العرض في الرئيسةفضاء حر

مفهوم الاقلية في نهج امريكا الجديد تجاه ازمة اليمن

يمنات

د. فؤاد الصلاحي

في توصيف امريكا لنهجها الجديد( ليس جديد في شيء ) تجاه الازمة اليمنية تستخدم الخارجية مصطلح الاقلية للاشارة الى الحوثيين مما اثار جدلا واسعا اوساط النشطاء في وسائل التواصل الاجتماعي ويستغرب بعض النشطاء من هذا التوصيف مع ان كل المجتمعات فيها اقليات متنوعة وفق مرجعياتها في الثقافة أوالدين أو المذهب أو العرق وهو ملمح انتربولوجي لصيق بتكوين المجتمعات وأحد اهم مكوناتها وعنصر ثرائها ..

فلا توجد مجتمعات نقية ذات عنصر واحد في تكوينها ..ووفقا لذلك كان اهم ابداع انساني في اعتماد الديمقراطية والمدنية لتؤسس معا هوية سياسية تقوم على المواطنة اولا واخيرا وتبقى الخصوصيات الجهوية والمذهبية والعرقية في مسارها الثقافي الاجتماعي دونما تطابقها مع العمل السياسي ..

لان المجتمع الحديث يتسم بكونه مفتوح في التعدد والتنوع ومؤسساته الحزبية والمدنية والنقابية تضم في اطارها كل الافراد ومن مختلف الوانهم وهذا المجتمع ديمقراطي في نظامه السياسي وهو امر طالما نادى اليمنيون بالوصول اليه من اجل بناء نظام تكون السلطة التنفيذية والبرلمانية بالانتخاب هنا تظهر الصفة لهذا المجتمع بانه مجتمع مفتوح في اطار تعدد وتنوع الافراد والجماعات بمرجعياتهم الثقافية والدينية يعيشون في اطار دولة ونظام يحقق لهم هوية سياسية واحدة تعبر عنهم وتمثلهم وتبقى الانتماءات الاهلية ذات صفة ثقافية وفلكلورية ..

كل المجتمعات الغربية تعرف تعدد الاقليات بمختلف مرجعياتها ..الخطير عندما تحاول واحدة من الاقليات الاستناد الى اوهام سياسية تجعل منها محتكرا للفضاء السياسي واقصاء الاخرين او عندما تتحول التعددية الحزبية الى مطابقة للتعددية الاجتماعية ، لان الاصل في الاحزاب ومختلف مؤسسات المجتمع المدني انها تنظيمات مفتوحة لكل افراد الوطن وولذلك فهي عابرة للجهويات بكل الوانها ..

منطق الدولة لايقوم على الاقلية والاكثرية بل على مبدا المواطنة المتساوية ، لكن واقع المجتمع تظهر فيها تعقيدات سياسية ناجمة عن الاستحواذ على السلطة او عبر استملاكها وفقا لاساطير مؤسسة لنزعات الاستملاك السياسي ، مثل احقية الرئاسة في البطنين او في حاشد او العلويين او تكريت اوغيرها ..وللعلم هناك ثلاثين دولة فيدرالية في العالم لا توجد دولة واحدة قالت جماعة او قومية انها الاحق دون غيرها بالسلطة ولنا في الهند افضل مثال حيث مئات الاديان والعرقيات والجهويات والمذاهب لا احد فيهم يقول انه وحده من يحق له السلطة او ان اجداده ورثوه سلطة لا تنازع ..

كل المجتمعات فيها اقلية واكثرية من حيث الاعداد الكمية للسكان ..واليمن لست استثناء فاجمالي السكان لايقول بتساوي المكونات الاجتماعية فالمناطق الزيدية لاتصل الى 20% وهذا امر مدرك احصائيا وحسابيا واليهود اقلية والاسماعليين اقلية والبهائيين اقلية والمهمشين اقلية … ولاقيمة للاغلبية بدون هذا التعدد والتنوع ولا ميزة تضاف لهم .. فالأصل في المجتمع هو المواطنة .. وهنا الجميع متساوون في الحقوق والواجبات وفي المشاركة السياسية وحق التعبير وتكوين الاحزاب بل وفي حق الوصول الى الحكم عبر الانتخابات الحرة ..اذا ..من الطرف الذي يبحث في الاحجام والاوزان ؟ ومن الذي يقول بمظلومية تاريخية يدعو الخارج ليشكل له سندا ضد اخوانه في الداخل او ضد حقوق الاخرين في الداخل ؟ ..

الجميع عانى من المظلوميات -القهر والقمع ونهب الثروات والتهميش السياسي والاقتصادي- وكان النظام على الاقل في السنوات الثلاثين الاخيرة يسند جماعات وافراد لهم مرجعية الرئيس قبليا ومذهبيا لكنه ايضا كان ينتقي اخرين من مختلف المحافظان ليكونوا ازلام واتباع في مختلف الدوائر والانشطة والفعاليات ..

السؤااال مرة اخرى عندما يأتي الخارج ليقرر بوجود اقلية فهو حتما يريد فتنة في المجتمع ليتدخل بطريقته لدعم الاقلية في مشاريع جهوية ضدا على مصالح الوطن ..واذكر ان تقارير الخارجية الامريكي (تقرير سنوي) للاعوام 2000-2004 استمر بوصف الاخدام اقلية عرقية وفي احداها وصفهم اقلية عرقية تدين بالمسيحية وكنتُ ممن ناقش هذه التقارير بدعوات من المنظمين ، وقدمت مداخلات تفند هذا الطرح المغلوط وتكشف عن جهل في استقاء المعلومات واقرارها ثم الكشف عن الدوافع السياسية لزعزعة الاستقرار في اليمن ..

هنا يكون الاقرار بالاقلية خطيرا اذا ما ارتبط بمشروع سياسي جهوي او مذهبي مسنودا من الخارج .. وللعلم لا احد في اليمن ينكر مظلومية الاخدام او كما نسميهم في الادبيات الاكاديمية المهمشين . لكننا لم نسمع منهم يوما صراخا يلوذ بالخارج لانصافهم ..

اما المظلوميات التي ارتبطت بنظام صالح فكل المحافظات تعرضت لها بدرجات مختلفة ..وتاريخيا الاقليات المذهبية اكثر عرضة للانتقاص من مواطنيتها مثل الاسماعيلية حد ان بعض الائمة احرقوا مساكنهم ناهيك عن الموافقة على تهجير اجباري لليهود ضمن لعبة سياسية لم تكن غائبة عن الانظمة الحاكمة في اليمن ..

لابد من كشف الدوافع الامريكية من توصيفاتها لأقلية ما ولطبيعة الازمة في اليمن .. فاجندتهم في تعميم الفوضى وهدم الدولة الوطنية تذهب نحو استحداث اقليات جهوية ودعمها في تسويات سياسية ان لم تسندها في عملية دراماتيكية لتكون وحدها في سدة الحكم ..

بشكل عام كل المجتمعات فيها اقليات واغلبية وليس مبررا للاغلبية اقصاء الاقليات وليس من حق الاقلية استدعاء الخارج بل الجميع يعتمدون نظاما ديمقراطيا تشاركيا ليؤسسوا معا دولة ومجتمع يحقق الحضور لكل الجماعات والجهويات والتكوينات في اطار مفهوم الوطن والمواطنة .

من حائط الكاتب على الفيسبوك

زر الذهاب إلى الأعلى