بدأت دراستي الأولى بالقرية (شرار) في القبيطة بمدرسة (الوحدة) .. بدأت هذه المدرسة بمدرِّس واحد فقط وهو الأستاذ علي أحمد سعد، من مواليد الحبشة لأب يمني جاء إلى القرية ليدرس أبناءها القراءة والكتابة والحساب .. جاء ليقدم شيئا من المعرفة الأساس لأبنائها المحرومين من التعليم وذلك بمقابل نقدي متواضع ومقدور عليه من قبل الآباء.. كان مدرساً ممتازاً وصارماً ومهتماً، ولكنه أيضا قاس في تعامله مع تلاميذه لمجرد أدنى تقصير أو إهمال.
ابتدأت مدرسة الوحدة بمسجد قروي متواضع وحُجرة متهالكة، تلاه بناء غرفة للإدارة، ثم صارت أربعة فصول.. تم بناء فصولها الأربعة اللاحقة على مقبرة قديمة لا نعرف إلى أي زمن تعود.. بدأ البناء فيها عندما غلب فتوى جواز البناء على فتوى منع البناء على المقبرة.. درس بعضنا فوق سطح المسجد وبعضنا تحت الشجر.. مدرسة الوحدة هي مدرستي الأولى التي درست بها إلى الصف الرابع.
كانت عصا الخيزران التي على ما يبدو أن (الاستاذ) علي أحمد سعد قد أحضرها معه من الحبشة لعقاب تلاميذه هي الوسيلة الأكثر استخداما في التربية والتعليم من خلال إنزال عقوباته على تلاميذه عند الإهمال أو التقصير أو التأخر عن طابور الصباح.. (الفلكة) واحدة من بين عقوباته الشديدة التي ينزلها على بعض تلاميذه، وهي الجلد على قاع القدمين والتي تربو أحيانا عن العشرين جلده، والأسوأ أن الجلد كان عنيفا لأطفال مثلنا حتى يبدو في بعض الأحيان أن ما يفعله هو انتقاما حاقدا وليس ما هو دون ذلك.
من أجل تنفيذ عقوبة الفلكة بحق تلميذ مقصر كان يحتاج إلى أربعة من أقرانه من ذوي الأجسام الغليظة لمساعدته في تنفيذ عقوبته، يمدونه على الأرض ويمسك اثنين منهم بيديه وصدره ومثلهم يرفعون قدميه ويمنعونه من الحركة ليتولى الأستاذ الضرب بالخيزران بقوة على قاع القدمين المضمومتين قبالته.
ومن عقوباته الشائعة التي يُكثر من استخدامها جلد بطن الكف بالخيزران بشكل متوال يصل فيها عدد الجلدات أحيانا إلى عشر لكل كف.. كنّا أحيانا نجد أنفسنا لا نقوى على مد اليد جراء شدة الألم الناتج عن هذا الضرب المُبرح.. كنا نحس أن أكفنا قد أدركها الشلل وهو يهوي عليها بالخيزران بقسوة دون رحمة أو مراعاة لألم لاسع يصل شرره أحيانا للجمجمة..
في أيام البرد يشتد هذا الحال وطأة ونكاية.. كنَّا نحس عقب ما ينتهي من تنفيذ عقوبته أن الدم يكاد يهر من الكفين.. كنا نرى أكفنا وهي تكاد أن تنبجس دماً.. كنا نشعر أننا لم نعد نقوى على حمل أيدينا فضلا عن الأكف بعد أن ينتهي من تنفيذ العقاب.
ومن عقوباته الجسدية الأقل وطأة هي إجبار التلميذ على أن يقف على ساق واحد أو الضغط على الإذن بثلاث من أصابعه بعد أن يضع حصية تحت إحدى الأصابع ليضغط بها على شحمة الإذن بينما يضغط بالأصبعين الأخريين على الجهة المقابلة ليزيد من حدة التنكيل والألم.. الأمر العجيب هو أن هذه القسوة المفرطة في العقاب لم تكن لتلاقي تحفظا أو اعتراضا من أولياء أمور التلاميذ، بل ربما يُسعد بعضهم!
(2)
ورطة تمرد
كنت على الدوام أشعر بقلق ورعب شديد من أساليب العقاب تلك.. كنت أحس أنها قاسية ومنفرة وغير إنسانية مؤلمة للجسد والروح!
في إحدى الأيام تأخرت عن طابور الصباح، وخشية من العقوبة ذهبت إلى حجرة مهجور فوق اصطبل بقرة جارنا مانع سعيد بدلاً من أن أذهب إلى المدرسة.. كانت بمثابة نُزُل مخصص لاستقبال الغرباء عند اللزوم والذين يقضون فيها يوما واحدا أو يومين إن طال المقام فيما كانت أغلب الأحيان تظل فارغة الأسابيع دون نزيل أو أنيس.
ولكي لا أتعرض للعقاب في اليوم التالي نظراً لتغيبي عن حضور اليوم السابق اضطررت لتكرار خطئي، ذهبتُ إلى نفس الحُجرة، وتكرر الأمر في اليوم الثالث والرابع، شعرت أن ورطتي تتعاظم وتتسع، فكلّما زاد تغيُّبي كلما اعترتني خشية أكبر من عقوبة أشد إيلاماً حتى تبدت لي في اليوم الرابع أنها ستفوق التوقع والخيال، وبالتالي أحسست ألا حيله سوى المجابهة إذا ما أنكشف أمري.
قرابة ست ساعات يوميا أقضيها في تلك الحُجرة المهجورة، مملة ورتيبة إلى أقصى الحدود، لكنها أقل وطأة من وجهة نظري من عقاب يفوق الاحتمال أشعر أنه نازل لا محالة.. كنت أحاول أن أخفف من وطأة رتابة تلك الساعات بالنظر من نافذة الغرفة إلى الفضاء المقابل .. الوادي والذاهبين والآيبين فيه، وكلما سمعت صوت في الجوار انتفض مرتاباً لأرقب من شقوق الباب ماذا يُدبر بالخارج وكلي توجس وقلق أحياناً، وفضول وشغف في أحايين أخرى.
في اليوم الخامس انكشف أمري وفضحني السؤال، حيث سمعت (الأستاذ) يسأل والدي عن سبب غيابي. فأجابه والدي أنني أذهب كل يوم للمدرسة، فهرعت إلى المدرسة وأدركت حينها أن الفأس قد أصاب الرأس وأن أمري انكشف، ولابد أن أستعد لدفع ثمن باهض ودفعة واحدة.
(3)
تعذيب في المدرسة
فور وصول (الأستاذ) للمدرسة استدعاني للحضور أمامه، رأيته يستعرض ويحوم ويهز الخيزران في وجهي لكأنما يشحذ سيفه مستعداً للمبارزة والقتال بعد أن ظفر بخصم لدود انتظره دهرا وتحيَّن زمناً لمنازلته وجندلته.
كنت نحيلا وبنيتي آنذاك ضعيفة.. أمر (الأستاذ) أربعة من التلاميذ بأن يمسكوني ويسقطونني أرضاً ويرفعون قدماي مضمومتين إلى الأعلى ويمنعونني من الحراك، كادوا أن يمنعوني أيضا من التنفس، ثم أحسست بلسعات الخيزران تهوى بشدة على قاع القدمين حتى أحسست أن حمم جهنم قد صبت على قدماي. إنها ليست بعقوبة (الفلكة) المعتادة ولكنها كانت (فلكة) مضاعفة تعدَّت شدتها كل العقوبات المؤلفة والتي لم تصب لا من قبلِ ولا من بعد حتى أكثر التلاميذ إهمالا وتقصيرا وغباء في المدرسة.
