فضاء حر

في ظل غياب الشروط الموضوعية لحلها .. القضية الجنوبية ورقة للمزايدة والابتزاز من قبل الكل ضد الكل

يمنات
القول بان حل القضة الجنوبية مدخلا لحل القضية الوطنية قول صحيح ولكن من حيث النتيجة اما من حيث المعطى او من حيث الجدية في مقاربة الحل او الامساك بجذور المشكلة لحلها فانه يبدو غير صحيح البتة، بل ويبدو العنوان الصحيح اليوم هو ان حل القضية الوطنية “الدولة اليمنية” هو المدخل لحلق القضية الجنوبية وليس العكس.
ليس لأن القول “القضية الجنوبية مدخل” كان قد طرح اصلا كعنوان للمناكفة مع نظام صالح وكورقة للابتزاز حينها من قبل المعارضة، بل ولأن القضية الجنوبية لم تكن في الاساس الا نتيجة لطبيعة نظام دولة الوحدة الاندماجية اولا وعلى خلفية رفض شراكة “الجنوب” ممثلا بالحزب الاشتراكي اليمني واخراجه بقوة السلاح من الشراكة في دولة الوحدة ثانيا..
ما يعني ان معالجة المشكلة تبدأ بمعالجة السبب لا بمعالجة النتيجة، فضلا عن ان الوضع اليوم يختلف كليا عنه في تاريخ طرح هذا العنوان السياسي الذي لا يبدو انه اختبر جيدا من قبل الذين تبنوه و من قبل الذين رفضوه ايضا، خصوصا بعد تعليق دستور الدولة اليمنية على خلفية احداث 11 فبراير واتفاق القوى اليمنية مجتمعة على اقرار دستور جديد يريد البعض منه ان يتضمن حل القضية بما يرضي طرفي الوحدة والانفصال معا!
القضية الجنوبية كقضية وطنية وسياسية يمس حلها بالأساس جوهر الدولة اليمنية “الجمهورية اليمنية” او طبيعة نظامها السياسي والدستوري، فضلا عن امكانية انقسامها الى دولتين بقيام كيان سياسي جديد مستقل عنها، ولو بالعودة الى ما قبل وجود الجمهورية اليمنية نفسها، كما يطرح الحراك الجنوبي كل هذا يجعل مثل هذا الحل غير ممكن ان لم يكن مستحيلا في ظل انفلاش او غياب الدولة اليمنية نفسها من ناحية، و عدم وجود الطرف السياسي الذي سيمثل النظام الكيان المستقل عنها “احتمالا” من ناحية اخرى..
و المعنى انه و ايا كانت النوايا الطيبة للأطراف السياسية التي تتحدث اليوم عن ضرورة حل القضية الجنوبية اولا وبأسرع وقت ممكن الا ان حلها يتطلب توفرت عدد من الشروط الاساسية والموضوعية والتي بدونها يصبح الحديث عن حلها عبثا وتضييعا للجهد والوقت وزيادة لمعاناة الجنوب والشمال معا واهم هذه الشروط هي:
– وجود الدولة اليمنية القوية على كامل التراب الوطني دولة المواطنة والقانون وفقا لدستور مستفتى عليه شعبيا ويتضمن مواد انتقالية تلزم السلطة المنتخبة بحل القضية وفقا لرغبة غالبية الجنوبيين عبر الاستفتاء مثلا، او غير ذلك من المواد الانتقالية سواء كان الحل باتجاه الوحدة او باتجاه الانقسام.
– وجود سلطة يمنية منتخبة شعبيا ومفوضة وفقا لإرادة الشعب بحل القضية الجنوبية وفقا لمواد الدستور النافذ ومواده الانتقالية الملزمة تحديدا واي اتفاق خارج هذه الشرعية التفويضية يصبح عبارة عن حبر على ورق.
– وجود طرف سياسي او وعاء سياسي جنوبي يمثل كل الجنوبيين او غالبيتهم او أو على الاقل يكون قادرا على فرض نفسه على كامل الجنوب و لو بقوة الامر الواقع وبالتالي يكون ضامنا ومشرفا الى جانب حكومة الجمهورية اليمنية على اي حل قد يصل اليه معها او مع من يمثلها بالأصح!
كل هذه الشروط لا تزال غائبة وستظل كذلك ما لم توجد الدولة اليمنية وسلطتها المنتخبة وفقا للدستور النافذ، الامر الذي يقتضي تأجيل حل القضية الجنوبية مؤقتا حتى تحل قضية الدولة اليمنية اولا وتتوفر الشروط السابقة الذكر ثانيا..
