أخبار وتقاريرالعرض في الرئيسةحوارات

الشرفي: لا توجد إرادة عليا لسلخ جلود الفاسدين

يمنات

بحصافة وحنكة يتحدث الحقوقي والسياسي عبدالوهاب الشرفي لشبكة النقار عن جملة من المسائل التي تعتري المشهد في اليمن، والمطالبات الشعبية بضرورة الوصول لحدود دنيا من الإجراءات الفاعلة للحفاظ على ما تبقى من وجود الدولة وخدماتها وثوابتها وكيانها، في وقت استشرى فيه الفساد، واختل فيه ميزان القضاء.

لم تُسلخ ظهور الفاسدين لسبب واضح هو عدم توفر إرادات عليا “فاعلة”، ولم يسمح لأجهزة ووحدات الرقابة بالقيام بدورها من ضبط الفساد ومن إحالته للعدالة ومن معاقبته ووفقاً لأحكام سَنَّتها القوانين لسلخ ظهور الفاسدين.

القضاء اليوم سلطة سلبتها السلطات التنفيذية القائمة في البلد قدراً كبيراً من وظيفتها، وهي تناضل لتقديم العدالة في حدود ما تستطيع، وغالباً تحت سقف المسموح به لها.

من في خطر ليست ثورة 26 سبتمبر بل  البلد الذي يفقد تنميته وحضوره، والشعب الذي يفقد استقراره ومستقبله ولا يمكن منع هذا الخطر إلا بالعودة إلى النظام الجمهوري المنبثق عن ثورة 26 سبتمبر وفقاً للمسار الدستوري للوصول إلى الحكم الجامع لكل اليمنيين والمعبر عن إرادتهم الحرة.

اعتقال القاضي قطران جاء على خلفية انتقاداته الحادة لسلطة صنعاء وهو اعتقال خارج نطاق القانون ويمثل قمعاً لحرية التعبير وتم بطريقة غير مقبولة وغير مبررة، واعتقاله هو وكل المعتقلين على خلفية الرأي هي أعمال تضييقية قامت كواقع لا يمكن إنكاره.

سلطة أنصار الله هي سلطة واقع حاكمة ومسألة الديمقراطية والتعددية وحرية الرأي والتعبير هي العناوين المترجمة للحل في الملف اليمني.

سلطة أنصار الله وغيرها من السلطات لا يعفيها كونها سلطات واقع من القيام بالمسؤوليات والواجبات التي يرتبها النظام والقانون على السلطة

النقار: هذا الفساد المنتشر اليوم في جميع مفاصل الحكومة، كيف يمكن إصلاحه بتغيير حكومي؟

الشرفي: الفساد هو كل تصرف مالي أو إداري مخالف للنظام والقانون، والجمهورية اليمنية لها قوانين منظمة لكل تصرف مالي وإداري، والبلد واقع تحت سلطات واقع وهي جميعها ملزمة بالعمل وفقاً للنظام والقانون كلاً في ما هو تحت سلطته مالياً وإدارياً، وأن يقتصر الخروج على النظام والقانون على الشأن السياسي، وحتى إيجاد حل سياسي للملف اليمني والحديث عن الفساد يجب أن يراعي هذه الحالة ولا يجاري حالة الواقع القائمة في البلد، وأن يكون الحديث عن الجميع، أي عن الحكومتين لسلطة صنعاء ولسلطة عدن وهذا أولاً، أما ثانياً فلا شك أن مواجهة الفساد هي متعلقة بإرادة عليا في كل سلطة واقع قبل أن تكون إرادة لمستويات أدنى بما فيها الحكومتين، وأن تكون هذه الإرادة العليا في صورة إرادة “فاعلة” تمكّن أجهزة الرقابة من مهامها وفق القانون وترفدها بالكفاءات المتخصصة في أعمالها وتمنع التدخل في أعمالها من جهاز الرقابة إلى هيئة مكافحة الفساد إلى هيئة المناقصات إلى هيئة المواصفات إلى مجلس النواب إلى إدارات الرقابة في الوحدات الحكومية ووصولاً إلى النيابات والمحاكم الإدارية.