بعد أن أفرغ (الأستاذ) جام غضبه لم أقوى على الجلوس أو السير إلا بعد ساعة زمن..
شاهدت بعد دقائق تورم أقدامي ووجود احتقانات حمراء في قاعها وجوانبها وعدت إلى البيت متعثرا لا أقدر على حمل قدماي إلا بمشقة كبيرة.. كنت أمشي عاثر الخطى وإذا ما بلغت حدود العشرين خطوة أستريح قليلا لأعاود السير لعشرين أخرى ودواليك إلى أن وصلت للبيت.
كنت أظن أن العقاب قد أنتهى عند هذا الحد وخصوصا أن (الأستاذ) قد أبلغ والدي أنه قد عاقبني بما أستحق وبما فيه الكفاية، غير أن والدي الذي كنت آمل أن يخفف عنِّي أفرط بعقابي أكثر من (الأستاذ) حتى بدا حالي (كالمستجير من الرمضاء بالنار).
(4)
تعذيب في البيت
وصلت إلى البيت وأقترب مني والدي مخاتلا ومخادعا على غير عادته، وظننت أن شفقة قد اجتاحته أو تفجرت بداخله أو أن رحمة قد تنزلَّت من عند الله على حين غرة وخصوصا أنه شاهدني أسير متعثرا بخطواتي لا أقوى على حمل قدماي إلا بصعوبة ومشقة بالغه، ولكنه باغتني وحملني بطريقة تنم على عقوبة جديدة أكثر وحشية.
رفعني من أقدامي على كتفه حتى صار راسي متدليا إلى الأسفل وقدماي إلى الأعلى وذهب بي نحو شجرة السدر بجانب بيتنا، وكان الحبل عليها معدا وجاهزا لتعليقي.. ربط أقدامي بالحبل ورفعني إلى فرع الشجرة ورأسي متدليا إلى الأسفل.. كانت هيئتي كديك أو خروف مذبوح قد عُلِّق للسلخ.
كنت أصرخ وأصرخ لعل الأمر يتوقف عند هذا الحد إلا أنه فاجئني بضرب عنيف بعصا على ظهري وبطني وسيقاني.. لم يكن هنالك من منجد أو مغيث يهرع إليّ بسرعة لانقاذي، كانت أمي في الجبل وكان صراخي يشق السماء ولسعات العصا تنهش في جسدي كذئب جائع.
كان صراخي أشبه بإعلان مجاني ودعوة للأطفال والنسوة ليشاهدوا المنظر الذي لم يألفونه ولم يعتادوا على مشاهدته إلا عند ممارسته ضدي من قبل والدي وهو حكرا عليه لا ينافسه أحد فيه ولا يفكر بممارسته أب في قرانا مهما كان الابن متمرد وعاق..
كانوا يشاهدون المنظر مجانا من فوق بيوتهم وبعض الأطفال هرعوا إلى مكان قريب ليروا تفاصيل أكثر عن هذا المشهد الذي لا زال عالقا في ذاكرتي إلى اليوم.
وبعد أن أفرغ ابي غضبه ظللت معلقا على الشجرة حتى هرعت أمي من الجبل لنجدتي وفك وثاقي.
(5)
مع ذلك كان أستاذ قديرا
رحل الأستاذ القدير عنا إلى مدينة تعز بعد أن عثر على وظيفة.. وعلى الرغم من قسوته كان له الفضل الأول في تعليمنا دون غيره.. جاءنا في لحظة كنَّا فيها بأمس الحاجة للمعرفة والعلم والحلم.. لولاه ربما لكان الجهل قد عاث واستبد بنا كل العمر.. لولاه ربما لما وصلت ومُجايلي لأبسط وظيفة عامة في الدولة.. لولاه لكان الكثيرون منا لا يجيدون أكثر من الشقاء ورعي الأغنام.
ذهب وترك لنا أساساً من معرفة نبنى عليها علما في قادم الأيام.. ذهب ولم يذهب علمه وتعليمه ومعروفه.. ذهب وترك مكتبة صغيرة وصندوقاً أسوداً كان يجلس خلفه..
ورثنا بعضاً من كتيبات كانت مخزنة في دولابه.. أتذكر أنني أخذت كتيباً عنوانه (ما بعد الثورة اليمنية) لعبد الرحمن البيضاني..
أتذكر أنني حفظت منه حينها عدداً من الصفحات عن ظهر قلب رغم صغر سني، وعندما كنت أستعرض ما حفظته منه سمعني أحد المدرسين من اقرباء أمي اسمه عبده ردمان عبيد واندهش لما سمع مني من سرد لبعض صفحات الكتيب.. أوعدني أنه سيحضر لي قصة (النمر الأسود)، قصة خاصة بالأطفال وكنت متلهفاً لقرائتها أيما تلهف حتى أحضرها لي في اليوم الثالث، كانت أول هدية أتلقاها في حياتي..
لم أكن اعرف أنه يجب علي أن أقرأها حتى النهاية لألم بوقائعها كقصة واعتقدت أن المطلوب مني حفظها عن ظهر قلب، فصعب عليّ حفظها وفشلت بحفظ بعض من صفحاتها، وتحولت فرحتي إلى فشل وبعض تعاسة، وكنت أتهرب من الأستاذ الذي أهداني إياها حتى لا ابدو أنني غير جدير بما اهداني إياه ولم ادرك أن حفظها غير مطلوب.
(6)
مدير جديد عاقبني بالطرد
درست في هذه المدرسة حتى الصف الرابع.. أتذكر أن ياسين أحمد حسن كان مديرها في ذلك الحين وهو قريبي من جهة أمي.. كان أيضا معلماً فاهماً وحازما مع طلابه..
هذا المدير فصلني ما يقارب الاسبوعين بسبب أنه عاقبني في إحدى المرات فثرت في وجهه وقلت صارخا في وجه : “العن أبوها مدرسة”.
لقد كان حازما حيالي ولم أتصور أن يفعلها ويفصلني من المدرسة كل تلك المدة, وحتى إعادة النظر بقرار الفصل من الدراسة كانت صعبة أو كادت تكون مستحيلة..
بعدها انتقلت للدراسة إلى منطقة شعب في جنوب اليمن والتي كانت محاذية لحدود الشمال، وتبعد عن قريتنا (10 ـ 15) كيلو متر، فيما ظل مدير مدرسة الوحدة ياسين يسألني بضعة (شلنات) ما زالت عالقة بذمتي ومقيدة دينا في عنقي إلى اليوم ولا زال مقيدها في أحدى دفاتره المخصصة بديون طلابه.. ومع ذلك لم يبق لي غير ذلك الرد الذي أجده بيدي ردا على عقوبة الطرد أو الفصل الذي أتخذه بحقي..
