرى”، وأضاف “في خِطابٍ ألقاه في مقَر قيادة الجيش الباكستاني اول امس “سنعمل على إعادة هيكليّة العَلاقات الثنائيّة على أساسِ الثِّقة والاحترام وتأمين المَصالِح الوطنيّة لباكستان التي ستَحظى بالأولويّة”.
وزير الخارجيّة الأمريكي بومبيو الذي تُواجِه حُكومته فَشلاً ذَريعًا في أفغانستان أرادَ ليّ ذِراع السيد خان، وإرهابه، واستخدام ورَقة المُساعدات الماليّة الأمريكيّة كأداةِ ابتزاز، ولكن مُحاوَلته باءَت بالفَشل، لأنّ باكستان لن تُرسِل أبناءها للقِتال ضِد الطالبان وحَركة حقاني مِثلَما فَعَل القادَة السَّابِقون.
ترامب غَرَّد قائِلاً قبل يومين “أمريكا بحَماقةٍ أعطَت باكستان 33 مِليار دولار في السَّنوات الـ 15 الماضِية، ولم يُعطونا سِوى الأكاذيب والخِداع مُعتَقدين أنّ قادَتنا أغبياء، إنَّهُم يُقَدِّمون ملاذًا آمِنًا للإرهابيين الذين نُقاتِلهُم في أفغانستان”.
جيم ماتيس زار أفغانستان سِرًّا أمس الجمعة وسط أنباء عن عزم حُكومته زيادة أعداد قُوّاتها بحواليّ خمسة آلاف جُنديّ (عددها حاليًّا 15 ألفًا إضافةً إلى 7500 جندي من قوات الناتو)، وهُناك تقارير عن عَزمِها الاستعانة بمُرتزقة شركة “بلاك ووتر” أيضًا (تستعين بها دولة الإمارات في حرب اليمن)، ولكن زِيادة عدد الجُنود لن تنجح في تقليص الخَسائِر، وإنّما ربّما يُؤدِّي إلى زيادتها، في ظِل تنامي قُوّة حركة طالبان، وتَصاعُد عمليّات قَتل الجُنود الأمريكيين على أيدي المُجنَّدين الأفغان الذين يَعمَلون على تدريبهم، علاوةً على هَجماتِ الطالبان وقُوّات حركة حقاني، وتنظيم “القاعدة” الذي بَدأ يُعيد تنظيم صُفوف قُوّاته في المِنطَقة.
***
رئيس وزراء باكستان الجَديد رجل يَحمِل رَصيدًا كَبيرًا من الكرامة الوطنيّة والشخصيّة، ولا تُغريه المَظاهر والهدايا، ولا تَلوي ذِراعه الضُّغوط الأمريكيّة، ويُريد أن يُعيد لباكستان قُوّتها وعَظَمتها واكتفاءَها الذَّاتيّ في مجالِ التَّسليح والغذاء مَعًا، وتعزيز اقتصاد بلاده، وإقامَة علاقاتٍ مُتكافِئَةٍ مع الجيران بعيدًا عَن الطائفيّة (رُبع سُكّان باكستان من الطائِفة الشيعيّة).
الغَطرسة الأمريكيّة كوسيلة تَعامُل مع باكستان ستَؤدِّي ليس إلى خسارتها فقط، وإنّما خسارة أطوَل حُروبِها على الإطلاق في أفغانستان، حيثُ خَسِرت 2400 جندي و20 ألف جريح، وأكثَر من ترليونيّ دولار حتّى الآن.
نَتمنّى على بَعضِ الأشقّاء في الخليج الذين يَنظُرون إلى الباكستانيين كدَولةٍ وشَعب بدونيّة واحتقار في بَعضِ الأحيان أن يُعيدوا النَّظر في سياساتِهم، وطُرق مُعاملاتِهم، فالباكستان تتغيّر بسُرعَةٍ، وتُريد أن تتحوّل إلى نَمرٍ اقتصاديٍّ وعسكريٍّ سَيرًا على خُطَى الهند والصين، وربّما يُفيد التَّذكير بأنّها دولة نوويّة، وصَوَّت برلمانها بالإجماع على عَدم المُشاركة في الحَربِ في اليمن.
هل وَصَلت الرِّسالة؟ نأمَل ذَلِك قَبلَ فَواتِ الأوان.
المصدر: رأي اليوم
للاشتراك في قناة موقع يمنات على التليجرام انقر هنا
لتكن أول من يعرف الخبر .. اشترك في خدمة “المستقلة موبايل“، لمشتركي “يمن موبايل” ارسل رقم (1) إلى 2520، ولمشتركي “ام تي إن” ارسل رقم (1) إلى 1416.