فضاء حر

حينما تتثاءب الجغرافيا .. وتضحك القنابل بصوت منخفض!

يمنات

سنان منصر بيرق 

في زاوية هذا الكوكب، حيث تجلس الجغرافيا متعبةً على مقعدها الحدودي، وتضع رأسها بين يديها من هول ما ترى، تُفتتح النشرات بـ”غارة نوعية”، وتُختتم بـ”الرد المناسب في الزمان والمكان المناسبين”. وما بين السطرين، تضحك القنابل بصوت خافت، كأنها تشارك في مسرحية عبثية كُتبت بمداد البارود وأُخرجت بإخراج درامي لا يخلو من التأثيرات الخاصة… على الشعوب لا الشاشات!

إيران، تلك السيدة ذات الصوت المرتفع والخُطى البطيئة، لا تزال تتزيّن بعباءة النووي، وتتمايل في ردهات السياسة الدولية كما تتمايل الأشجار اليابسة حين تهب عليها الرياح القادمة من قمم غير مأهولة. تحاول إقناع العالم بأنها تمتلك “مفاتيح التوازن”، بينما لا تزال تبحث عن مقبض الباب. تحب أن تلوّح بقبضتها أمام المرايا، لكنها ما إن تواجه اختبارًا حقيقيًّا حتى تكتفي بالتلويح بكلمات مؤجَّلة… تمامًا كما تفعل الدول حين تُدرك أن الجدار الذي تستند إليه ليس من صخر، بل من طين مجفف بشمس الخُطب.

أما إسرائيل، فهي ليست مجرد لاعب إقليمي غاضب، بل أشبه بورقة قوية محصّنة داخل دفتر التحالفات الدولية. تلوّح بسيفها حين تُمسك القبضة الكبرى مقبضه، وتتحرك بثقة من يعرف أن في ظهره مجلسًا لا يُحاسب، ودعمًا لا يُحرَج، وصمتًا دوليًّا يملك مفاتيح كبرى المنابر.

قوتها ليست من حديدها فقط، بل من ظل شجرة نووية عملاقة تُمطرها بالتقنيات، وتحيطها بالأقمار، وتدثّرها بمنظومات قرارات تظل دائمًا “قيد الدراسة”.

العالم؟ العالم ينظر من الشرفة، يحتسي قهوته الباردة ويهز كتفيه. فالمنطق الدولي أشبه برجل أنيق في حفلة تنكرية، يُلقي الخُطب عن السلام، وهو يُخفي خلف سترته دفتر شيكات وصفقة سلاح.

المضحك – ويا للعجب! – أن الجميع يدّعي أنه لا يريد الحرب… لكن أحدهم يضع البارود، والآخر يقدّم عود الثقاب، وثالث يصيح: “احذروا النار!” ثم يتصل بالإطفاء بعد أن يلتهم اللهب نصف المدينة.

المؤلم أن هذا الجنون له مترجمون محترفون… يسمونه تارةً “إعادة تموضع”، وتارةً “فرض هيبة”، وغالبًا ما يختتمونه بجملة مهذبة: “نأمل أن يضبط الجميع النفس”. النفس؟ إنها الآن في وحدة العناية المركزة.

أما الشعوب، فهي كمن ينتظر إعلان الفائز في مباراة شطرنج بين تنين وحمار طائر، لا يُعرف فيها من اللاعب، ولا من البيادق. فقط الأصوات تتعالى، والغبار يغطي الرقعة، والحقيقة تُخبّأ في الجيب الخلفي لأحدهم.

لكن، لنعترف: لا أحد يستطيع أن يعتب على مقال مثل هذا، لأنه لا يوجّه الاتهام لأحد، بل يوزّع الابتسامة على الجميع… ويقول لهم: “أنتم رائعون جدًا في التمثيل، حتى إن الأرض نفسها بدأت تُصفّق!”

فلنضحك إذًا… ولكن بهدوء، فالجغرافيا نائمة، وربما تحلم بعالم مختلف.

زر الذهاب إلى الأعلى