إختيار المحررالعرض في الرئيسةفضاء حر

الرابح الحقيقي من سقوط نظام بشار الأسد

يمنات

أنس القباطي

كثف الكيان الصهيوني من عملياته الحربية في الجغرافيا السورية منذ سقوط نظام بشار الأسد ليلة الثامن من ديسمبر/كانون أول 2024.

عمليات متنوعة

وتنوعت عمليات الجيش الصهيوني بين الجوية والبحرية والبرية، فالهجمات الجوية هدفت لتدمير ترسانة أسلحة الجيش العربي السوري بمختلف أنواعها، فيما البحرية اتجهت نحو تدمير الأسطول البحري الحربي السوري، والبرية اتجهت نحو التوسع على الأرض في جنوب غرب سوريا.

اهداف

وفي الوقت الذي كان جيش الكيان الصهيوني يهدف من ضرباته الجوية والبحرية لتحويل سوريا إلى دولة بدون سلاح استراتيجي، يهدد وجود الكيان الغاصب، كان التوغل البري يهدف الى جعل سوريا مجرد مساحة من الأرض محاطة بسور مرتفع نصبت عليه أبراج مراقبة تحصى حركة الإنسان الذي يتحرك على الجغرافيا المنظورة.

حماية وتوسع مستمر

يدرك قادة الكيان الصهيوني منذ تأسيسه أنه زرع وسط جغرافيا تهيمن على مساحة اقتطعت منها، فشن حروبه ليس بهدف التوسع بشكل رئيسي، وإنما لحماية المساحة التي أقيمت عليها مستوطناته اولا، ومن ثم فرض هيمنة عسكرية على الجغرافيا الواقعة خلف الظهير الذي يؤمن المستوطنات، لمنع الهجوم قبل وقوعه، وفتح ثغرات في طوق الحصار المفروض عليه، ما يعبد لها الطريق للسيطرة على جغرافيات أوسع. 

ولتحقيق هذه الأهداف شنت الحروب للسيطرة على جغرافية فلسطين، ومن ثم التوسع في جغرافيات مصر ولبنان والأردن وسوريا. 

هدف جيواستراتيجي

وباتجاه سوريا ظلت السيطرة على الجغرافيا الجبلية في جنوب غرب سوريا، المعروفة باسم الجولان هدفا جيو استراتيجي لقادة الكيان منذ انشائه على ارض مغتصبة، سعوا لتحقيقه منذ العام 1948.

التهديد الوجودي

وعلى مدار 76 عاما ظل القادة الصهاينة يسيرون بخطى حثيثة لتحقيق حلمهم في السيطرة على الجولان، وامتدادها من الأراضي المنبسطة باتجاه جنوب سوريا، باعتبار أن السيطرة عليها يحقق إنشاء منطقة امنية متقدمة ومتعمقة لدرء التهديد الوجودي للكيان في قلب الوطن العربي، وفرض هيمنة عسكرية على دول الطوق في بلاد الشام.

جبل الشيخ

يعد جبل الشيخ الذي يطلق عليه الصهاينة جبل حرمون، بقممه المتعددة نقطة جيواستراتيجية تلتقى عندها الرؤية الافقية باتجاه دول بلاد الشام (سوريا، لبنان، الاردن، فلسطين).   

وجبل الشيخ الواقع بين سوريا ولبنان، يعد الجزء الأهم من سلسلة جبال لبنان الشرقية، لهيمنته بفعل ارتفاعه من الشرق والغرب على وادي العجم وإقليم البلان وقرى الريف الغربي لدمشق وهضبة الجولان في سوريا، وهيمنته من الشمال والغرب على الجزء الجنوبي من سهل البقاع ووادي التيم في لبنان، حيث ينتهي بأربع قمم، أعلاها يصل ارتفاعها إلى (2814) م عن مستوى سطح البحر، والثانية إلى الغرب (2294)م، والثالثة إلى الجنوب (2236)م، والرابعة إلى الشرق (2145م).

جسم غريب

ولما كان الكيان الصهيوني جسم غريب زرع في جغرافيا لا ينتمي إليها مستوطنيه المجمعين من اشتات الارض، ظل هاجس الخوف مسيطرا على قادته، فكانت ردة فعلهم للبقاء المسنودة بغطرسة الغرب تتجه نحو التوسع بقوة السلاح لمواجهة الخطر الوجودي الذي يواجههم من سكان الارض الاصليين.

