زيدون العبيدي .. صوتُ الفن العابر للصخب

يمنات
محمد الصُّهباني
تذكّروا هذا الرجل، فقد علمتُ أنه يرقد مريضاً منذ أسبوع، بعد تعرضه لكسور في عظمة الفخذ أفقدته القدرة على المشي. ربما لن تتناوله القنوات في خبرٍ عاجل، لكنه في ذاكرة محبّيه دائم الحضور، كأحد الذين منحوا الدراما اليمنية بصمتها الخاصة.
ما أصعب أن يمرض الفنّان بعيداً عن صخب الاحتفاء، وكأن الإبداع وحده لا يكفي ليكون عوناً في المحنة.
ثلاثون عاماً مرّت منذ بدأ مسيرته في الإخراج، ولم نعلم! يا لهذا التواضع الذي فضّل الإبداع على الضجيج! لم يكن زيدون يوماً من أولئك الذين يسعون إلى الأضواء، لكنه كان دائماً يترك أثراً في كل عمل يقدّمه.
من يشاهد أعماله، يدرك أنه لم يكن مجرد مخرج، بل إنه فنان يعيد تشكيل الحياة على الشاشة كما يراها بروحه.
أخرج زيدون مبارك العبيدي عدة أعمال فنية، تنوّعت بين الأفلام القصيرة والطويلة والمسلسلات والمسرحيات، مثل فيلم “قبل الانفجار”، وفيلم “درب الشقاء”. كما أخرج أول فيلم يمني روائي طويل بعنوان “صمت البحر”، عام 1994م بإمكانات ذاتية. ومن أبرز أعماله التلفزيونية الأخيرة التي أخرجها وأدّى فيها أدواراً درامية: مسلسل “دروب المرجلة” بجزأيه الأول والثاني، الذي عرضت قناة السعيدة أولى حلقات الجزء الثاني، الليلة.
يتميّز العبيدي بأسلوبه الإخراجي الذي يجمع بين فن الإخراج والدراما، ما أكسبه تقدير الجمهور. وقد نجح في تقديم الدراما البدوية بأسلوب جذب المشاهدين، حتى اعتقد البعض أنه ممثل وليس مخرجاً. إن بصمته الفنية واضحة في أعماله، حيث يحرص على تسليط الضوء على القضايا الاجتماعية من خلال حبكات درامية مؤثرة. كما استطاع، رغم إمكاناته المحدودة، تقديم إنتاجات منافسة، ما يعكس شغفه وإصراره على النهوض بالفن الدرامي.
زيدون، المخرج والفنان، بصوته الجهوري، يفتح طبلتي أذن المشاهد، كمن يستمع إلى صوت محتمٍ عالٍ يدافع عن حقبة. إنه صوت الحياة القبلية في صحراء لا تعرف الخوف، لا من الماضي ولا من الحاضر.
لم أكن ممن ابتهجوا بصوته في أكثر من حضور درامي، لكنه صار حضوراً يثير الإعجاب، حتى إن أكثر من ناقد أشاد به، وابتهج به فناناً فتح قلبه للإخراج والتمثيل. وهذا هو سر موهبة زيدون التي لم تكن طاغية إعلامياً رغم استحقاقها لذلك.
في زمن الضوضاء، يظل الفن الحقيقي هو الصوت الذي يبقى بعد أن يخفت كل شيء.
للاشتراك في قناة موقع يمنات على التليغرام انقر هنا
لقراءة وتحميل كتاب فضاء لا يتسع لطائر انقر هنا