من أرشيف الذاكرة .. يوم حصلت على صوتي فقط وصوتت الأحزاب مجتمعة ضدي
يمنات
أحمد سيف حاشد
– اتفقت الأحزاب خلف الكواليس على محاصصة و تقاسم رئاسة اللجان الدائمة في مجلس النواب و عددها 19 لجنة، و أيضا تحاصص نيابة رؤساؤها “مقرري اللجان”.
– المستقلين وحدهم تم استبعادهم من هذه القسمة، رغم أن عددهم كان يبلغ 14 نائبا و كتلتهم تعتبر الثالثة من حيث الحجم في قوام المجلس .. “قسمة ضيزى” و كان فيها المستقلون هم الثور الأسود، حيث استطاع المؤتمر أن يضم إلى كتلته عشر نواب مستقلين خلال فترة وجيزة، بعد أن أغراهم و شراهم بالمال و غيره.
– تراضت الأحزاب على اقتسام كعكة اللجان، و كنا نحن المستقلين الضحية التي جرت عليهم “سيكس بيكو” مجلس النواب .. المصالح هي من تحكم، و هي من تتكلم في ظل صخب و جلبة التقاسم، الذي ينتهي بالتراضي على حساب طرف تم اقصائه و اقتسام حقه .. فطالما في الأمر حصاد، كل ينظر إلى مكسبه، أو ما سيحققه من مكسب، بدلا من إدخال المستقلين في زحام التقاسم، مستفيدين من هشاشة المستقلين أنفسهم أو جلهم..
– أردت أن أخذ حق المستقلين من لجنة الحريات و حقوق الإنسان دون سابق اتفاق، لم يعد هناك أصلا مكانا لأي اتفاق، فقد رفعت الاقلام و جفت الصحف، و صار التقاسم قيد الالتزام و التنفيذ .. أردت أن أحدث على الاقل إرباك فيما تم الاتفاق عليه..
– حاولت أترشح لأنافس الشيخ محمد ناجي الشائف لرئاسة اللجنة، و لكن أرعبني الشيخ سلطان البركاني، وهول عليّ الأمر، و حذرني من فشل ذريع .. ربما كان محقا في تقديره هذا .. فكل شيء كان معد له بعناية، و مرتب سلفا، و على أتم وجه، و بتراضي كتل الأحزاب في المجلس، و التزام تام من أعضاءها بما تم الاتفاق عليه من محاصصة و تقاسم..
– عَدَلتُ من المنافسة على رئاسة اللجنة إلى المنافسة على موقع مقرر اللجنة، و التي تعني المنافسة على نيابة رئيس اللجنة، و تحديدا منافسة نجل وزير الداخلية رشاد العليمي مرشح المؤتمر لهذا الموقع، و المتفق عليه بين كتل الأحزاب في المجلس..
– و رغم أن عضو اللجنة و رئيس كتلة المؤتمر سلطان البركاني، كان يحذرني من المقامرة، إلا أنني غامرت و قامرت، و أذكر أنني دعمت اصراري بالقول، نريد أن نجرّب هذه المرة ديمقراطية المجلس، لا سيما أن الانتخاب سيجري بالاقتراع السري..
– عضو اللجنة و رئيس كتلة الإصلاح عبد الرحمن بافضل هو أيضا من شجعني على خوض غمار المنافسة، و كنت أظن و بسبب تجربتي المبتدئة في المجلس، أنه سيعطيني صوته، و لكنه كان أول من غدر بي .. أشهد أنني كنت يومها ساذجا إلى حد كبير.
– و أنا أخوض غمار المغامرة، كنت أظن، بل و متأكد في قرارة نفسي أن عضوا اللجنة “الخبجي” و “الشنفره” من كتلة الاشتراكي سوف يمنحاني أصوتهما دون أدنى مواربة .. كنت أحدث نفسي و أقول: من المستحيل أن ينتخبا نجل وزير الداخلية و هم اشتراكيان و معارضان .. من المستحيل يمنعان عني صوتهما، حتى و إن كان هناك اتفاق بين الأحزاب، طالما يوجد اقتراع سري، يترك لهما مجالا للتملص من أي التزام..