انتصار تاريخي

الغزو الصهيوني الذي يطلقوا عليه مصطلح توغل، والذي بدأ منذ سقوط نظام الأسد في سوريا يمثل بالنسبة لقادة الكيان انتصار تاريخي، لانه حلم سعوا لتحقيقه منذ قرابة ثمانية عقود من الزمن. 

محاولات

وخلال حرب 1948، حاول الجيش الصهيوني السيطرة على منطقة جبل الشيخ، لكن الحدود ظلت تحت سيطرة سوريا ولبنان في تلك المرحلة.

وفي حرب 1967 تمكن الجيش الصهيوني من احتلال هضبة الجولان، بما في ذلك أجزاء من سفوح جبل الشيخ، وبعد الحرب، بنوا مراصد عسكرية على الجبل للاستفادة من موقعه الاستراتيجي في مراقبة التحركات السورية.

حلم اصبح واقع

وكان ديفيد بن غوريون، أول رئيس وزراء لـ”إسرائيل” قد دعا لاحتلال جبل الشيخ، ووصفه بـ”أبو المياه” والنافذة الاستراتيجية، باعتباره مصدرًا مهمًا وحيويًا وخزانًا مائيًا يغذي جوف منطقة الجولان وأجزاءً من القطاع الشرقي لجنوب لبنان وسهل الحولة في فلسطين والتي تبلغ مساحتها 165 ألف دونم، فضلًا عن بحيرة طبريا. 

ما يعني أن اهداف الكيان الصهيوني لاحتلال الجولان، ليست مرتبطة فقط بالجغرافيا العسكرية، وإنما تمتد لدوافع اخرى، منها المرتبطة بالجانب الهيدرولوجي، وهو ما افصح عنه ابن غوريون قبل أكثر من سبعة عقود، وما هو مرتبط بالأمن الغذائي، على اعتبار إن ارض الجولان وما جاورها يطلق عليها مسمى أرض البقر والقمح، نظرا لنوعية إنتاجها من الثروة الحيوانية والقمح، فضلا عما تنتجه من التفاح وغيرها من الفواكه.

استراتيجيا وموارد

وبالنظر للموقع الجغرافي للجولان الواقعة بالقرب من نهر الأردن وبحيرة طبريا في فلسطين غربا، ولبنان والأردن من الشمال الغربي، وامتداد حدودها مع فلسطين المحتلة لمسافة 80 كم، ومساحتها التي تبلغ 1860 كم2، وامتدادها المتداخلة والمتجمعة في مدينة القنيطرة التي تعد حاضرة الجولان، فإن ذلك منحها موقعا استراتيجيا غنيا بعديد من الموارد. 

موارد متنوعة

وتعد أرض الجولان الأخصب تربة بين المحافظات السورية، وتتميز بغناها الطبيعي وتوفر المراعي على امتداد السنة وتنوع الطقس، كما تتوافر فيها المياه عن طريق الأمطار والأنهار مثل نهر الأردن ونهر بنياس الذي يشكل ثاني روافد نهر الأردن، ونهر اليرموك الذي يبلغ طوله 57 كم، منها 47 كم تمر داخل الأراضي السورية معظمها في الجولان، ونهري زاكية ومسعدية اللذين يصبان في بحيرة طبريا، إضافة إلى هذه الأنهار هناك الكثير من الينابيع والعيون، ما يجعل الجولان موردا طبيعيا، توفر نقاط قوة في الأمن المائي وامن الموارد الطبيعية والأمن الغذائي لمن يسيطر عليها، وهو ما يهدف الكيان الصهيوني لتحقيقه.

منظور جيو استراتيجي

ومن ناحية اخرى فإن الكيان الصهيوني ينظر للجولان من منظور جيو استراتيجي مرتبط بالجغرافيا العسكرية والسياسية، لتحقيق الأحلام التوسعية للكيان من النيل الى الفرات، ومن البحر، الى النهر

أهمية الجولان

ولذلك فإن قادة الكيان يدركون أهمية هضبة الجولان الإستراتيجية من موقعها وطبوغرافية الأرض المحيطة بها، فهي تستند إلى جبل الشيخ شمالا، وإلى وادي اليرموك جنوبا، وتشرف مباشرا على الجليل الأعلى وسهلي الحولة وطبريا. وتعتبر السيطرة عليها بمثابة امتلاك مفاتيح أبواب فلسطين وسوريا على وجه التحديد. 