أما دون ذلك فتغيير الحكومات لن يترتب عليه أي إصلاح لأن الحكومات بذاتها ليست الوحدات الإدارية المنشأة ضمن هيكل الدول لمواجهة الفساد، وبالتالي حتى في الظروف الطبيعية يكون الأثر المترتب على تغيير الحكومات بالنسبة للفساد محدوداً للغاية، فضلاً عن حكومات هي في وضع غير طبيعي ولا يتوقع أن يترتب على تغييرها حتى الأثر المحدود الذي يتوخى في الظروف الطبيعة.

والخلاصة أن الحديث عن الإصلاح ومواجهة الفساد هو حديث عن تفعيل وتمكين الأجهزة والوحدات المتخصصة والمنشأة لهذه الوظيفة، وهو أمر كان شكلياً حتى من قبل الحالة السياسية القائمة حالياً في البلد، وتَكرَّس أكثر بدخول البلد في هذه الحالة القائمة المتمثلة بسلطات واقع.

النقار: هل يتواطأ مجلس النواب والأجهزة الرقابية مع الفساد ورموزه؟ وأين دورهم الرقابي..؟

الشرفي: الواضح أن جميع الأجهزة والوحدات المتخصصة والمنشأة لوظيفة مكافحة الفساد، بما فيها مجلس النواب، معطلة ولا يسمح لها بالقيام بوظائفها ودورها الرقابي كما منحه لها القانون، وهذا فوق اختطافها أساساً وتسليمها لإدارات وفق معيار الولاء للسلطات التي تقع تحتها قبل معيار التخصص والحياد.

النقار: هل ترى أن الإصلاح السياسي يجب أن يبدأ من رئاسة المجلس السياسي الأعلى وإدارة مكتبه؟

الشرفي: الإصلاح السياسي قضية مختلفة، فمعنى الإصلاح السياسي هو أن يعاد تشكيل السلطة العليا للبلاد في وعاء وفقاً لدستور البلد، وذلك يعني أن بداية الإصلاح السياسي هي انتهاء شيء اسمه المجلس السياسي الأعلى في صنعاء، وأيضاً انتهاء شيء اسمه مجلس القيادة الرئاسي في عدن، لكن في ما يتعلق بمواجهة الفساد فالمجلس السياسي والمجلس الرئاسي كلاهما أوعية ضمن السلطة التنفيذية التي سبق وقلنا إن أثر التغيير فيها يأتي محدوداً للغاية حتى في الظروف الطبيعية، وما يجب في هذا الوضع هو أن تخضع السلطات التنفيذية بما فيها السياسي الأعلى والقيادة الرئاسي لأجهزة الرقابة بعد تفعيلها وتأهيلها مثلها مثل أي وحدة تنفيذية أخرى أدنى من مستوى المجلسين وكلاً في إطار السلطة التي يمثلها.

النقار: لماذا لم “تُسلخ” ظهور الفاسدين رغم وجود ما يثبت فسادهم؟

الشرفي: لم تُسلخ ظهور الفاسدين لسبب واضح هو عدم توفر إرادات عليا “فاعلة”، ولم يسمح لأجهزة ووحدات الرقابة بالقيام بدورها من ضبط الفساد ومن إحالته للعدالة ومن معاقبته ووفقاً لأحكام سَنَّتها القوانين لسلخ ظهور الفاسدين.