(7)
خامس وسادس
درست الصف الخامس في منطقة (شعب) التابعة لدولة الجنوب حينها وكانت مادة الإنجليزي دوما هي المادة الأخيرة في جدول الحصص الأسبوعية. كان المدرس المُكلف بتدريسها طيباً للغاية ومجيدا لمادته ومتمكنا من تدريسها، لكن ابتعاد المدرسة على البيت بأكثر من عشرة كيلومترات كان سبباً يحملنا في معظم الأحيان على العودة دون حضور حصة مادة الانجليزي.. وأحيانا نعود من الطريق ولا نصل إلى المدرسة.
يتوجب علي القيام فجرا أو قبل الفجر وأسافر كل يوم مشيا على الاقدام وأصل إلى المدرسة وفي الإياب أيضا سفر.. مشقة يومية ثقيلة وتأتي على حساب الاجتهاد والمثابرة.. كان الانهاك اليومي ينال من الجسد والذاكرة.. وكانت أضافرأصابع قدمي دائما تشكوا التطامها بالحجارة كل صباح.. لازالت الاصبعين الكبيرتين في القدمين أظافرها مشوهة إلى اليوم من آثارالإلتطام بالحجارة كل صباح.
هذا الانهاك اليومي أدَّى إلى فشلي بثلاث مواد دراسية من بينها اللغة الإنجليزية. وهو أمر غير مسبوق لي في الدراسة.. وتم إعادة تلك المواد وتمكنت من النجاح بصعوبة وما كنت لأنجح لولا الرجل الطيب الحاج محمود من أبناء شعب.
كان في منطقة شعب أصدقاء للوالد الحاج محمود وإخوانه علي وصالح.. كانو ثلاثة اخوان يعيشون في منزل واحد ومعهم أكثر من ثلاثين نسمة.. كانوا مثال للأخوة والطيبة والمودة.. كانوا في منتهى الروعة وقلوبهم أبيض من الفل وبياض السحاب..
كنت أدرس مع بعض أبنائهم في نفس المدرسة.. أذكر أنني قضيت مقيما لديهم شهر أو شهرين بعد إلحاح شديد من قبل الأخوان الثلاثة على والدي أن أقيم لديهم وأجتاز الامتحان..
كانوا يشفقون على تعب أعيشه كل يوم.. كنت أقطع كل يوم مسافة تزيد عن العشرين كيلو مترإلى المدرسة ذهابا وإياب.. ولولاهم لما تجاوزت العام الدراسي وفشلت في كل المواد..
يا الله كم هؤلاء الناس طيبين.. بعد أن قُتل أخي وتشرد والدي أقام عندهم سنوات أحتضنوه خلالها دون أن يجرحوه يوما أو يتململوا من ضيف أطال الإقامة بل كانوا يفيضون طبية ومودة تكفي لأن تملى هذا الكون ويزيد.. ما أطيبهم يا الله.. لقد صنعوا لنا من الجميل والمعروف ما ندان لهم كل العمر أبناء وأحفاد..
وفي الصف السادس انتقلت إلى مدرسة المعرفة بـ (ثوجان) حيث لا يوجد صف سادس في مدرسة الوحدة وكان الاختبار حينها (اختباراً وزارياً)، وثوجان منطقة تبعد عن منزلنا بما يقارب الثمانية كيلو مترات بالإضافة إلى أن الطريق إليها وعرة وشاقة وفيها جبل كبير أصعده صباحاً وأهبط منه ظهراً .. أتذكر أن حصيلة الامتحان الوزاري كانت 302 من 500 درجة وكنت أرى في هذه النتيجة جيدة ومرضية.
(8)
في طور الباحة مدرسة أعزتنا من الجهل
عندما انتهيتُ من المرحلة الدراسية الابتدائية كان لابد أن التحق بالمدرسة الاعدادية، لا توجد مدرسة اعدادية في منطقتنا النائية الواقعة في أقصى الأطراف الجنوبية لدولة الشمال..
كانت منطقتنا وقريتنا بعيدة ومحرومة من أبسط الخدمات.. لا مواصلات ولا اتصالات ولا صحة ولا رعاية اجتماعية ولا نجد أدنى اهتمام من قبل الدولة.. لا نجد لها أثرا في حياتنا إلا بما يزيد من وطأة المعاناة التي تثقل كواهل أهلنا مثل (التنافيذ) والملاحقات الأمنية والجبايات الزكوية..
خدمات الدولة نحونا لا نلمسها ولا نحس بها وهي بمثابة صفرا كبيرا بحجم غياب وطن. حتى التعليم وبناء الفصول الدراسية الابتدائية كان يقع على كاهل آباءنا.
لم يكن لنا من مناص من جور جهل محتوم إلا دولة الجنوب حيث كانت توجد مدرسة إعدادية في مركز طور الباحة الذي كنا نرتاد سوقه يوم السبت من كل أسبوع إن دعت الحاجة.. وتبعد هذه المدرسة عن قريتنا مسافة تزيد على العشرين كيلو متر ولحسن حظنا أنه كان يوجد قسما داخليا ملحقا بالمدرسة يُوفر فيه لأمثالنا المسكن والغذاء.
كانت (مدرسة الشهيد نجيب) في طور الباحة هي عاصمنا من جهل, وكان كثير من طلاب المناطق المجاورة في الشمال والمهددين بالجهل أو انقطاع الدراسة يجدون في هذه المدرسة الملاذ والملجأ.
كانت مدرسة كبيرة مقارنة بما مررنا به وما عرفناه حينها من مدارس، فضلا عن كونها نظيفة ومرتبة ومدرسيها أكفَاء.. غمرتني السعادة وأنا أجد حجرات دراسية لم أعهدها من ذي قبل، وكان قسمها الداخلي جديدا أو حديث بناء.. غمرتنا السعادة ونحن نستلم في أول يوم من التحاقنا بهذه المدرسة أغطية ومفارش جديدة وأدوات أكل نظيفة.. كل شيء مجانا ودون نقائص أو معايب غير أن التغذية فقط لم تكن تكفينا أو أن شهيتنا للأكل كانت أكثر مما يقدم لنا، وهذا ما جعل سوء التغذية يلازمني خلال فترة دراستي الإعدادية في هذه المدرسة التي أعزتنا من جهل.
كان مسموح لمن أراد منا أن يغادر ظهر الخميس ويقضي إجازة الجمعة بين أهله على أن يعود للمدرسة صباح السبت.. كانت السيارات تقلني إلى (رأس وادي شعب) وبعدها أكمل العودة إلى القرية مشياً على الأقدام ومثله الذهاب.. وأحيانا كنت امشي سيرا على الأقدام من البيت حتى (طور الباحة) لاستفيد من مصروف المواصلات التي كان يعطيها لي والدي وأحيانا أفعلها أيضا عند الإياب.. وعند المشي كنا نبحث عن الطرق المختصرة وأحيانا نتسلق السيارات في واسط الطريق مجاناً، نطلق عليها (تعبيرة)، في إشارة إلى حملنا على العبور بدون مقابل، يا لنبل أصحاب السيارات الذين يقدِرون ظروفنا ولا يأخذون منا أجراً!