عمق دفاعي وأمن مائي وغذائي

ومن هذا المنطلق يرى قادة الكيان أن سقوط هضبة الجولان في أيديهم بجبلها وسهلها ومواردها يعطيهم عمقا دفاعيا ويؤمن لهم إبعاد الخطر المباشر عن المستوطنات الحيوية في شمالي فلسطين، ويجعلهم قادرين على التحرك بمرونة نحو دمشق عبر القنيطرة، أو عبر محاور الحركة في منطقة حوران، ما يعني أن السيطرة على الجولان من منظور الجغرافيا العسكرية تعني السيطرة النارية على دمشق عاصمة سوريا والشام.

هدية على طبق من ذهب

ومما سبق يتضح أن ما حصل في سوريا خلال الأيام الماضية منح الكيان الصهيوني هدية على طبق من ذهب، وفي لحظة ضعف اجبرته على توقيع اتفاق وقف إطلاق نار مع لبنان، بعد فشل جيشه في تخطي اول عشرة كيلومترات في جنوب لبنان. 

الجهل بالجغرافيا والتاريخ

ولو كان قادة الفصائل المتطرفة التي دخلت دمشق وأسقطت نظام الأسد على دراية واطلاع بالجغرافيا والتاريخ لوضعوا في حساباتهم أهمية الجولان قبل ان يسقطوا نظام الأسد، والأمر لم يكن مستحيلا، فمن يريد السيطرة على دمشق عليه أن يسقط القنيطرة اولا، والتوجه نحو مرتفعات الجولان، ومن بعدها سيكون اسقاط دمشق تحصيل حاصل. 

اما ما حصل اليوم فهو ان دمشق سقطت بايدي الجيش الصهيوني، وليس بأيدي الجماعات المتطرفة، لأن من يسيطر على دمشق ناريا من تنتشر قواته على اعلى قمم جبل الشيخ في الجولان، لأنه من هناك يراقب التحركات في بادية الشام، ومنها سيوجه سير العمليات الحربية.

ومما سبق يمكن القول إن سقوط هضبة الجولان في أيدي الجيش الصهيوني – والسقوط هنا لا يعني السيطرة على كامل الارض، وانما السيطرة على المناطق الاستراتيجية فيها للتحكم بباقي الارض – يعني أن الكيان الصهيوني ضمن توفير موارد مياه وغذاء من الناحية العسكرية، وفي الوقت نفسه امتلك أهم مفاتيح التأمين والسيطرة، تأمين مستوطناته في فلسطين المحتلة من خطر وجودي، ظل يتربص بها من قمم جبل الشيخ الذي يسيطر عليها الجيش العربي السوري، وتأمين السيطرة من خلال السيطرة النارية على عاصمة بلاد الشام دمشق، من قمم جبل الشيخ التي كان تواجد الجيش السوري فيها يمثل خطر وجودي على المستوطنات الصهيونية في فلسطين المحتلة.

الرابح الحقيقي

ولذلك فإن الرابح الحقيقي من سقوط نظام بشار الأسد هو الكيان الصهيوني، الذي تمكن في وقت قياسي من تدمير ترسانة آخر الجيوش العربية التي تهدد وجوده، والسيطرة على جغرافيا أعطته مزايا استراتيجية واقتصادية ظلت يركض قرابة ثمانية قرون من اجل السيطرة عليها.

فصائل فرطت بظهير الحماية

أما الفصائل المسلحة المتطرفة، فإنها وان سيطرة على دمشق، فإنها في نفس الوقت افقدت المدينة جبل الشيخ، الذي يحمي ظهرها من عدو يتربص بها، ويقوم منذ انشائه على فكرة التوسع، وبالتالي فإنها ستظل تحت رحمة الغير، ولن تجرؤ على التوجه نحو الجنوب الغربي لبسط سيادة دولة صارت بين عشية وضحاها بدون جيش قادر على فرض السيادة على الأرض. 

المصدر: عرب جورنال

للاشتراك في قناة موقع يمنات على التليغرام انقر هنا

زر الذهاب إلى الأعلى