و الحقيقة انه بدون ذلك يصبح الحل – اي حل – وفقا لمخرجات الحوار مشكلة او خطرا لا حلا وسواء كان ذلك باتجاه استمرار الدولة الواحدة او باتجاه فك الارتباط فكلاهما اخطر من الاخر!
– ففي الحل وفقا للخيار الاول اي باتجاه استمرار الوحدة مع تغيير طبيعة الدولة الى دولة اتحادية “اقليمين او ستة اقاليم” فانه لن يفضي الا الى حالة “هجين” تجمع بين الوحدة والانفصال معا وبهذا المعنى يكون مشكلة لا حلا ومضمونه وجود دولة “الازمة” اليمنية الانقسامية والصراعية من داخلها خصوصا اذا جاء وفقا لمضمون ورقة بن عمر للاقلمة حيث نقل الانقسام السياسي الى انقسام وظيفي، وبالتالي اجتماعي واذا ما اقرينا بضرورة تقسيم كل مؤسسات الدولة الاتحادية بين الجنوب والشمال بالمناصفة وتقسيم وظائف الدولة الادارية والعسكرية والامنية بالمناصفة، فإننا نكون امام ازمة خطيرة ودائمة ولا حدود لها تشل حركة الدولة والمجتمع بالكامل، و أي خلاف داخل اي مؤسسة على اي قضية ولو غير سياسي يسارع المختلفون الى احداث اصطفاف حاد وصراعي بين الجنوبيين والشماليين داخل هذه المؤسسة ما يعطل اداء الدولة ويثير -وهذا اهم- الكراهية والتشطير في النفوس بين ابناء اليمن شمالا وجنوبا اكثر مما هي عليه الان، بل ويخلق ادوات وعوامل الصراع المادي داخل المجتمع نفس شئنا ام ابينا خصوصا وان هذه الطريقة من المعايير التي تضمنها مفهوم الاقلمة في ورقة بن عمر تلغي تماما مبدأ المواطنة والعدالة والكفاءة وتساوي الفرص وتضرب الخيار السياسي وتحيي بدلا عنه الخيار الجغرافي والمناطقي بصورة مرعبة، ما يعني ان كل ابناء المجتمع سيشعرون في الجنوب فضلا عن الشمال بالغبن والمظلومية لأن معيار الجغرافيا في التوظيف او الاختيار السياسي لا يصل اليه في العادة سوى الانتهازيين وليس من لديهم الكفاءة والاهلية!
– اما اذا قلنا بان الحل سيكون باتجاه الانفصال كما يطرح من قبل معظم فصائل الحراك الجنوبي باسم فك الارتباط فلن يفضي هو الاخر في ظل غياب الشروط المشار اليها – غياب شرط الوعاء السياسي الجنوبي الضامن تحديدا – الا الى تمزيق الجنوب وفتح بوابة الحروب والصراعات المناطقية بين ابنائها، و بالتالي بين ابناء اليمن عموما وبما يؤدي الى ملء الفراغ في مناطق عديدة – في الجنوب حتما وفي الشمال احتمالا- مرة بواسطة جماعات اصولية او مشيخية متناحرة ومرة بوجود قوى احتلالية اجنبية مفترضة او محتملة في ظل الفراغ، و في كلا الحالين تكون حدود كل واحدة من هذه الكيانات الفسيفسائية هي حدود قدرة ايا من هذه الكيانات العصبوية على القتل او القتال اكثر.
هذه هي الحقيقة مقاربة القضية الجنوبية بدون توفير شروط حلها وهي بالمناسبة حقيقة مرة وصادمة ومعروفة لدى كل الاطراف لكن هذه – مجتمعة – تتجاهلها عمدا او جهلا لأنها ليست جادة في حل القضية اليمنية والقضية الجنوبية معا ولأنها تستخدمهما معا للابتزاز ولمزيد من المكاسب النفعية والشخصية على حساب معاناة اليمنيين جنوبا وشمالا..
يبقى ان اقول بان يمكن ان تحل القضية الجنوبية في اطار الوحدة ويمكن ان تحل في اطار الانفصال ايضا، ولكن لا يمكن ان تحل في اطار الوحدة والانفصال معا والأهم من ذلك كله لا يمكن ان تحل دون توفر شروط الحل لأي من الخيارين اولا
*ملاحظة
اكثر الاطراف تعرضا للابتزاز والمزايدة تجاه القضية الجنوبية هم المخلصون للقضية ومنهم حسني النية تجاه حلها!

زر الذهاب إلى الأعلى