– يا إلهي كم كنت ساذجا .. لو كنت أعلم أنهما لن يمنحاني أصواتهما، أو لمّحا لي بذلك، أو حتى نصحاني لربما أحجمت أن أغامر، و ألجمت نفسي بألف لجام، و لكنهما لاذا بالصمت الذي كنت أظنه موافقة كاملة على دعمي .. و ينطبق هذا أيضا على العتواني و كل أعضاء اللجنة من المعارضة .. يا إلهي كم كنت بريئا في حضرة السياسية و الأقنعة و “الكولسة” و عبودية القطيع..
– راقبتُ الفرز بعناية؛ فحصدت خيبتي، و تم اعلان النتيجة، و هو حصولي على صوت واحد فقط، و كان هذا الصوت هو صوتي المنكوب .. فيما أسفرت عن فوز الشيخ محمد ناجي الشايف رئيسا للجنة الحقوق و الحريات، و فوز نجل وزير الداخلية محمد رشاد العليمي مقررا للجنة..
– تصوروا أن أصوات تلك الأحزاب بما فيها الاشتراكي و الناصري، و قبلها الإصلاح، و قبل الجميع المؤتمر، ينتخبون شيخا قبليا، رئيسا للجنة الحريات و حقوق الإنسان، و نائبا له هو ضابط أمن .. و من هو هذا الضابط يا ترى..؟! إنه نجل وزير الداخلية..
– هذه الأحزاب، و لاسيما الحزب الاشتراكي و التنظيم الناصري، لو كانت تفكر برأسها لا برجلها، و لو كانت تفكر بمصالح أعضاءها و مصالح شعبها، و كونها تمثل المعارضة الأهم ضد السلطة، ما كانت تخلت تماما عن هذه اللجنة المهمة، لصالح الحزب الحاكم، و لما ارتضت أصلا أن تكون السلطة، و حزبها الحاكم، هو من يرعى و يدير ملف خطير و مهم، كملف الحريات و حقوق الإنسان، حتى من باب حماية نفسها و أحزابها و أعضاءها من القمع، و تضييق الحريات، و السعي لوضع حد لتنامي الانتهاكات في المستقبل، أو وقفها أو وقف بعضها بهذا الحد أو ذاك.
– الغريب أن رؤساء الكتل البرلمانية الثلاث المؤتمر و الإصلاح و الناصري كانوا أعضاء في هذه اللجنة، و الغرابة الأكثر من خلال نشاطي الحقوقي في اللجنة و خارجها وجدت نفسي أنا المعارض، فيما اللجنة بجل أعضاءها و رؤساء الكتل فيها، كانت تمثل السلطة و قمعها، و سأستعرض بعض من المؤيدات لما أقوله في مواضع شتى قادمة.
– و الأهم أنني اكتشفت لاحقا أن هذه اللجنة تعاني من خلل تكويني عميق في وعيها و تركيبها، و بدلا من أن تناهض هذه اللجنة القمع و الانتهاكات و التضييق على الحريات كانت عقبة كأداء أمام مناهضة تلك الانتهاكات، و تتساهل أحيانا أو تتستر أو تصمت حيالها..
– لقد اكتشفت لاحقا هذا الخلل التكويني في لجنة الحريات و حقوق الإنسان .. اكتشفت أن أغلب أعضاء هذه اللجنة، اما مشايخ أو ضباط أمن أو مُنتهكي حقوق، بل أن بعضهم لديه سجون خاصة .. و لهذا كان يمر العام دون أن تجتمع هذه اللجنة، أو تعقد اجتماعا واحدا لها خلال العام، لا سيما بعد أعوامها الأولى، تجنبا منها، في أن تجد نفسها في حرج شديد، تكون محمولة تحت ضغط الرأي العام و الأقاويل على مواجهة الانتهاكات، لا سيما السافرة منها.