النقار: ما هي الأبواب التي تصرف فيها إيرادات الدولة طالما أن الرواتب لا تُسلم؟

الشرفي: هذا السؤال هو ما كان يفترض أن تجيب عليه أجهزة الرقابة لو كانت فاعلة في أداء وظيفتها، فهناك إيرادات سيادية تحت سلطة صنعاء وهناك إيرادات سيادية أقل بطبيعة الحال وإيرادات ثروات تحت سلطة عدن، وتوجيهها غير شفاف تحت السلطتين، وحتى مع تسليمنا بأن الوضع الاستثنائي الحاصل في البلد والضغط الحاصل على الموارد نتيجة لتمويل الحرب والصراع القائمين، إلا أن وصول المسألة لعدم دفع الرواتب لا يعني غير توجيه القدر من الإيرادات الذي يفي بالمرتبات لأغراض أخرى تعلمها السلطتان، فالجميع يخلي مسؤوليته عن دفعها ابتداء قبل التصرف فيها، وهذه الأغراض قطعاً أغراض لا تتوافق مع القانون وإن توافقت مع الأجندة الخاصة بكل سلطة للإنفاق كلاً منهما بالقدر الذي هو تحت يده.

النقار: كيف تصف القضاء اليوم؟

الشرفي: القضاء اليوم سلطة سلبتها السلطات التنفيذية القائمة في البلد قدراً كبيراً من وظيفتها، وهي تناضل لتقديم العدالة في حدود ما تستطيع، وغالباً تحت سقف المسموح به لها، وهي تجنح في بعض الحالات على كل حال وتحديداً في القضايا المتعلقة بالمستوى السياسي في البلد وتحت السلطتين وهي تحت سلطة صنعاء أكثر بروزاً تبعاً لكونها هي السلطة الحاكمة لعاصمة البلد قبل توزعه على سلطتين.

النقار: برأيك ما صحة القول بأن ثورة 26 سبتمبر في خطر؟

الشرفي: ثورة الـ26 من سبتمبر هي حدث سياسي غيَّر نظام الحكم في اليمن من النظام الملكي القائم على حكم الفرد إلى النظام الجمهوري الذي امتلك فيه كل يمني حقه السياسي في اختيار من يحكمه، وهذا الحدث لا يمكن الرجوع عنه ولا يمكن تهديده، وما هو حاصل أن الحكم في البلد توزع على سلطات واقع جميعها ليست نتاج عمل سياسي قانوني ولا تتمثل بأوعية دستورية في هيكل الدولة الرسمي، وبالتالي فثورة 26 سبتمبر والنظام الجمهوري المنبثق من الممارسات السياسية الدستورية والقانونية هي الأصل ولم تشرع أي سلطة من سلطات الواقع بنظام غير النظام المنبثق من ثورة 26 سبتمبر. فهي ونظامها مدفونة تحت رماد تكتلات صراع، ومن هو في خطر ليس ثورة 26 سبتمبر بل البلد الذي يفقد تنميته وحضوره، والشعب الذي يفقد استقراره ومستقبله ولا يمكن منع هذا الخطر إلا بالعودة إلى النظام الجمهوري المنبثق عن ثورة 26 سبتمبر وفقاً للمسار الدستوري للوصول إلى الحكم الجامع لكل اليمنيين والمعبر عن إرادتهم الحرة.

النقار: من وجهة نظرك، لماذا كان هذا الإصرار الكبير من قبل سلطة صنعاء على اعتقال القاضي عبدالوهاب قطران وبتلك الطريقة المبالغ بها؟ وهل يمثل اعتقاله منعطفاً لقضية حرية التعبير مع سلطة أنصار الله؟

الشرفي: اعتقال القاضي قطران جاء على خلفية انتقاداته الحادة لسلطة صنعاء وهو اعتقال خارج نطاق القانون ويمثل قمعاً لحرية التعبير وتم بطريقة غير مقبولة وغير مبررة، واعتقاله هو وكل المعتقلين على خلفية الرأي أعمال تضييقية قامت كواقع لا يمكن إنكاره.

