يمنات – اليوم عندما حذر الرئيس الأمريكي باراك أوباما المسؤولين السعوديين الذين ألتقاهم في منتجع كامب ديفيد قبل شهرين، أثناء استقباله لقادة مجلس التعاون لطمأنتهم بشأن الاتفاق النووي الإيراني، من الخطر الداخلي الذي يعتبر في نظره اكبر من التهديد الخارجي الإيراني، كان يقصد “الدولة الإسلامية” التي تحظى ايديولوجيتها بشعبية كبيرة في أوساط الشباب السعودي المحبط، و العاطل عن العمل، و المبعد عن المشاركة في تقرير مصيره من قبل صناع القرار في بلاده، و من المفارقة انه أعاد تكرار التحذير نفسه في مقابلته الشهيرة قبل أسبوعين مع صحيفة “نيويورك تايمز”، و لكن يبدو أن هؤلاء المسؤولين لهم رأي آخر. انفجار اليوم (الخميس) الذي استهدف مسجدا يؤمه جنود تابعون لقوات الشرطة وقوات الطوارئ السعودية في مدينة أبها جنوب غرب المملكة، هو احد ابرز الأدلة التي تعيد تأكيد حجم هذا الخطر الداخلي، و تسلط الأضواء عليه مجددا. المملكة شهدت تفجيرات انتحارية عديدة في الأشهر القليلة الماضية أعلنت “الدولة الإسلامية” عن وقوفها خلفها، لكن ما يميز هذا التفجير الانتحاري الجديد الذي أدى إلى مقتل 13 جنديا، حسب الإحصاءات الأولية، انه وقع في مدينة أبها في العمق السعودي أولا، و أن هذا المسجد ليس شيعيا ثانيا، و أن توقيته جاء في فصل الصيف حيث تعتبر هذه المدينة لطبيعتها الجبلية الخضراء، منطقة معتدلة و محج للسياحة الداخلية، ثالثا. عملية الهجوم هذه تعكس مدى ضخامة اختراق عناصر تنظيم “الدولة الإسلامية” للأمن السعودي و قدرتها في الوصول إلى جميع الأهداف التي تريد استهدافها، خاصة في مثل هذه الظروف الأمنية الاستثنائية التي تعيشها المملكة العربية السعودية بعد تفجيرات القطيف و الدمام، و تورطها في حرب استنزاف دموية في اليمن. عضو مجلس الشورى السعودي السابق الدكتور خليل الخليل كان متواضعا في تقديراته التي كشف عنها في مقابلة مع قناة “العربية” السعودية، وقال فيها إن أكثر من ستين في المئة من الشباب السعودي جاهزون للالتحاق بتنظيم “الدولة الإسلامية”، و أضاف الدكتور الخليل، و هو خبير في الإرهاب بالمناسبة حسب تقديم القناة التلفزيونية له، إن معظم هؤلاء الشباب في العشرينات من أعمارهم. و عندما نقول انه كان متواضعا في تقديراته لان استفتاءات غير رسمية جرت على وسائط التواصل الاجتماعي أثبتت أن النسبة تقدر بحوالي 92 بالمئة، الأمر الذي أذهل المسؤولين السعوديين، و وعدوا بإجراء استطلاع مستقل في أوساط الشباب لنفي هذه النتيجة موضوعيا، و حتى كتابة هذه السطور لم ينشر هذا الاستطلاع، ناهيك عن كونه قد اجري أساسا. الأمير محمد بن نائف ولي العهد السعودي و وزير الداخلية و رئيس المجلس الأمني و السياسي الأعلى، الذي حظي بتقدير سعودي و جنبي خاص بسبب نجاحه أعلى مدى السنوات العشر الماضية في التصدي لتنظيم “القاعدة” داخل المملكة، و تقليص هجماتها في الداخل السعودي إلى معدلات متدنية جدا، سيكون من اكبر المتضررين من جراء هذه العمليات التفجيرية المتصاعدة، و انتقالها من أهداف “شيعية” مدنية إلى أهداف “سنية” عسكرية، و هو الذي تعهد بوضع حد لها. نتفق مع الرئيس الأمريكي باراك أوباما ربما للمرة الأولى للأسف في تشخيصه لحقيقة الخيارات التي تواجهها السلطات السعودية، و هو التشخيص الذي سبقه الكثيرون إليه من بينهم هذه الصحيفة “رأي اليوم”، و نقول إن معركتها “الحقيقية” ليست في اليمن، و لا في سورية، و إنما في الداخل السعودي، و كيفية توفير البدائل اللازمة للشباب للبعد عن التشدد، و أول هذه البدائل العدالة الاجتماعية، و التوزيع العادل للثروة، و الإصلاحيات السياسية، و المشاركة في دائرة صنع القرار. افتتاحية رأي اليوم