العرض في الرئيسةفضاء حر
ارشيف الذاكرة .. أحداث يناير 1986 .. “آه يا عيالي”
يمنات
أحمد سيف حاشد
- كانت كريتر أقل المناطق صداما و مواجهة في أحداث يناير 1986مقارنة بغيرها، حيث لم تشهد مصادمات و اشتباكات عنيفة إلا على نحو محدود و متقطع .. كان توزيعنا الأول جوار حماية البريد و ما يقاربه .. تحوّل مبنى البريد على ما يبدو إلى نقطة قيادة تدار منه العمليات في “كريتر” للفريق التابع لأنصار عنتر و فتاح..
- لا أدري أو لم أعد أتذكر أين غاب زميلي يحيى الشعبي، فلم أعلم أين كانت وجهته، و على الأرجح أنه تمكن من العودة إلى منزله في “القلوعة” .. اظن أنه عرض فكرة كتلك، و لكن كانت تعتريني مخاوف الاعتراض في الطريق قبل الوصول إلى البيت فآثرت البقاء .. و في نفسي أيضا فتاة أعجبت بها منذ شهور، كانت تقيم على مقربة من البريد، خلف عزبة الرفاق التي لذت إليها في البداية، و كنت أكتم ما بنفسي عنهم، و أتحاشى كثيرا أن ألفت نظرهم إلى هكذا أمر..
- تذكرت تلك الرواية التي كنت قد قرأتها في إجازة إحدى سنوات الثانوية العامة .. إنها رواية خان الخليلي لنجيب محفوظ، و فيها جانب من الحب في حضرة الحرب، ولي وقفة بصدد من أعجبت بها لعلي أتتطرق إليها في موضع لاحق..
- تم تكليف الجندي الردفاني الذي كان معنا، و المرتدي زيا عسكريا، بمهمة اعتلاء قمة منارة عدن كنقطة مراقبة، و التنبيه عليه أن يحذر من القنص الذي يمكن أن يستهدفه من الطرف الآخر .. فيما تم تحويل تمركزي أنا و قريبي إلى عمارة مطلة على البريد و منارة عدن و جانبا من سور ميدان الحبيشي .. عمارة على الشارع العام الذي يفصلنا عن مبنى البريد .. اعتلينا سطوح العمارة و بقينا عليها، و تناوبنا على حراسة بوابتها في الشارع..
- في ليلة اليوم الثالث من الأحداث على الأرجح، و فيما كنت أحرس بوابة العمارة، صرخ قريبي من السطح يخبرني أن هناك محاولة تسلل لاقتحامها من الخلف، فيما كنت حينها في بوابة العمارة، و تحركت بسرعة إلى زقاق المدخل الذي يؤدي إلى فتحة “الجلىّ” خلف العمارة، و بدأت بإطلاق دفعات من الرصاص، محتملا وجود تسلل أو اقتحام، فيما كان قريبي و من معه في سطح العمارة يطلقون الرصاص إلى الأسفل من فوق الجدار المطل على خلف العمارة، و في الصباح لم نجد أثرا لأحد، فبدا لنا الأمر أنه كان محاولة تسلل أو استطلاع أو مجرد جساً للنبض.
- بعدها طُلب مني أن أتجه إلى منطقة متقدمة من خط التماس، و تحديدا إلى شقة “سالم معروف” و هي قريبة من المصرف اليمني وسط “كريتر” على إثر قنص شخص من فريقنا، و هو من أبناء منطقة الجليلة ـ الضالع ـ و طُلب منّا رفع جثمانه إلى السيارة المعدة لنقله، و من ثم المرابطة بالشقة التي انتقلنا إليها .. شعرت بحجم المخاطرة في مهمة نقل الجثة، و لاسيما من قناصة الطرف الآخر، أو حتى من المرابطين في المواقع من الجهة الأخرى، و لكن لا مجال للتردد أو للتنصل من مهمة كتلك..
- وجدنا المقتول ممددا، و في جزء منه منحنيا في بوابة العمارة التي فيها شقة “سالم معروف”، و وجدنا بمقربة الجثة ذلك الجندي الردفاني الشجاع الذي كان قد سبق و تموضع رأس المنارة، و يبدو أنه أسندت له مهمة الانتقال إلى تلك العمارة..
- أخبرنا الجندي الردفاني أنه كان موجودا جوار هذا الرجل لحظة قنصه من قبل الفريق الآخر .. قال لنا أنه سمع زميله المقتول و هو يتآوه قبل أن يفارق الحياة و يقول: ”آه يا عيالي”..
- ”آه يا عيالي” .. هذه الجملة الصغيرة أحسست أنها أشبه برصاصة قناص قد أصابتني في مكان مكين .. أحسست أن فأسا ضرب رأسي حتى شجه نصفين .. شعرت أن عمود خرساني قسم ظهري .. تمردت دموعي وساحت غصبا عني .. من حق الدموع أن تتمرد علينا عندما نريد قمعها في حضرت مشهد مأساوي كهذا .. أحسست لحظتها بفظاعة الحرب و بشاعتها .. حملنا الضحية إلى السيارة، التي غادرت مسرعة، و عدنا نحن لشقة الوالد “سالم معروف”، و التي كانت عائلته قد غادرتها في وقت سابق..
***
يتبع..
للاشتراك في قناة موقع يمنات على التليجرام انقر هنا
لتكن أول من يعرف الخبر .. اشترك في خدمة “المستقلة موبايل“، لمشتركي “يمن موبايل” ارسل رقم (1) إلى 2520، ولمشتركي “ام تي إن” ارسل رقم (1) إلى 1416.