(9)
في أوج التطرف الثوري واليساري
كانت المرحلة التي يعيشها الجنوب في تلك الفترة يسارية وثورية ولا تخلو من نزعات الطيش والتطرف.. عندما يركب طلاب وحتى مواطنون على ظهر سيارات (اللاندرفر) المكشوفة يرددون في الطريق هتافات ثورية، ومن تلك الهتافات التي مازالت عالقة في ذاكرتي:
“يا ويلك ويل يا سلبي من ضربتنا العنيفة, والمتستر بيُكشف والمراحل طويلة”
غير أن الهتاف الذي كان يحزُ في نفسي ويترك أثرا أداريه عمِّن هم حولي كان يقول: “دقوا المشايخ دقوهم”، وكان السبب يرجع إلى أن إخوة أمي في الشمال محسوبين على فئة “المشايخ” رغم ان ظروفهم كانت متواضعة للغاية.. لم تكن ثمة فروق اجتماعية مهمة تُميزهم عن عامة الناس.
اتذَكر أن خالي (علي سالم ـ دعبل) كان يقترض ويستدين بعض المال من والدي الذي هو أيضا في حال ضيق أو غير ميسور.. و كان أيضاً جدي، والد أمِّي، معروفاً بزهده وتواضعه وكان يعمل لآخرته على حساب دنياه، وأغلب وقته كان معتكفا يتلو القرآن في ديوانه تقربا إلى ربه راجيا رحمته وجنته غير أن هذا لم يعفه من بعض تطرف وطيش اليسار في الجنوب عندما ذهب إلى عدن بغرض تلقي العلاج فأخفي قسرياً، وانقطعت جميع أخباره مذ ذلك الحين ولم نعد نعرف شيئا عن مصيره إلى اليوم.
درست المرحلة الإعدادية في مدرسة الشهيد نجيب في طور الباحة في اواسط السبعينات وتحديدا من العام (1976 ـ 1978) إن لم تخني الذاكرة.. أقمت في (القسم الداخلي) وكان عدد غير قليل من أبناء المناطق الشمالية المجاورة يلتحقون بهذه المدرسة ويقيمون في قسمها الداخلي، توفر لهم دولة الجنوب التغذية إضافة إلى السكن.. وكان سبب توجهنا إلى الجنوب للدراسة إما بسبب عدم وجود مدارس إعدادية في أريافنا وإما لأسباب سياسية واجتماعية حملتنا على التوجه للدراسة في هذه المدرسة، وعلى كل حال كان لدولة الجنوب ـ جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية ـ في ذلك الفضل الذي لم ولن ننساه ولن نجحده، لقد كنا بأمس الحاجة للتعليم.. وفي هذا المقام لا بأس من استحضار قول الشاعر المتنبي:
إذا أنت أكرمت الكريم ملكته*** وإن أنت أكرمت اللئيم تمردا.
(10)
فصلي من المدرسة
كانت من أصعب المواد الدراسية التي واجهتها في سياق دراستي الإعدادية هي مادة الإنجليزي لأن مدارس الجنوب كانت تدرِّسها من الصف الخامس بينما مدارس الشمال كانت تدرسها من فصل أول إعدادي، وعندما درست الفصل السادس في الشمال وانتقلت إلى الفصل الأول إعدادي في الجنوب كانت قد فاتتني سنة من مادة الإنجليزي لم أدرسها في الشمال، فضلا عن الضعف السابق الذي رافقني في هذه المادة حتى بدت هذه الفجوة حاضرة وتتسع في حياتي التعليمية اللاحقة حتى أكملت الجامعة.
في سنة أولى إعدادي تم فصلي لمدة أسبوعين من قبل مديرها آنذاك الأستاذ عبده علي الكربي وهو أيضا من أبناء القبيطة، غير أن سبب الفصل هذه المرة كان بسبب قيامي وزميلي جميل قائد صالح بإعداد وتوزيع منشور مسيء في أروقة المدرسة والسوق..
لقد كشف المدير أمري عندما حضر ليلا إلى القسم الداخلي حال ما كنت أحل الواجبات المدرسية وشاهد طريقة كتابة حرف الهاء بنفس الطريقة الواردة في المنشور، فاستدعاني للتو وطلب مني الاعتراف، وفتح معي تحقيقاً ولكنني أنكرت بإصرار عنيد أن ليس لي أي علاقة بهذا المنشور، فيما كان الخط كاشفا لفعلي بوضوح تام..
استخدم المدير كل أساليب الترغيب والترهيب لانتزاع اعتراف مني أو لكشف من شاركني الفعل غير أنه فشل في نزع أي اعتراف رغم حنكته في التحقيق، ففصلني من المدرسة، وضللت مفصولا لمدة أسبوعين أو يزيد، وعندما أدركه اليأس ولم يستطع انتزاع شيء ألغى قرار الفصل وأعادني للدراسة.
(11)
عراك دامي
في سنة ثاني إعدادي تم إخراجنا من المدرسة لاستقبال الرئيس سالمين والأمين العام للتنظيم السياسي عبد الفتاح اسماعيل، خرجنا من المدرسة بصفوف منتظمة ثم بدؤوا ينظمونا في صفين على جانب الطريق الممتد من بوابة المركز وحتى مسافة كيلو متر تقريبا باتجاه طريق قدومهما..
كان مكاني في الصف بالجهة المحاذية للمستشفى وكنت أتشوق لأرى وجه سالمين وعبد الفتاح إسماعيل.. كنت متشوقاً كغيري لأرى هيئتهما.. كنت أتمنى أن يمران من أمامي ببطيء لأملئ عيناي الملتاعة لتفاصيلهما، فهذه هي المرة الأولى في حياتي التي سأرى فيها رئيس دولة وأمين عام تنظيم.. ولكن كان الانتظار تحت هجير الشمس مملاً ومضنيا لتأخر وصولهما بعض الوقت عن الموعد ولم يكسر هذا الملل عني غير استفزاز مقابل وتحدي..
كان في الجهة المقابلة لي مجموعة من أبناء منطقة طور الباحة تعاركت معهم أكثر من مرة ولطالما أستفزوني مرات عديدة.. كان بيني وبينهم بغض صبيان وتحد.. كنت عندما أراهم أشعر بغربتي وأنني لست من أهل الدار وربما هم شعروا أيضا أنني غاز أو دخيل غريب يثير الاستفزاز..
ظلوا يرمقونني ويسخرون مني ويستهزئون بي ويضحكون علي ويتحدونني.. وأنا في المقابل تحديتهم وقلت لهم اختاروا واحداً منكم لنتعارك أنا وهو رأس برأس..
فنزل أحدهم وكان ممتلئ البدن فيما أنا كنت نحيفا وضعيف البنية وأعاني من سوءٍ في التغذية.. ربما السكين تصنع تعادل في التفوق بيننا أو ترجح الأمر لصالحي.
قلت لهم ننزل نتبارز خلف تلة الرمل على بعد حوالي 200 متر حتى نأمن من أي تدخل يساعدني أو يساعده، وكان رفقائه واثقين أن الانتصار سيكون من نصيبه. وصعد رفقاءه رأس التلة ليرون مشهد العراك وكنت أخفي سكينا صغيرة ورفيعة ـ تستخدم لتقطيع الروتي ـ اشتريتها قبل بضعة أيام تحسبا دفاعياً لموقف طارئ أو محتمل..
