فضاء حر

ليس الأمر عن الوحدة إنها ضغائن هادي وصالح فقط!

يمنات
لا تبدو الضغائن الشخصية فاعلاً في السياسة كما هو الحال في اليمن، حيث هي ضغائن نشطة وتُدير تماماً علاقة الرئيس الخلف بالسلف، لتُدخل اليمن دوماً في ذلك الاشتباك الشخصي بين الطرفين، وليتجلى الأمر تبعاً لذلك في اختناق سياسي عام يعصف بالبلد ويتكرر تبعاً للطقس في علاقتهما.
إن هكذا ضغائن تبدو حتى الآن مُحركاً أساسياً في تفكير وأداء رئيس انتقالي يتصرف، في كثير من الأحيان وضمن مستوى محدد، كمن يُريد الانتقام من تهميشه في موقع نائب الرئيس طوال أكثر من عقد ونصف قضاها في هذا الموقع غير مرئي من صالح، ويقتصر حضوره العام فقط على موقع لجنة الاحتفالات التي كان يرأس اجتماعاتها في المناسبات الوطنية!
أن تكون هامشياً هو عبء ثقيل لرجل قادم من خلفية بدوية مع تربية عسكرية، في مواجهة أداء عصبوي ضيق سيطر على صيغة حكم صالح الذي كان يرى في الهوية الجنوبية لمن يشغل موقع النائب، ورئيس الوزراء أيضاً، تذاكياً حاذقاً على الجنوبيين واحتيالاً موفقاً عليهم بعد أن استولى على كل شيء عقب حرب صيف 1994.
يُشكل فهم هذا المستوى الأولي في موقع هادي من صالح، مدخلاً لإدراك طبائع الاحتدام الحالي في علاقة الاثنين، خصوصاً بعد تغير الزمن وتبدل الأدوار، وصعود هادي للموقع الأول في البلد، وحيث ضغينة الإهمال الطويل تجعله يرى في صالح ذلك المتنمر الذي أفسد كل شيء سابقاً، ويُفسد كل شيء الآن! لذلك تبدو حماسة هادي في كل ما يتعلق بتفكيك سلطات صالح ومصادر قوته، مُتعدية للبعد الوطني للتداخل بالبعد الشخصي، ويُصبح شركاء صالح السابقون وخصومه الحاليون، ك علي مُحسن والإصلاح، أدوات مُفيدة في إيذائه وكشف ألعابه، ولكن كل ذلك ليس كافياً، فهو يُدرك جيداً كيف هو صالح قادر على العبث والحركة واستغلال التناقضات ضمن خبرته الطويلة في إفساد اليمن واليمنيين، ولذا يبدو كل من بن عمر وسفراء الدول العشر والشقيقة الكبرى “السعودية”، القوى الأهم التي يلوذ بها كلما أغلق عليه صالح الخيارات واستنفدت في مواجهته أدواته المحلية، باعتبار هؤلاء الفاعلين الإقليميين والدوليين هم من يُقلقون صالح فعلياً، ف لطالما كان مكشوفاً ومرتهناً لهم كلياً.
إن هادي مُنهمك كلياً في التخلص من صالح، وتعزيز تحالفاته مع خصوم الأخير، حتى لو نالت منه، هي كل ما لديه للنجاح في ذلك! ومن نقطة ضعف هادي هذه يتم النفاذ إليه، واستغلاله، وفرض الأجندة عليه، واعتماداً عليها أيضاً يصعد الجنرال العجوز علي محسن ليُصبح مستشاراً بصلاحيات نائب رئيس فعلي، وليس كما كان هادي، ويتمكن الإصلاح من تمرير أسوأ التعيينات في أي موقع والاستحواذ على كل شيء بسهولة، حيث اللعب على المخاوف والضغائن واستثمارها يجعل كل شيء يسيراً وممكناً.
وعلى الرغم من هذه العلاقة المتوترة بين الطرفين فلا يمكن تجاوز أوجه التشابه بينهم، وإدراك كيف تطبع هادي بسلوك وأدوات صالح، وهو أمر يُشبه نسبياً ذلك القول الشائع عن إعجاب الضحية ب الجلاد وتقمصها لطبائعه وسلوكه حين يُتاح لها ذلك! علاوة على كون الأمر يبدو منطقياً ك حصيلة خبرة هادي الطويلة قرب صالح، وإيمانه -كما يبدو- بكون أدوات صالح هي الأصلح لحكم اليمن واليمنيين! لذلك يعتمد هادي على نفس فكرة العصبية الضيقة ذات التجلي الأسري والمناطقي التي اعتمدها سلفه، حتى وإن كانت تجلياتها أولية ومحدودة من حوله، ويُقرب إليه الجميع ويُفسد أي مقاومة لديهم ب المال والمواقع والوعود، ويتقاسم الوظيفة العامة مع أصحاب النفوذ، باعتبار الدولة محلاً للغنيمة لا مكان للخدمة العامة، ويحتكر القرار وتفسير الأصلح لليمن ضمن تقديره الشخصي فقط – لنتذكر في ذلك على الأقل لجنة تفسير المُبادرة التي لم تشكل حتى الآن كي لا تنازع هادي صلاحياته, أو تعترض على تأويله الشخصي للمبادرة. كما يُرجئ ما هو في الصالح العام للبلد لتوظيفه في صالحه هو، وذلك في صفقات سياسية تضمن استمراريته في الموقع الذي وصل إليه، كما حدث في النقاط ال20 التي تم التحايل عليها وإرجاؤها كي تظل الحاجة إليه قائمة دوماً لتنفيذها، علاوة على استجلاب الدعم السخي باسمها، وابتزاز القوى السياسية المعنية بها ك الحراك والحوثيين، وهكذا يمضي الأمر بخصوصها, وهو لا يفعل شيئاً غير تقسيطها، ونقلها معه من العهد الانتقالي إلى التأسيسي، لتظل دوماً مُقدمة لكل مرحلة ونتيجة لها أيضاً!
ولهذا كله لا تبدو هذه المواجهة الأخيرة بين الاثنين في ما يخص التمديد، وليس الوحدة بالطبع من يهتم لها هادي أو يُدافع عنها صالح، سوى تكثيف لضغائن مُتبادلة، وطريقة تفكير مشتركة ومكشوفة بينهما، ونزال بين مصالح جديدة وقديمة، لا علاقة لها بمصالح عموم اليمنيين بالطبع، يُدرك الطرفان بأن ترجيح إحداها يعتمد على كيف, ومن سيدير اليمن في المرحلة القادمة؟
عن: الأولى

زر الذهاب إلى الأعلى