تغاريد غير مشفرة (264) .. عن مشروع قانون الحماية القانونية لمنتسبي الأمن
يمنات
أحمد سيف حاشد
(1)
أقل حق لعضو مجلس النواب أن يناقش مواد أي مشروع قانون يصدره على فرض شرعية الجلسة و صحة انعقاد دورة المجلس .. غير أن (رئيس المجلس) لم يسمح لي بنقاش أو ابدا أي ملاحظة حيال مشروع القانون إجمالا أو تفاصيل أو حيال أي مادة من مشروع قانون الحماية القانونية لمنتسبي الأمن؛ فقررت مغادرة قاعة المجلس على الفور حتى لا أشترك بما أجرّم فيه ضميري، أو أرتكب جريمة بحق شعبنا المنكوب بمجلسه و نخبه و ساسته..
(2)
كل سلطة مرت على هذا المجلس، كانت تعتقد أنها دائمة للأبد، فشرّعت لحماية نفسها كل معقول و غير معقول، و كلما فيه فج و صارخ و محتال و متناقض، على حساب حقوق المواطنين و مكتسباتهم، و باتت كل سلطة تأتي تقضم منه ما استطاعت لصالحها من حقوق المواطنين التي باتت تضيق و تتلاشى مع مجيء كل سلطة جديدة..
(3)
مشروع قانون الحماية القانونية تم تقديمه في عام 2013 من قبل سلطة كانت تعتقد أنها دائمة للأبد و إنها ستستخدمه بإضفاء مزيدا من القمع التابع لها، و كذا توسيعه و توسيع صلاحية من يقوم بتنفيذه، إلا أن هذه السلطة غادرت قبل أن يرى هذا المشروع النور، أو بالأحرى قبل أن يخرج بصيغة قانون..
فتلقفت سلطة اليوم و التي تقف على النفيض من السلطة السابقة، و تريد أن تستخدمه ضد مواطنيها، بل أيضا و على نحو أكثر ضد السلطة السابقة التي انهارت في سبتمبر 2014، و صار كثير من أعضاءها و أنصارها محل لتطبيق هذا القانون، و من يدري ربما تأتي سلطة ثالثة قادمة، و تصير سلطة اليوم في المستقبل محلا لتطبيقه لا قائما على تطبيقه كما كانت تعتقد..
إنها سياسات كل السلطات المتعاقبة، كليلة النظر، و لا ترى كل واحدة منها أبعد من أنفها و حاضرها، ثم تدور الدوائر، فتنقلب الأمور رأسا على عقب، و على نحو لم تكن تتصوره، فتتحول تلك السلطة من قائمة على تطبيق القانون إلى محلا لتطبيقه، و المحكمة الجزائية المتخصصة باتت مثال صارخ لهذا التطبيق و زادت عليه في الواقع كثيرا مما كانت لا تتصور وقوعه و حدوثه، بل و ما كان يوما يرد على بال.
(4)
جاء في التقرير التكميلي للجنة البرلمانية حول مشروع القانون بأن القانون يهدف إلى إيجاد توازن لحماية منتسبي الأمن أثناء أدائهم لواجباتهم و إيجاد الحماية القانونية أثناء تأديتهم للواجب طبقا للقانون..
و السؤال: أي توازن هو المقصود..؟! هل كان الأمر قبل هذا فاقدا للتوازن..؟! هل كانت الحماية قبل هذا اليوم مخمورة أم سكرانة ثملة..؟!
ألا يكفي ما ورد في نصوص الدستور و العديد من القوانين النافذة و ما أكثرها في استعمال الحق و أداء الواجب و مقاومة السلطات و نصوص حماية الموظف العام و نصوص العقوبات في قسمه العام و الخاص، و قانون هيئة الشرطة، و إنشاء جهاز الأمن القومي، و كذا جهاز الأمن السياسي، و قانون مكافحة الإرهاب، و غير ذلك مما لا يتسع هنا المقام لذكرها و تفصيلها..؟!
أجيب: إن هكذا قانون إنما هو في الحقيقة و الواقع يؤسس لمزيد من الجباية و النيل من حقوق و حريات المواطن، يقيدها بنصوص الخاص من ناحية، و من ناحية ثانية يفتح الباب واسعا للجباية باسم حماية رجل الأمن، و غير ذلك لصالح الأجهزة القمعية، و اشتداد و تعزيز القبضة الأمنية..
(5)
مصادرة حق العضو من قبل (رئيس مجلس النواب) في ابدأ الملاحظات و الحذف و الإضافة و التعديل في مواد أي مشروع قانون، إنما هو ممارسة فظة و صارخة، فيها إلغاء لأهم حقوق العضوية، و يعد أي فعل من هذا القبيل انتهاكا صارخا لتلك النصوص الدستورية، و لنصوص قانون المجلس، و هي نصوص جلية و واضحة و قاطعة..
إن تمرير تلك المشاريع و النصوص المتعسفة و تقنينها، هو في الحقيقة اغتصاب كامل من قبل رئيس المجلس ـ الذي بات وكيلا للسلطة ـ لحقوق أعضاء المجلس، و من الفادح و العار البرلماني أن يسكت عليه أي عضو من الأعضاء الحضور..