وعندما وصلنا المكان الذي اخترناه للمبارزة هاجمته بغتة بالسكين وباشرته بطعنة بالبطن فهرب وهو يصرخ وكنت ألاحقه وأحاول طعنه في أكثر من مكان، وكنت أشعر أن أي تراخي أو تمهُّل عن ملاحقته قد يقلب حال معادلة العراك لصالحة، فلم اعطه تلك الفرصة فهرع مدرسان لنجدته وتخليصه ومسكا بي بقوة كما تمسك الشرطة بالمجرمين بعد أن انتزعا مني السكين، وعندما رمقت من اعتركت معه وكان يصرخ ويتوعد ويهدد بالقتل فاجئني رؤية كمية الدم وغزارته على قميصه..
كان الدم ينزف من بطنه بغزارة ملحوظة.. شعرت بالندم والحسرة والحزن عليه.. شعرت بالقلق من أن يصل الأمر إلى ما لا أتوقعه.. شعرت أنني كنت متهورا وأحمقا وإن المقامرة والتحدي الذي في غير محله ممكن أن تحوِّل الإنسان من شخص سوي إلى مجرم.. شعرت أنه كان بإمكاني الاكتفاء بإشهار السكين في وجهه للحيلولة دون أن يحدث ما حدث.
(12)
في السجن
أخذوني إلى السجن بينما أخذوه هو للمستشفى، ولسوء الحظ أن أمي كانت مريضة وترقد في نفس المستشفى وكان أخوه هو مدير المستشفى، ما ضاعف من وتيرة الخوف والقلق لدي.
هرع أحد أقرباء المصاب وأظنه ابن عمه ووجدني بينما العسكر يهمون بإدخالي الزنزانة وصرخ بوجهي وبوجه العسكر والحاضرين بغضب واستعلاء ناقم: ” لا يمكن أن نقبل بعشرة من هذا”! نعم كان شكلي قزما منهك شحوب فيما كان قريبه المصاب مربربا وتبدو من ملامحه كأنه أجنبي.. شعره ووجنتيه وعيونه وجسمه الممتلئ باللحم والشحم..
تم التحقيق معي من قبل البحث الجنائي وتحريز السكين كأداة جريمة، وواجهوني بها وتم إثبات أقوالي في محضر والتوقيع والتبصيم عليها وكانت جريمتي مشهودة..
عرف أخي بالحادثة فحضر من القرية ومن حسن حظي أن الطعنة لم تكن غائرة وأن أخي محط احترام وتقدير لدى المسؤولين في مركز المديرية وأنني ما فتئت حدثا، ولهذه الاعتبارات تم اطلاق سراحي بضمانته، وتم استدعائي وتوقيفي من قبل مسئول البحث أكثر من مرة وفي إحداها تم توقيفي أنا والمصاب معا بعد أن شفي من الاصابة وتم حل القضية وإغلاق ملفها.
إن ما حدث كان تهورا وطيشا وسوء تقدير في عمر كنت لا أزل فيه حدثا، وكان شعوري بالغربة والاستفزاز المتكرر والشعور بالتعالي من قبل ما بدا لي أنها عصابة دفعتني إلى فعل ندمت بسببه وتعلمت منه..
ندمت أيضا لعدم تمكني من رؤية الرئيس سالمين وعبد الفتاح اسماعيل.. وبعد فترة صدمني خبر الإطاحة بسالمين الذي كان محبوبا وذو شعبية لدى الكثيرين من البسطاء، فيما كانت شعبية عبد الفتاح اسماعيل في الغالب نخبوية ومكانته أكبر عند المثقفين.
(13)
فاجعة مقتل أخي
في سنة ثالث اعدادي تم تعيين (علي الخفيف) مديراً عاما جديدا للمدرسة وهو من أبناء الجنوب بعد أن ذهب المدير السابق للعمل في الشمال.
كان المدير الجديد طيبا وودوداً، وحال ما كنت أعيش اجواء الامتحانات الوزارية ولازال متبقي امتحان ثلاث مقررات، نقل إليّ المدير الخبر الصادم ولكن بالتقسيط المريح.. حاول أن يبقي الأمل لديّ أن أخي لا زال يعيش حتى أنهي الامتحان بسلام ويهيئني في نفس الوقت لتقبل الفاجعة تدرجيا دون إنهيار مميت..
حاول المدير أن يقلل من تأثير الحادث على نفسيتي وحتى لا يؤثر على نتائج امتحاناتي وبنفس الوقت يهيئني للتصالح مع الحقيقة الصاعقة وربما تكون في فرط تعلقي به مميته..
كم كان هذا المدير أباً ومسؤولا وعظيم!
كان هذا الخبر هو مقتل أخي بالرصاص، والذي وافاه الأجل في طريق إسعافه إلى عدن، ووارى جثمانه في مقبرة العيدروس بكريتر.. ألم أقل أن نصف حزني في عدن ياعدن.. من هذا الذي يقتلعني منك وأحزاني مثل فرحي مثل حبي ضاربه الجذور إلى أعماق الأرض في عدن.
انتهت من امتحانات العام الإعدادي الأخير وتيقنت بعد حين صحة خبر مقتل أخي، ومع ذلك ظل الوهم سلطان يساير ما ترغبه النفس وتهواه وظل وهمي يرفض هذه الحقيقة الأكثر مرارة في حياتي..
لقد بذل المدير ما في وسعه ونجح في أن يجعلني أجتاز الامتحان بنجاج ونجح أن لا يجعل ارتطامي بالحقيقة مميتا وإن ظل وقعه صاعقا وصادما..
كم كانت الفجيعة طامة.. كيف لي أن أصدق الخبر.. من فرط التعلق لا نصدق الوقائع حتى وإن شهدناه بأم أعيننا.. إنه الحب والتعلق بمن نحب.
(14)
استذكار لقاء الوداع الأخير
كان آخر لقاء عابر في الطريق قبل أيام قليلة من مقتله.. كنت متجها إلى طور الباحة فيما كان هو آيبا إلى البيت..
كنت أراه على نحو مختلف.. كان جمال وجه ساطعا لم أر مثل هذا السطوع من قبل..
كنت أستمتع برؤيته وكأنني أراه للمرة الأولى.. كنت بحس فنان بديع يرقب القمر في قاع الماء وهو يتماوج أمام العيون..
كنت أراه بذوق رسام وهو يرى الماء نميراً ومتلاءلئاً تحت سطوع الشمس في رابعة النهار.. كان إحساس اللحظة كثيف.
كان ينبض وجهه بنور وبياض على غير المعتاد.. رأيت عيناه ناعسة مع ميل للرمادية أو الإزرقاق.. أول مرة أرى عيناه بهذا العمق وهذا السحر وهذا اللون وبهذه المسحة الآسرة.. ماذا أبقيت للعيون يا أخي لنحب أو نحتب؟!
رأيت قامته أكثر امتشاقا.. كانت عنايته بملابسه فيها ذوق فنان لونا واختيار.. وكانت عنايته في اختيار ما يلبسه في ذلك اليوم فائق الذوق والجمال وكأنه كان عريس ويوم زفاف..
إجمال ما شعرت به إن سر غامض يريد أن يبوح بمكنون..
كان أكثر إشراقا ونفادا وجمالا آخاذ فوق جمال..
أحسست أنني أحبه وأن مغنطيسا ما يمنعني من الانصراف عنه والمغادرة لولا خجل يجتاحني كالسيل..
يااااالله.. لم أكن أعلم أنه لقاء عابر لفراق طويل وسرمدي..
