الذرة الرفيعة الحمراء .. معجزة لا تقل عن سور الصين العظيم

يمنات
عبد الفتاح اسماعيل الخضر
رواية الصين بامتياز… طفلٌ صينيٌ يستعيد بوعي وحنين نُتَفاً من تاريخ عائلته في قرية دونغ بي بمدينة قاومي، وهي نفسها قرية المؤلف. ويستعيد الطفل حكايات عن الأب والأم والجد والجدة وزوجة الجد… وما أحاط بعالمهم من أساطير، خلال مقاومة الغزو الياباني للصين في ثلاثينيات القرن الماضي، ومن هذه النتف والحكايات، تتألف لدى القارئ في النهاية لوحة ملحمية واسعة للصين والصينيين، بتقاليدهم وعاداتهم الغرائبية، وفي خلفية كل تلك تتبدَّى طبيعة خاصة، بنباتها وحيوانها وإنسانها.
ترسم الرواية عالمًا صينيًا واقعيًا، لكنه غرائبيًا أهم ما يميزه هو ذلك الطابع البدائي المرعب، القائم على القتل ببرود والتفنن بشتى وسائل التعذيب، وقطع الطرق، وذلك التشابه المهول الذي يصل إلى حد التطابق بين البشر والحيوانات، إنها قرية صينية صنعتها ذكريات وعيه السياسي والأيديولوجي الحاضر بقوة وراء كثير من مشاهد الرواية…
(مويان) صنع عالمه الروائي السحري من عنصرين رهيفين يعكسان وعيه العميق والمستبصر بفن الرواية: العنصر الأول هو ذلك الراوي الطفل الذي يتذكر ويحكي ما رآه وما رُوي له، مستنداً إلى وعي بهوية الصين، يكاد يكون وعيًا أيديولوجيًا.
والعنصر الثاني هو المشهد الثابت المتكرر عند كل منحنى من الرواية، مشهد حقول الذرة الرفيعة الحمراء التي تشكل الخلفية الطبيعية والسحرية لعالم هذه الرواية البديعة، ففي هذه الحقول وحولها تدور الأحداث والأسرار والأفراح والجنازات.
الذرة الرفيعة الحمراء يكتب الراوي مرثيتها بعد عودته وحضوره المفاجئ في نهاية الرواية، معلنًا عن رعبه من الذرة المهجنة التي زحفت واحتلت الصين كما فعل اليابانيين باحتلال الصين، وهنا رمزية مذهلة في الاحالات والاسقاطات.
ما أعظمها من دلالة فالمحتل صانع الحروب الكبرى ويحورها لحروب هجينة على الجغرافيا بامتدادات ماضوية لعينة، جاءت الرواية في (626) صفحة من القطع المتوسط في كل صفحة مشاهد يستحيل أن ينساها القارئ.