إن السماح للرئيس باستباحة هكذا حق من حقوق العضوية، و بهذا القدر من الأهمية، يجعل من العبث الحديث عن شيء اسمه برلمان، أو عضوية برلمانية، أو قوانين..
إن ارتضاء الأعضاء على هكذا أمر يعني أن هؤلاء الأعضاء لا يستحقون عضوية البرلمان، و لن يكونوا مشرعين أو ممثلين للشعب بأي حال، بل هم في أفضل الأحوال مجرد عكفة أو عسكر أو موظفين منفذين طيعين تديرهم السلطة كيفما شاءت..
(6)
السلطة بمثل هذا القانون و كثير من القوانين المماثلة التي مرت عبر هذا المجلس ـ مجلس صنعاء ـ تشعرك أن أهم وظائف السلطة باتت هي الجباية، لكثرة النصوص القانونية التي تفرض الغرامات..
ففي مشروع هذا القانون يمكنك أن تقرا فرض الغرامات كعقوبة لم تكن موجودة من قبل نجتزئ بعض منها كشواهد على ما أسلفنا قوله:
– المادة (11) … أو بغرامة لا تقل عن مائتين ألف ريال و لا تزيد عن خمسمائة ألف ريال … إلخ
– المادة (12) …. أو بغرامة لا تتجاوز مائة ألف ريال
– المادة (14)…. أو بغرامة لا تزيد عن مائتي ألف ريال
– مادة مضافة من اللجنة المكلفة: …. أو بغرامة لا تزيد عن مئتي ألف ريال.
(7)
يستهدف مشروع القانون جرائم النشر في الصحف و المجلات، حيث ورد في نص المادة 11قوله : وغيرها من الوسائل و هو يعني بقوله: “و غيرها من الوسائل” وسائل التواصل الاجتماعي فيسبوك و توتير و نحوه، بل و غيره أيضا من الوسائل كما ورد .. و هو ما كان ينبغي أن ينظم بقانون خاص بالإعلام الإلكتروني، و هو مشروع سبق أن قدمته الحكومة للمجلس، و ليس في قانون الحماية القانونية لمنتسبي الأمن، لأن ذلك سيفتح المجال لكل جهة تعمل لها قانون يحميها، و نصوص عقابية خاصة بها، و ما أن تمضي سنة أو سنتين إلا و القوانين التي تستهدف الإعلام الإلكتروني و وسائل التواصل الاجتماعي على قفا من يشيل..
و رغم أن مشروع هذا القانون قد أقتصر على العقوبة بين مائتي ألف ريال و خمسمائة ألف ريال، إلا أن اللجنة أضافت عليه خيار آخر وهو العقوبة مدة حبس تصل إلى ثلاثة أشهر، و ذلك نقلا عن قانون عقابي آخر، علما أنه ما كان لازما أن يعاد النص هنا، و لكنه أعيد على شأن خاطر الخمسمائة ألف ريال الغرامة أو الجباية و هي الجديد المطلوب..
(8)
حبس لا يزيد عن العام في أسوأ حال أو الغرامة مائتي ألف ريال و دونها..
مشروع القانون توسع بالغرامة بديلا عن العقوبة لتطال رجال الأمن، و لكنه بخس شرف المواطن و كرامته في العقوبتين، و بخسها أكثر أو باختيار إحداهما دون جمع..
جاء في نص المادة المضافة المقدمة من اللجنة البرلمانية:
(يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنة أو بالغرامة التي لا تزيد على مائتي ألف ريال إذا استعمل أي من منتسبي الأمن القسوة مع الناس أو المعاملة اللانسانية و الانتقاص من الكرامة اعتمادا على سلطة وظيفته بغير حق بحيث اخل بشرفهم أو أحدث الام بأبدانهم … الخ)
الحقيقة أن هذه المادة تتغاضى أو بالأحرى تقلل من أهمية الفعل الإجرامي لرجل الأمن الذي يقتصر على عقوبة قيد الحرية بحيث لا تتجاوز في أشدها سنة واحدة أو غرامة لا تزيد عن مائتي ألف ريال..
إنها مادة تشجع رجال الأمن على انتهاك كرامة المواطن و تبخس شرفهم لتكون عقوبة رجل الأمن المستبيح لشرفهم و كرامتهم بين السجن في اقصاه مدة تصل إلى عام أو الغرامة في أشدها تصل إلى مائتي ألف ريال، و أنت المواطن إن جار عليك الزمن عليك أن تشارع على الدية و الأرش و القصاص إن أردت كما ورد في ذيل المادة..
(9)
الجديد في الموضع..
بعد انسحابي من الجلسة تقدم عدد من النواب بطلب مكتوب لرئيس المجلس باعادة مشروع القانون إلى اللجنة، و بموجب ذلك اتخذ المجلس قرار باعادة مشروع القانون إلى اللجنة.
للاشتراك في قناة موقع يمنات على التليجرام انقر هنا
لتكن أول من يعرف الخبر .. اشترك في خدمة “المستقلة موبايل“، لمشتركي “يمن موبايل” ارسل رقم (1) إلى 2520، ولمشتركي “ام تي إن” ارسل رقم (1) إلى 1416.