كنت أحس بشيء مختلف.. إحساس غامض وحيرة.. لم أكن أعلم أن نظراتنا لبعض كانت الأخيرة وفيها وداعا ومسك ختام..
أحسست من نظرات عينيه يريد أن يقول شيئاً.. شيئاً لم أفهمه.. احساس مكثف ومتبادل ولكن يكتنفه الغموض..
يا إلهي.. لقد فهمت أنه كان اللقاء الأخير والوداع الأخير والسلام الأخير.
(15)
اطلالة تعريج سريعة
قُتل أخي وكان يومها علي عبد الله صالح قائدا للواء تعز قبل أن يصير رئيسا.. كان يكن عداءً صارخاً لدولة الجنوب وكل من يتواصل معها أو له صلة بها..
اطلعت على رسالة في وقت لاحق من مقتله موجهه من أحدهم الى صالح ـ الذي صار رئيسا للجمهورية ـ وفيها نص مازلت أتذكره إلى اليوم “لقد قتلنا وكر العمالة”.. وطلب منه في نهايتها ما يجود به كرمه من المال.
لقد أطلعني على هذه الرسالة عيانا قائد ما كان يعرف بقوات الشعب الثورية والذي كان مقره في المعلا قبل أن يتم نقله إلى التواهي، وهذا الشخص كان اسمه التنظيمي (صلاح) فيما عرفت لاحقا أن اسمه الحقيقي عبد الكافي وكان مقرباً من سلطان أحمد عمر.
وعرفت أنه تم الحصول على هذه الرسالة عبر اختراق أمني لمكتب الرئاسة في الشمال..
قتلوا أخي وزجوا في السجن كل من قدم مساعدة لإسعافه كان في صورة سيارة أو احضار بطانية أو المساعدة في حمله أو اسعافه والاستثناء نادر..
جاءت حملة أمنية من تعز خلال فترة وجيزة بعد مقتل أخي وقامت بتفتيش منزله، لم تعثر على شيء إلا قليلا من طحين، وحزن وفير؛ فقال الضابط متعاطفا لحظتها مع بؤس الحال (لم نجد ما يستحق حتى الطحين). مات أخي ولم يملك في بيته ذّرّة طحين تكفي ليوم ونصف أو بالكثير ليومين.. هذا ما حكته لي خالتي أم علي وما حكاه جارنا الوالد أحمد محمد الفقيه الذي ألزموه على مرافقتهم أثناء التفتيش.
كما تم تفتيش منزل أبي فيما أمي وأخوتي الصغار كانوا يبكون ويصرخون مرعوبين في الاصطبل..
تم لفترة طويلة ومتفاوتة منع ومضايقة تقديم أي مساعدة لأسرتنا حتى على مستوى شراء الحاجيات الأساسية للعيش بنقودنا وهو ما يثير في الحلق غصة من نار..
جارنا أحمد محمد مرشد الذي كان يخاطر ويجازف لمساعدة أسرتنا في الحصول على متطلبات العيش الأساسية، وكان في مقام الجار الفاضل والوكيل..
كان أخي معارضا للنظام في الشمال ومنتميا للحزب الديمقراطي الثوري الذي كان يرأسه عبد القادر سعيد.. أخي من أبطال مقاومة حصار السبعين يوما دفاعا عن الجمهورية، وكان زميلا لعبد الرقيب عبد الوهاب ورفاقه الميامين..
كنت أنا لا أحب النظام في الشمال.. كنت اسمع بقتل وتصفية المعارضين السياسيين وتعذيبهم بالسجون.. كنت أسمع بمحمد خميس الذي كان رئيسا لما يعرف بجهاز الأمن الوطني وما يرتكبه من فضائع بحق المعارضين السياسيين..
عرفت أم حمير الذي اعتقلت مع وزجها وروت لي قصص التعذيب في السجون وبشاعة الانتهاكات التي مُورست ضدها وزوجها وضد المعتقلين المناهضين لسلطة النظام في الشمال..
أم حمير التي ولدت ابنها حمير في السجن، وقاومت الجلاد والسجان والسجن .. تم تكٌسير أسنانها وأصيب عمودها الفقري جراء التعذيب.. كل ذلك كان له أثره الحقوقي البالغ في مراحل حياتي اللاحقة.
في مناطقنا كنت أرى التنافيذ التي تأتي على المواطنين وتتحكم بهم وتجبرهم على ما يكرهوه..
كنت اسمع عن الحملات والمداهمات من قبل النظام ضد معارضيه والمشتبه بانتمائهم للمعارضة.. وكان انتماء أخي للمعارضة قد جعلتني أعيش كثير من هذه المخاوف وما له صلة بها..
أعود بعد هذا التعريج السريع إلى السياق لأواصل ما كنت بصدده..
نجحت في ثالث إعدادي بتقدير جيد، وصار والدي ملاحقا ومطلوبا من سلطات الشمال فيما أنا مكثت عدة أسابيع بعد الامتحانات في منطقة (الغول) الجنوبية عند رجل فاضل اسمه (عبد الوهاب) كان شهماً وطيباً وكريما ومتواضعاً.. استضافني خلال العطلة المدرسية وخفف من معاناتي وعاملني مثل أحد أبنائه وبعدها انتقلت للدراسة في مدرسة (البروليتاريا) الواقعة في طريق عدن لحج فيما ظل والدي مشردا بين عدن ووادي شعب عند صديقه (الحاج محمود)
كان “الحاج محمود” وفياً وطيباً ومخلصا مع أبي ومحنته طول فترة بقائه ومكوثه عنده.
16
مدرسة البروليتاريا
مدرسة البروليتاريا كانت مدرسة لأبناء البدو الرحل، تأسست في عهد الرئيس سالمين والذي كان يبدي اهتماما ملحوظا بهذا النوع من المدارس التي تهتم بتعليم أبناء البدو الرحل، وقل هذا الاهتمام بعد رحيله.
درست الثانوية في مدرسة البروليتاريا.. وكان هذا الاسم عسيرا على اللسان في البداية ولكنه صار فيما بعد مميزا ومحل اعتزاز ولاسيما أن معناه كان مرتبط بالطبقة العاملة التي كان ينظر إليها في الثقافة الماركسية بأنها من أكثر طبقات المجتمع ثورية ومناط بها مهمة إسقاط النظام الرأسمالي.
عندما التحقت بهذه المدرسة في العام 1979كان أكثر من يقصدها طلاب من ريف محافظة لحج ولاسيما من ردفان والضالع وطور الباحة ويافع.
تقع مدرسة البروليتاريا في منطقة متوسطة بين محافظتي لحج وعدن، فيما كانت إداريا وتعليميا تابعة لمحافظة لحج، وكان ملحقا بهذه المدرسة قسم داخلي توفر الدولة فيه لجميع الطلاب السكن والغذاء مجاناً، ولكن كان الغذاء رديئا وقتها ويفتقد للتحسين بالإضافة إلى أنه كان قليلا ولا يشبع بطوننا، كان عدد الطلاب كثير، وبعضهم كان لا يلحق وجبته المقررة بسبب نفاذ كمية الغذاء المطبوخة..