النقار: إلى أي حد يمكن أن تذهب جماعة أنصار الله -من وجهة نظرك- سواء في مسألة الديمقراطية والتعددية وحرية الرأي والتعبير، أو في مسألة الإيفاء بواجباتها ومسؤولياتها كسلطة حاكمة؟

الشرفي: سلطة أنصار الله هي سلطة واقع حاكمة ومسألة الديمقراطية والتعددية وحرية الرأي والتعبير هي العناوين المترجمة للحل في الملف اليمني، فلا يمكن الحديث عن السير في هذا المسار بالنسبة لطرف واحد من أطراف الملف اليمني كون ذهاب سلطة أنصار الله وباقي سلطات الواقع من سلطة المجلس الرئاسي وسلطة الانتقالي -كحالة خاصة- في مسألة الديمقراطية والتعددية وحرية الرأي والتعبير يتوقف على صيغة الحل الذي يجب العمل على التوصل إليه للأزمة في البلد، فإلى حد الآن كل العمل الذي تم والذي يتم يدور في دائرة الاتفاقات المبنية على الثقة، وهذا النوع من الاتفاقات لا يمكن أن يوصل إلى نتيجة لاعتبار أن التقارب بين الأطراف وصولاً إلى الديمقراطية والتعددية وحرية الرأي والتعبير لا يمكن أن يُبنى على ثقة وما لم تستوعب الأطراف وتستوعب الجهات المعنية بحل الأزمة في الملف اليمني أن الواجب هو التحول للعمل على اتفاقات غير مبنية على ثقة وإنما على ضمانات تنفيذية للجميع، بالاتفاق على خطوات مبرمجة تمنع المخاطر التي يخشاها كل طرف وتنفذ بالتدرج وصولاً لقيام الحل السياسي كواقع فلن تحل الأزمة في البلد.

أما الوفاء بالواجبات والمسؤوليات، فسلطة أنصار الله وغيرها من السلطات لا يعفيها كونها سلطات واقع من القيام بالمسؤوليات والواجبات التي يرتبها النظام والقانون على السلطة الطبيعية باستثناء الشق السياسي، وواضح أن سلطة أنصار الله وغيرها من سلطات الواقع التي تتوزع البلدَ لا تفي بمسؤولياتها وواجباتها وفقاً للقانون، والجميع بعيد عن هذا الوفاء بفجوة هائلة وغير مقبولة حتى مع أخذ حالة الصراع الحاصل في البلد في الاعتبار.

النقار: كلمة أخيرة؟

الشرفي: على جميع سلطات الواقع في البلد أن تستوعب أن اليمن دولة ذات سيادة وكيانها هو الجمهورية اليمنية، ولا يمكن الحديث عن سيادة وعن خيار اليمنيين إلا من خلال سلطة وطنية جامعة واحدة تعبر عنها مؤسساتها، وأنها جميعها سلطات واقع تقوم كحالات استثنائية ولا يُلبي أيٌّ منها الشروط المطلوبة لقيامها كسلطة حاكمة للبلد.

وتبنّي خيار الحرب والصراع لن يحل مشكلة البلد ولن يمكّن أي سلطة من التفرد، ولا يمكن الاستقرار وامتلاك سيادة وتعبير عن خيارات اليمنيين إلا من خلال سلطة جامعة تمثل الجميع وفقاً لشروط ومتطلبات وأنظمة البلد الرسمية، وهذا ما يجب أن يستوعبه الجميع وأن يضعوا خيار الحل التفاوضي المبني على أساس التحول إلى الأوضاع القانونية كخيار أول لحل الأزمة اليمنية.

أما الإصرار على أنه ما من حل إلا عسكرياً، وعدم أخذ الحل السياسي بحقه من الجدية والاستمرار في حالة الملهاة التفاوضية السياسية الحاصلة، فهو تعريض للبلد للغرق أكثر في ورطة تحوله إلى ساحة صراع بارد بين القوى الإقليمية والدولية، وتعريض للشعب لمزيد من الدمار وزيادة مشاكله من فقر وتفكك اجتماعي وضياع فرص وإهدار مقدرات وفشل مستقبل وتنامي مختلف صور العصابية والعنصرية، ويكذب على نفسه وعلى جمهوره كل من يصوِّر أن في الحال القائم في البلد أي ايجابية على الإطلاق، أو أنه يمكن المضي من خلال هذه الآلية إلى أي حالة إيجابية يمكن أن تقوم في البلد.

نقلا عن شبكة النقار

زر الذهاب إلى الأعلى