العرض في الرئيسةفضاء حر

شجرة المقالح

يمنات

عبد الكريم الرازحي

(كلمتي التي القيتها صباح يومنا هذا في الذكرى الثانية لرحيله)

يذكرني استاذي الدكتور عبد العزيز المقالح بشجرة عظيمة في مدخل قريتنا اسمها “الثآبة” وكانت الثآبة بسقفها الأخضر دائم الإخضرار تظلل الناس والدواب والبهائم وتقوم بعدة وظائف فهي مدرسة يدرس الأطفال تحتها وهي مأوى للعصافير تنام العصافير فوقها وهي سوق يجلس الباعة في ظلها يبيعون منتوجاتهم وماحملته حميرهم من قراهم البعيدة وهي كذلك محطة للمسافرين المتعبين يتوقفون عندها ويستريحون في ظلها.

وكان المظلومون والخائفون من الحكومة يجيئون اليها بحثا عن العدل والأمان ومثلهم يأتي الشعراء والمغنون فيشعرون ويغنون واليها يأتي مجاذيب ابن علوان ويجذبون وكانت كل حياة القرية تتمحور حولها وعندها يجتمع الاهالي ويتحدثون عن مشاكل وهموم قريتهم وعن مشاكل وهموم اليمن والعالم اجمع.

وكانت الثآبة لما لها من قيمة ومعنى تعني لأهل القرية الكثير حتى لقد غدت اكبر من كونها شجرة واكثر قداسة من كل اولياء القرية.
ونحن نظلم المقالح حين نتحدث عنه كشاعر وأديب اوكمفكر ومناضل.

وفي بلد مثل اليمن سهل ان تكون شاعرا كبيرا اومبدعا عظيما اواديبا معروفا ومشهورا وأسهل منه ان تكون مناضلا في بلد المليون مناضل.
لكن من الصعب ان تكون انسانا وكان المقالح انسان .

وفي زمن التعددية الحزبية حيث غدا كل حزب هو اليمن وهو الوطن.

وحيث راح اليمنيون يتباهون بهوياتهم الحزبية:
انا مؤتمري.. انا اشتراكي.. انا اصلاحي.. انا ناصري.. انا بعثي ..انا انا صار من الصعب في هذا الزمن الحزبي اللعين ان تكون يمنيا وان تخلص لليمن.
لكن المقالح ظل يمنيا محبا ومخلصا لليمن الى ان مات.

ومثل شجرة الإثأب في مدخل قريتنا التي كانت تنشر ظلها على اهل القرية وعلى المسافرين وعابري السبيل، كان المقالح الانسان ينشر ظله على اليمنيين وعلى غير اليمنيين، وكان وهو الخائف يمتلك مااسميتها ب”شجاعة الخوف”، وبالرغم من خوفه من السلطة ومن التكفيريين قبل الوحدة كان يحتضن اليساريين المغضوب عليهم من السلطة ومن المعارضة، ويفتح لهم ابواب مركز الدراسات، ويحتضن كل اولئك الاكاديميين العرب الخائفين والهاربين من انظمتهم الدكتاتورية ويفتح لهم ابواب جامعة صنعاء.

وفوق هذا يستضيف كل اولئك الشعراء والأدباء والمفكرين من كل بقاع المعمورة وكان الجسر الذي يصل اليمن بالعالم.

لكن الفرق بين شجرة الإثأب في مدخل قريتنا وبين شجرة المقالح هو ان التكفيريين بعد ان كفروا الثآبة ضمرت وتساقطت اوراقها ويبست، ومن بعد قطعوها، فيما شجرة المقالح كانت تخضر وتزهر بعد كل حملة تكفير.

وفي قريتنا اليوم لم يعد هناك من يتذكر الثآبة
لكن المقالح الشجرة اصبح بعد موته غابة.

الثلاثاء 3 ديسمبر/كانون اول 2024

من حائط الكاتب على الفيسبوك

للاشتراك في قناة موقع يمنات على التليغرام انقر هنا

زر الذهاب إلى الأعلى