كان طابور الحصول على الوجبة طويلا ويشهد أحيانا عراكا بين بعض الطلبة بسبب الزحام أو محاولة بعضهم التقدم بتجاوز مواقعهم في طوابير الغذاء.. وكنت في بعض الأحيان عندما لا ألحق وجبة العشاء أضطر للذهاب لأشجار (الديمن) المحيطة بالمدرسة لأسُّد رمقي من الجوع أنا وأحيانا كان معي صديقي محمد عبد الملك حسين..
كنت أحيانا أذهب إلى مزرعة مجاورة تابعة للدولة وذلك للمذاكرة تحت ظلال أشجارها الوارفة وننتزع خلسة بعض حبات الليم لنستخدمها على الفاصوليا وتعطينا شهية مضاعفة والأكل قليل ويصير بالليم لذيذ، نكمل الوجبة ولا تسد حتى نصف بطوننا.
كنا أحيانا وفي موسم زراعة أشجار الجلجل نجوع في الليل عندما تتطاول ساعاته علينا ويزيد جوعنا نذهب متسللين لنجني كمية من محصوله نسد به جوعنا.
(17)
احتجاجات الجوع
بسبب هذا الجوع وغياب التحسين في وجبات الغذاء أضرب عن الدراسة عدد كبير من الطلاب وكنت واحدا منهم..
امتنعنا عن الدراسة، وخرجنا للرصيف نحتج على رداءة الغذاء ونطالب بتحسينه.. قطعنا الطريق بين لحج وعدن بالحجارة ومنعنا عبور السيارات وهو عمل جريء في ذلك الوقت وشديد الحساسية عند السياسيين لأن أي عمل أو احتجاج من هذا القبيل كان يصنف باعتباره ثورة مضادة ويذهب السياسيين إلى تفسير الاحتمالات والأسباب فوق ما نطيق ونحتمل، ولكن وجود طلاب محتجين من الضالع وردفان والصبيحة درأ عنا العواقب وحد من تفسير احتمالات وأبعاد الاحتجاج.
كثيرون هم الطلاب الذين التزموا الاحتجاج وامتنعوا من الذهاب إلى الصفوف الدراسية، وأقل من الكثير هم الذين آثروا السلامة وتحاشوا المشاركة في هذا العمل الاحتجاجي شديد الندرة إن لم يكن الغير مسبوق.
كنت أنظر لغير المحتجين نظرة سخط وازدراء.. كنت أسأل نفسي لماذا هؤلاء يتلبسهم الخوف ولا يسخطون على الجوع والقائمين عليه؟!!
كنت معجب بالطلاب الذين يجرؤون على الاحتجاج ويحاولون أن يصلوا بصوت الجوع إلى أكبر مسؤول في البلاد..
كان أبناء الضالع من الطلاب في المدرسة هم طليعة المحتجون.. كنت معجب بأولئك “المجانين” الذين ينازلون الجوع ويتحدون عواقبه.
كان المسؤولون في المحافظة ولاسيما في التربية والتعليم الذين تتبع المدرسة مسؤوليتهم هلعين من انعكاسات وتأثير تلك الاحتجاجات عليهم..
نزل المسؤولون عن التربية والتعليم في المحافظة ليجتمعوا بالطلاب ويسمعوا مطالب المحتجين ومناقشتهم فيها بعد فشلهم في إرعابهم وثنيهم عن مواصلة الاحتجاج وإرجاعهم إلى فصولهم الدراسية.
لم نهداء ونكف عن الاحتجاج الا بعد حضور علي عنتر والذي نجح في تهديتنا عندما قال:
تروحوا أسبوع وترجعوا على اكل حسين ونظيف، وأمر بتحضير “بوابير” لنقل الراغبين من المحتجين والمتذمرين كلاً الى مديريته..
العمل الاحتجاجي من هذا النوع وضد السلطة الثورية أو هكذا يفهم مثل هذا النوع من الاحتجاج وفي تلك الفترة شديدة الحساسية هو عمل جريء ومقدام.
أن يندلع عمل احتجاجي في مدرسة تحمل اسم عظيم في دولة تدعي أنها تتبني نظرية الاشتراكية العلمية وتعمل من أجل إقامة دولة البروليتاريا عمل ربما يكشف هشاشة بعض ذلك الادعاء.
أسفر هذا الاحتجاج عن نتائج تحسين ملحوظ في التغذية والنظافة والتنظيم.. وكان هذا العمل هو أول احتجاجي أشارك فيه.
(18)
قراءة خارج المناهج الدراسية
في سنة ثانية بثانوية البروليتاريا تم تخصيص دينارا مساعدة لأبناء الشمال (الجبهة) شهريا وكنت انتظرها بفارغ الصبر نهاية كل شهر، وكنت أصرفه في الغالب عندما أجوع بشراء البسكويت والشاي من عند محمد حيدرة الذي كان يبيع الشاي وبعض السلع في حانوت صغير في بوابة المدرسة. كانت وجبة الشاي والبسكويت وجبة لذيذة وشهية لازلت إلى اليوم أشتهيها في بعض الأحيان وأتذكر من خلالها أيام خلت وانقضت.
في مدرسة البروليتاريا كانت لدي إذاعة صغيرة أتابع من خلالها الأخبار ليلا وكنت حريصا على سماع نشرة منتيكارلو الساعة الثامنة مساء ونشرة bbc من لندن الساعة التاسعة مساء..
كنت أتطلع للمعرفة وأقرأ الصحف عندما أجدها وكذا بعض الكُتب حتى ما كان منها عصيا على الفهم بالنسبة لمستواي المعرفي ولكنني كنت أحاول.
اذكر أنني في صف الثاني ثانوي فاجئني وثار في وجهي أحد الاساتذة لمجرد أنه شاهدني أقرأ كتاب لإنجلس (أصل العائلة) عند بوابة المدرسة، وعنَّفني كون هذا يصعب فهمه حتى على خريجي الجامعة وأن مطالعتي لهذا يأتي على حساب مذاكرة دروسي .. كان واضح أن هذا الاستاذ متخفف من الايدولوجيا واعتقد ان اصوله هندية أو باكستانية كما هو واضح من سحنته وملامحه.
هذا الزجر جعلني اقرأ أكثر من خارج المناهج أو المساقات المدرسية دون أن يؤثر ذلك سلبيا على الاهتمام بدروسي التي كنت اعطيها القدر الأوفر من الوقت والاهتمام.
وإجمالا كانت القراءة خارج المناهج الدراسية الأساس لتوسيع مداركي المعرفية بل والتفوق لاحقا في الدراسة ومغادرة دائرة الفشل المدرسي.
(19)
كانت لدي طبيعة في مذاكرة دروسي وهي إن قراءتي تتم بصوت مسموع.. لا أدري عما إذا كان هذا الأمر قد جاء لي سليقة وفطرة أم هو أمر مكتسب..
كانت نسبة استيعابي وأنا أقراء بصوت مرتفع أكثر مما لو قرأت بصوت منخفض وقد تحول هذا الأمر في الجامعة والمعهد العالي للقضاء إلى مشكلة مؤرقة سأتحدث عنها بموضعها لاحقا.
كنت أخرج من القسم الداخلي إلى الصحراء وأذرعها طولا وعرضا وأنا أُذاكر دروسي بصوت عالي بل وأشير بالأيدي والأرجل دون أرادة وأسير بعض خطوات وأتوقف وأكرر العبارات حتى أفهمها وأحاول حفظها وما أن أنتهي من درس اكتب على كثبان الرمل (ربي زدني علما) وأحيانا أضيف (من المهد إلى اللحد) حتى أن من يراني عن بعد ويشاهد حركاتي يظن إن بي مس من الجن أو أنني مجنون .. كنت أقرأ بفمي ويداي وقدماي وكل جسمي.
