صعود الجهاديين المسلحين يهدد الإستقرار في العالم العربي
يمنات – متابعات
سهّلت الثورات التي نشبت مؤخرا في العالم العربي انتشار الجماعات الجهادية المسلحة ما يشكل تحديا جديدا للديمقراطيات الوليدة، ووقفت بوجه تسليح المعارضة السورية، خوفا من وصول السلاح إلى أيدي متطرفين.
نوع جديد من أنواع التهديدات بدأ يواجهها العالم العربي مع بدء انتشار الجماعات الجهادية المسلحة التي باتت تعرض استقرار المنطقة للخطر، وهو ما جاء ليمثل تحديات جديدة للديمقراطيات الوليدة، ويقوض احتمالات الانتقال السلس للسلطة في سوريا حال سقوط نظام الأسد في نهاية المطاف على يد المجموعات الثورية المسلحة.
وقد سهلت الثورات التي نشبت مؤخراً في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا من إمكانية دفع الديمقراطية هناك على نحو أكبر، من خلال إتاحة مساحة أكبر لروح جديدة من الحريات تستعين بها الجماعات المسلحة لدعم النشاطات التي تقوم بها.
ومن الأسباب التي تقف وراء رفض الساسة الغربيين لتسليح المعارضة في سوريا، رغم احتدام الصراع هناك للشهر التاسع عشر على التوالي، هو صعود الجهاديين المسلحين في المنطقة. وقد ظهرت معظم الجماعات الجديدة للرد على المظالم التي يتعرضون لها في الداخل، وسط إشارات قليلة دالة على أنها نجحت في تكوين علاقات تنظيمية هامة مع تنظيم القاعدة، أو حتى حظوا بطموحات انتقالية، بحسب محللين.
أما وأن كثير من تلك الجماعات يسير على أيديولوجيات قريبة من تلك التي تتبناها القاعدة – كالهجوم الذي استهدف البعثة الدبلوماسية الأميركية في بنغازي خلال شهر أيلول (سبتمبر) الماضي – فإن هذا الخطر جاء ليشكل تهديداً على المصالح الأميركية.
وأوردت في هذا الصدد صحيفة واشنطن بوست الأميركية عن أرون زيلين، خبير الحركات الجهادية لدى معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، قوله: "هناك إمكانية الآن لعولمة تلك الجماعات نظراً للحقيقة التي تتحدث عن وجود تشابه أيديولوجي كبير".
وتابع زيلين حديثه:" تصبح الاحتمالات أكبر إن كان هناك وصم لتلك الجماعات كجزء من الجهاد العالمي للقاعدة، وإن تم دفعهم في مجتمعاتهم بشكل أعمق في الهامش".
وفي هذا الإطار، اعترفت وزيرة الخارجية الأميركية، هيلاري كلينتون، بمدى التهديد الذي تشكله مثل هذه الجماعات، وذلك في سياق خطاب ألقته يوم الجمعة الماضي وحدد التحديات التي يواجهها الساسة الأميركيون في بلدان منطقة شمال أفريقيا.
ومن أكثر الجماعات التي تثير قلق المسؤولين الغربيين تلك التي تزاول نشاطها على نحو متزايد وتعرف بـ "جبهة النصرة"، وطفت على السطح في سوريا هذا العام، لتعلن عن تحملها مسؤولية سلسلة من التفجيرات الانتحارية الغامضة في دمشق وحلب، كما بدأت تتشكل لتصبح شريكاً فعالاً في المعركة ضد نظام الرئيس بشار الأسد.
واستشفت الصحيفة أن هناك تعاون بين تلك الجماعة وتنظيم القاعدة من خلال إعلان الأولى مسؤوليتها عن الهجمات أو العمليات التي تقوم بها على واحد من أبرز المنتديات الإلكترونية التي تستخدم من جانب تنظيم القاعدة. ونوه خبراء إلى أن هناك إشارات دالة أيضاً على أن الجماعة تتعاون عن قرب مع الجيش السوري الحر.
وتابعت واشنطن بوست في هذا الإطار بنقلها عن تشارلز ليستر، محلل لدى مركز التمرد والإرهاب التابع لمعهد آي إتش إس جين في لندن، قوله إنه "كلما استمر الصراع، كلما تزايدت الاحتمالية الخاصة بدعم المتطرفين. ومن المحتمل أن تعمل وحشية الصراع السوري على زيادة تطرف كثير من الأشخاص الذين انضموا للانتفاضة السلمية التي نشبت في البداية ولم تكن تهدف سوى للإطاحة بالنظام الحاكم".