– في حوار أجرته ساره ميرش و نشرها موقع ” قنطرة” في العام 2009 أشرت إلى واقع الحال، وإلى بعض مما ورد، أقتبس لكم منه التالي:
– أجد في الاستقلال حرية أكبر و أوسع مما لو كنت منتميا لحزب، غير أنني أجد دعما و تضامنا أقل من الأحزاب في مواقفي بسبب عدم انتمائي لأي منها، بل أجد الأحزاب أحيانا تتحالف ضدي. فمثلا عند انتخابات رؤساء و مقرري لجان البرلمان في عام 2003 رشحت نفسي لمنصب مقرر لجنة الحريات و حقوق الإنسان، و لم يكن يوجد مستقل غيري في عضوية اللجنة، فتحالفت ضدي كل الأحزاب في اللجنة لأحصل على صوتي فقط، فيما فاز لمنصب المقرر منافسي ابن وزير الداخلية العضو في البرلمان.
– أما تمويل حملتي الانتخابية الماضية فلازلت إلى الآن أقضي دينها. لقد نجح أربعة عشر نائبا مستقلا لعضوية المجلس، انضم عشرة للحزب الحاكم بمقابل دعم مالي و معنوي من قبل السلطة و حزبها الحاكم، و لم يبق مستقلون غير أربعة أعضاء فقط رفضوا الانضمام، و كنت أنا أحدهم .. و قد دفعت كثير من الثمن بسبب هذا الرفض، و بسبب فضح كثير من انتهاكات الحقوق و الحريات التي تقوم بها السلطة و أجهزتها الأمنية ضد خصومها السياسيين و أصحاب الرأي و المواطنين.
– قوانيننا لا زالت مثقلة و حافلة بالنصوص التمييزية و العنصرية بسبب الجنس و المعتقد. ثم نجد آليات حماية حقوق الإنسان الرسمية مثل وزارة حقوق الإنسان في الحكومة و لجنة حقوق الإنسان في مجلس النواب و لجنة حقوق الإنسان في مجلس الشورى لا زالت معطلة و فارغة من المضمون الحقوقي، و تعاني من خلل بنيوي. فعلى سبيل المثال أغلب أعضاء لجنة الحريات و حقوق الإنسان في البرلمان مشايخ و ضباط أمن و منتهكي حقوق و حريات.
– و لذلك نجد تلك الآليات تتماهى مع السلطة و تنحاز إلى القمع في كثير من الأحيان. أما آليات حقوق الإنسان الوطنية الأخرى فإنها تعاني من القمع و التضييق عليها من قبل السلطة، فضلا عن حجب المعلومة عنها و إعاقة الوصول إليها. السجون الخاصة مثل سجون المشايخ و السجون التي تعمل خارج نطاق قانون السجون أكثر من أن تحصى. آلاف المشتبه فيهم و الأبرياء يقضون السنوات داخل سجون الأمن و المخابرات دون محاكمة أو إحالة للقضاء. و القضاء ضعيف جدا و لا يستطيع أن يفرض سلطته و سيادته على الأجهزة الأمنية. كل هذا غيض من فيض و قليل من كثير.
– و ختاما أقول هنا أن كل هذا و تراكمه و تداعياته، إلى جانب غيره من العوامل، و منها ترحيل القضايا دون حل، و الغرور و الغطرسة، و الاعتقاد و المراهنة على الدعم الخارجي ضد الخصوم المحليين، هو من أوصل البلد إلى ما وصلت إليه اليوم من حرب و دمار و خراب و خيبة عريضة و مأساة كبيرة ابتلعت الجميع.
لقراءة نص الحوار انقر هنا
***
يتبع
للاشتراك في قناة موقع يمنات على التليجرام انقر هنا
لتكن أول من يعرف الخبر .. اشترك في خدمة “المستقلة موبايل“، لمشتركي “يمن موبايل” ارسل رقم (1) إلى 2520، ولمشتركي “ام تي إن” ارسل رقم (1) إلى 1416.