ومع ذلك وجدت نفسي أفضل من أي وقت مضى اهتماما ومثابرة واجتهاد.. شعرت بأهمية التفوق وتعاطيت مع طموحي وما أروم بمسؤولية أكثر..
في مدرسة البروليتاريا صرت أقدر أهمية التعليم وأهمية الاطلاع والمعرفة.. وبدت الثقة بنفسي تزداد والمعرفة تطيب وتلذ.
(20)
تحوّل معرفي جديد
في الثانوية كنت أقرأ وأتأمل وأنا أجوب الصحراء في عصر كل يوم.. أوزع الاتجاهات على الأيام وأذرع كل يوم اتجاه.
أتأمل الصحراء وأوغل فيها أكثر رغم هجيرها وأسأل نفسي: هل كانت هذه الصحراء على هذا الحال منذ خلق الله البسيطة؟!
كنت أتوقف على قطع من الأحجار الصغيرة والمميزة في الصحراء أغلبها بحجم قبضة الكف أو أكبر قليلا ويبدو أنها قطع من نيازك وأسأل نفسي: هل هذه القطع كانت يوما ما أجرام سماوية تسبح بالفضاء؟! هل معقول هذه النيازك والشهب هي تلك التي يرمي فيها الله الشياطين؟
كنت أسأل وأنا أشاهد القواقع المتنوعة في الصحراء؛ هل كان البحر يغطي كل هذه اليابسة؟! وهل كانت القواقع درجة في سلّم تطور هذه الحياة؟!
أعجبني استاذ الأحياء الفلسطيني وهو يشرح نظرية “داروين” في النشؤ والارتقاء.. كنت أتابعه باندهاش تام وأحدث نفسي بالقول: إنها معقولة ومنطقية إلى حد بعيد.
ما أسمعه من أستاذ الأحياء لم يسبق أن سمعت مثله من قبل.. كان كلام جدير بالاهتمام وهو يتحدث عن سُلم التطور والارتقاء..
أحسست بمنطقية النظرية واستمتعت بقوة حججها.. كانت زلزال ضرب قناعات كانت راسخة وضاربة الجذور في الوعي فضلا عن كونها تبحث للممكن عن آفاق عريضة..
كانت تطرح على عقلي كثير من الأسئلة التي تقود إلى معرفة جديدة ومشرقة..
تبدلت أشياء كثيرة في ذهني الصغير مما كنت أظن واعتقد..
أعجبتُ بمادة الفلسفة ومواد العلوم والاجتماعيات إجمالا وشعرت أنها تشكل وعي وتصنع فرقا في معارفي المدرسية والعامة.. كنت أشعر أنها تضيف لي شيئا جديدا لم أعهده ولم أعرفه من قبل.
وفي ثالث ثانوي بدأت المسافة بيني وبين ما كنت أعتقد تنزاح لصالح الشك.. استحضرت تلك الأسئلة التي كنت أطلقها وأنا صغير بتلقائية وعفوية وبراءة..
بدأت قناعات جديدة تتشكل وهي قناعات أكثر منطقية ومعقولية وبعضها مدعوم بالأدلة..
شعرت أن مفاهيم جديدة تتبلور وتتشكل في عقلي بعيدة عن العواطف والوجدان..
(21)
غصة وأسف
ما يؤسف له أن مدرسة البروليتاريا كان جميع طلابها من الذكور ولا توجد معنا طالبة واحدة .. كان أيضا الوضع مشابه في مدرسة النجمة الحمراء..
كان حلمنا أن نتعلم ونجد لقمة عيش تعيننا على الصمود في وجه الجوع، وعندما تحقق هذا الحلم صرنا نرى الاختلاط حلم واحتياج بعيد المنال.. تطلعات الإنسان لا تنتهي عند تحقيق حلم معين .. فالأحلام أيضا تتناسل كالضوء..
كنا نذهب أنا وصديقي محمد عبد الملك إلى ثانوية عبود لوجود سكن لدى قريب له في حرم هذه الثانوية .. كنت أرى الحرية هناك تنبض بالنور والحب والتصالح فيما أنا أعتصر ألما وغربة وفقدان..
كنت أشعر بأسى جارف وأنا أتذكر مدرستنا “البروليتاريا” التي بدت لي بالمقارنة كصحراء مجدبة ورياح تذر الأتربة في العيون والوجوه على مدار العام، فيما مدرسة ثانوية الشهيد عبود في دار سعد كانت تبدو لي أكثر من حلم عصي على التحقيق.
لطالما تمنيت أن نقوم باحتجاج نطالب فيه على عنتر والقيادة بحق الاختلاط أسوة باحتجاج تحسين التغذية، و لكنني خجولا ولا أتجاسر على إعلان رغبة من هذا القبيل..
(22)
حبي الأول في عدن
خلال دراستي في البروليتاريا أحببت فتاة من عدن وكانت جميلة ورقيقة وجاذبة كالمغناطيس .. كانت حبي الأول والجميل، ولكنه كان فادح العذاب ومرد ذلك أنه كان من طرف واحد مقتولا ومصلوبا بالخجل..
كنت أبن الريف الخجول والمملوء بالحياء.. هذا الخجل كان مكلفا ومثقلا بالعذاب، وظل خجلي ملازم لي سنوات طوال..
كنت أخرج يوما في الأسبوع وأقطع عشرات الكيلومترات لأراها فقط ومن النافذة، فإن رأيتها كان قلبي يكاد يقع مني وإرباك كوني يصيب أوصالي..
هذا الحب لا ينسى مهما تقادم بي العمر .. الحب الذي لا تطاله تظل إلى آخر العمر متعلق فيه..
أنه يشبه حبي للجنوب في ظل عشق الجنوب للانفصال .. إنه حب خائب ومع ذلك نظل نخلص له إلى آخر العمر ونتذكره وهو لا يعلم أين نحن.
ظل هذا الحال ثلاث سنين ولا أدري أين اختفت ولم أجرؤ حينه على البحث والسؤال .. كم هو مكلف الحب الصامت والخجول يا صديقي محمد قاسم .. كلانا عاش هذا الجحيم وتعذب بصمت حد الوحشة والكتمان المميت.
حلمت أنني من أجل عينها كفرت وعلى لوح نافذة السكن الداخلي كتبت عبارة “من اليوم أنا ألحدت” .. كانت الجملة أشبه بعبارة أرخمديس “لقد وجدتها” مقارنة مع الفارق طبعا.
حلمت أنني أقول هذا ليس كل السبب بل وما تعلمته أيضا من مواد الفلسفة والأحياء وغيرها من مواد العلوم والاجتماعيات وما قرأته من خارج المقرر المدرسي.
تخرجت من الثانوية بنسبة 82% ولم يكن الحصول على هذا المعدل يومها أمرا ميسورا وهي نسبة كانت تؤهلني لمنحة دراسية في الخارج ولكن كنت أيضا خجولا وقليل “المعرفة” و لا يوجد لي معينا أو سند.
للاشتراك في قناة موقع “يمنات” على التليجرام انقر هنا