تعز، المرهقة بالحرب والحصار وتعدّد الفصائل، لا تختلف عن غيرها من المدن، إن لم تكن أكثرها خطراً. فالسلب والنهب والإغتيالات أصبحت ظاهرة مؤرّقة للمواطنين، بل كابوساً مرعباً جعل سكّان تعز بين نارين، نار الحرب ونار الإنفلات الأمني.
طلال الشرعبي (صاحب استراحة) يروي، لـ”العربي”، أنّه “عندما دخلت المقاومة منطقتي، بعد تحريرها من سيطرة أنصار الله، قاموا بنهب الأسرّة، والأثاث المتواجد في الإستراحة، بحجّة أن بعض أفراد أنصار الله كانوا ينامون في استراحتي، رغم أن أنصار الله بالنسبة لي كأيّ زبون، هل يتوجب عليّ أن أسأل كلّ من يطلب الخدمة أيّ فصيل يتبع؟ أو إلى أيّ جهة ينتمي؟ هذا لا يهمّني، أنا أقدّم خدماتي لمن يدفع مقابل الخدمة، وليكن من يكن أنصار الله أو المقاومة”.
“اشتريت حياتي بــ100 ألف”
لا تصحو محافظة تعز إلّا على جرائم ترتكبها عصابات مجهولة. كلّ يوم، تبتكر أساليب جديدة في القتل، وبشكل أبشع وأشدّ إجراماً، مستغلّة الفراغ الأمني الكبير لأجهزة الشرطة والأمن.
خالد السروري يسرد، لـ”العربي”، أنّه “خرجت ذات مرّة من أحد محلّات الصرافة، وكان بحوزتي مبلغ مائة ألف ريال، وأثناء ابتعادي عن المصرف بحوالي 6 كيلو، اعترض طريقي شخصان ملثّمان، يستقلّان درّاجة نارية، وقاما بإشهار السلاح في وجهي، وطالبوني بإعطائهم المبلغ الموجود بحوزتي، أنكرت وجود أيّ مبلغ بحوزتي، قالوا نعرف أن بحوزتك المال، تبيّن لي وقتها أنّهم عصابة متخصّصة تقوم برصد ومتابعة المتردّدين على محلّات الصرافة. حينها، لم يكن لديّ أيّ خيار، سوى تسليمهم المبلغ، وشراء حياتي مقابل 100 ألف”.
“متاريس للمغازلة”
جماعات نافذة وعصابات خارجة عن القانون لا تهتمّ إلّا لمصالحها. ترتكب تصرّفات “مشينة” و”مخزية”، وتمارس “سلوكيّات شاذّة، تتنافى مع القانون وكلّ القيم والمبادئ الأخلاقية والوطنية، وحتّى الأعراف والتقاليد المتعارف عليها في تعز منذ عقود”. هكذا يصف الكثيرون في تعز الجماعات المسيطرة على مناطقهم. من هؤلاء الإعلامية أحلام المقالح، التي تشكو، لـ”العربي”، قائلة “يعني مش كفاية يقتحموا بيتك، ويقلبوه لوكندة للمقيل والنوم، ويعبثوا بمحتوياته وينهبوها، كمان يأخذوا أرقام من مذكّرة الهاتف، ويشغلوهم ليل ونهار، يعني معاهم متارس للحرب، ومتارس للمغازلة، بجاحة أكثر من كذه ما شفت، منك العوض، وعليك العوض”.
ثمّة عدد مهول ممّن خرجوا من السجن المركزي، من القتلة وأصحاب السوابق، أُطلقت يدهم في “المقاومة” أثناء الحرب.
بعضهم انضوى تحت فصائلها، والبعض الآخر ظلّ يمارس السلب والنهب والسطو؛ تلك القشّة التي قصمت ما تبقّى من سلم داخل المدينة.