وتابع ليستر حديثه بالقول:"لم تبد أي جماعة سورية حتى الآن أي اهتمام أو تقارب من حركة الجهاد العالمية الوسع في النطاق وميلها إلى استهداف الولايات المتحدة، لكن ذلك من الممكن أن يتغير في مرحلة ما بالمستقبل في حال استمر الصراع".
وأعقبت الصحيفة بلفتها إلى أن بعضاً من الأعضاء السابقين بالجماعة الليبية الإسلامية المقاتلة قد خاضوا الانتخابات وتوجهوا إلى طرابلس، وكان من بينهم شقيق أبو يحي الليبي الزعيم البارز بتنظيم القاعدة الذي لقي حتفه مؤخراً في باكستان. بينما يشتبه في تورط آخرون بالهجوم الذي استهدف مقرات أميركية في بنغازي. وأضافت الصحيفة أنه ما يزال هناك آخرين يقفون في الوسط بين هذين التيارين.
وقال مسؤولون استخباراتيون أميركيون إن هناك بعض العلاقات بين المسلحين في ليبيا وأعضاء القاعدة في المغرب الإسلامي ( فرع التنظيم في شمال أفريقيا )، على حسب ما خلصوا إليه من خلال المكالمات والاتصالات التي نجحوا في اختراقها مؤخراً.
إلى ذلك، أماطت الصحيفة في سياق تقرير آخر منفصل النقاب عن اعتقال هؤلاء المسلمين الذين اتهموا في كل من بريطانيا وفرنسا، قبل عدة أيام، على خلفية محاولتهم الانضمام للقتال المستعر في سوريا من جانب القوى الثورية المسلحة ضد النظام، رغم أن الحكومات الأوروبية من بين أبرز الداعمين للتيارات الثورية في سوريا.
وأوضح مسؤولون أمنيون أن الخوف هو أن يستفد المتطرفون من حملة جوازات السفر الأوروبية ويشعرون بأنهم مبعدون ومدربون خلال الآونة الأخيرة على شن الحرب في نهاية المطاف من المهارات التي تعلموها في سوريا وأن يستخدموها في بلدانهم.
وقال أبرز مسؤول أمني في فرنسا وهو وزير الداخلية مانويل فالس:"ينبغي أن نتعامل بيقظة وحزم كبير مع الأعداء الموجودين في الداخل. ونحن نعلم أن هناك بعض الأشخاص الذين لم يتم إلقاء القبض عليهم، الذين ربما سافروا للخارج ليقاتلوا".
وفي ظل تعامل المسؤولين الأمنيين حول العالم بحذر مع تداعيات موجة الربيع العربي، فإن هناك تخوف من احتمالية عودة المواطنين الذين انضموا للقتال إلى بلدانهم الأصلية وهم أكثر تطرفاً وبحوزتهم إمكانات جديدة تعينهم على شن حرب عصابات.
وقالت مسؤولة أمنية أوروبية لم تفصح عن هويتها:"نراقب عن كثب كل من يتوجه إلى سوريا، لكن على عكس ليبيا، فإن هناك طرق عدة للدخول إلى البلاد وهي المهمة التي يصعب تقفيها. ومع هذا، فإننا مازلنا متخوفين من احتمالية عودة هؤلاء الأشخاص بمهارات جديدة من الممكن أن تشكل تهديداً على وضعيتنا الأمنية".
لكن تأثير هؤلاء الوافدين الجدد يبدو أنه لا يكاد يذكر مقارنةً بما يفعله الثوار السوريون، وهو ما أكدوه، بانتقاصهم من شأن الدور الذي يلعبه هؤلاء الوافدين في الصراع ضد نظام الأسد. وعاود وزير الداخلية الفرنسي ليقول "خطر الإرهاب بدأ يتمحور"، وذلك في تأكيد من جانبه على المعطيات الأمنية الجديدة التي بدأت تفرض نفسها على مختلف الأجهزة الأمنية والاستخباراتية في مختلف الدول الأوروبية.
ايلاف – اشرف ابو جلالة