بلغ عدد المحلّات التي تمّ نهبها، في شارع واحد من شوارع مدينة تعز، أكثر من 9 محلّات تجارية، في أقلّ من 4 أشهر. سعيد الميرابي يقول، لـ”العربي”، إنّه “بعد 6 سنوات من عمري قضيتها على أبواب النيابات، وبين أورقة المحاكم، أخذت حكماً بالقصاص من قاتل والدي، وما إن تمّ إصدار حكم الإعدام، حتّى أتت الحرب وأصدرت حكم الإفراج،.
فُتح السجن المركزي، وفرّ المجرمون والقتلة، وصار قاتل والدي حرّاً طليقاً”. ويتابع الميرابي أنّه “لا يوجد دولة حتّى تأخذ بالقصاص من قاتل والدي، وليس لديّ الوقت لأنتظر وجود الدولة، ما أنتظره هو الفرصة المناسبة لأنفّذ الحكم بنفسي”.
الدرّاجات النارية
الدرّاجة النارية، هي الأخرى، صارت الوسيلة الأكثر استخداماً لعمليّات القتل والإغتيالات، التي بدأت تتنامى في الفترة الأخيرة بشكل مرعب ومستفزّ. كان آخرها اغتيال ضابط في شارع 26، حيث أقدم مسلّحان مجهولان، يستقلّان درّاجة نارية، على إطلاق النار عليه، وأرداه قتيلاً قبل أن يلوذا بالفرار.
علاقة غير شرعية
يذهب مراقبون إلى القول إنّه لا يوجد جهاز أمني حقيقي في تعز، إضافة إلى أن الحرب أنتجت علاقة غير شرعية بين تجّار الحروب وبين بعض فصائل “المقاومة”؛ فكان السلب والنهب وفرض الإتاوات أبرز نتائجها. باختصار، أصبح “حاميها حراميها”. يشير الكاتب والصحافي، عبد الهادي العزعزي، في تصريح لـ”العربي”، إلى “أنّنا في منطقة حرب، وبعد انقلاب عسكري لا شرعي، وسلطة تحت التشكيل، كانت تحت سيطرة أجهزة لسلطة عميقة، دمّرت كلّ شيء، وحتّى الجهاز الأمني في مدينة تعز، لم يكن فيها جهاز أمني يتبع الداخلية، بل كان الجهاز الأمني يتبع الرئاسة وأركان الجيش والحرس الجمهوري لجمهورية صالح”.
ويضيف العزعزي أن “هناك صراعاً على تجارة السلاح وتجارة العقار، وتفكّكاً في أنظمة الحماية الجزئية في البنية المكوّنة للنظام المتهاوي بقوّة المقاومة، وبالتالي ينشأ داخل بينونة الأجزاء المتفكّكة.
ولعلّ الأخطر هو وجود تجارة لا شرعية ولا أخلاقية، السلاح الذي اضطرت المقاومة للسماح به، كي تحصل على حاجتها من الذخيرة عند الحاجة، ولا يعني هذا أنّها تدخل السوق بائع ومشتري”. ويلفت إلى أن “البعض من قيادات المقاومة لم يأت من بنية تنظيمية، أي من أحزاب أو من بنية فكرية ملتزمة، كانت لها أنظمة اقتصادية تخدمها، لكن البعض جمع أشخاصاً كعدد وهؤلاء الرابط مصالح بينهم، وإنّما كان السقف بينهم المقاومة؛ وبسبب نقص الإمكانيّات التي حالة دون وجود رواتب لهؤلاء، فقد نشط البعض من هؤلاء في فرض إتاوات، وتقاسم أسواق، وإنشاء مصالح لا مشروعة، وقد يصل الأمر إلى الإبتزاز، وهناك مصالح، وتصفية حسابات، وصراع مصالح طبيعي، خصوصاً حين غاب الضبط والربط، من قيادة الجيش والمقاومة”.
يحدث ذلك في ظلّ غياب تامّ للأجهزة الأمنية، التي حاول “العربي”، جاهداً، وبشتّى الوسائل، الوصول إليها، للردّ على الإشكالات المطروحة بشأن الوضع الأمني، ولكن دون جدوى، إذ إنّها رفضت التصريح.