مؤلم أن يتحول عنفوان الجنوب الثوري إلى عنف ضد بعضه البعض
يمنات
صلاح السقلدي
بدون حضرموت، لا مجال للجنوبيين بالحديث عن الجنوب، ناهيك عن الحديث عن استعادة الدولة الجنوبية المسلوبة (جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية). نعم إذا قُدر للقوى اليمنية والإقليمية فصل المكلا عن عدن كما يتم التخطيط له، فلا يمكن بعد ذلك إلا أن نقيم على الجنوب وقياداته مأتماً وعويلاً، وننسى الكلام عن جنوب وقضية جنوبية إلى الأبد، وحينها سنبصق بوجوه كل من ساهم وصمت عن بذلك وبالذات القوى الحراكية الجنوبية التي دخلت كثير منها في حالة من المناكفات الشخصية المخزية، وتملكتها تارة حالة من الخوف والرعب من الصولجان الخليجي، وتارة أخرى حالة من التهالك على الفتات والدراهم. سُحقاً وبُعداً لمثل هكذا مآل بائس وانحدار مشين وصل إليه البعض، وكأنه لم تعمله التجارب ولم تؤدبه النوائب!
أشعر بالخزي حتى الانسحاق من التعاطي الذي تعاطت به قبل أيام بعض العناصر الجنوبية الحراكية المريضة – التي من سوء حظ الجنوب وتعاسة طالعه قد ابتُلي بعقولها المعوقة – وهي تهلّل وتتمايل طرباً واختيالاً بواقعة قمع السلطات في حضرموت لفعالية سلمية كان الحراك الجنوبي يحضّر لها في المكلا بمناسبة عيد الاستقلال الوطني (الـ30 من نوفمبر) بذريعة سوء الوضع الأمني، بل ومنعت رفع أي علم جنوبي حينها وحتى اليوم، زد على ذلك أنها قامت بحملة اعتقالات واسعة بحق نشطاء شجعان في الحراك الجنوبي كونهم تجرأوا على التفكير بإقامة فعالية جماهيرية في أرض “حضرموت الإماراتية”، وترافق هذا مع حملة إعلامية مسعورة طالت كل من يتحدث عن الحراك الجنوبي في حضرموت.
هذه العناصر الحراكية المريضة بلعت ألسنتها وفضيحتها معاً حين أقامت السلطات في حضرموت فعالية بمناسبة العيد الوطني لدولة الإمارات العربية المتحدة (2 ديسمبر الجاري) في المكلا، رُفعت فيها الأعلام الإماراتية عالية وبكثافة، وحُرّم فيها رفع أي علم جنوبي أو أية اشارة أو شعار أو لافتة أو صورة تدل على شيء اسمه الجنوب، في ظل وضع أمني مريح للغاية، غاب فيه تنظيم “القاعدة” عن الساحة، وذهب أميره في حضرموت، خالد باطرفي، في رحلة نقاهة بهذه المناسبة، وأخذت فيه “داعش” إجازة مفتوحة هي وسياراتها وأحزمتها المفخخة. يا سبحان الله!
ظلم ذو القربى أشد مضاضة. هذا ما يمكن أن نعبر به عن مرارة ما يقوم به البعض تجاه الجنوب وقضيته، وتجاه أبناء جلدتهم وقضيتهم ومصيرهم المشترك، وقد استبدلوا مجاديفهم الخشبية بمجاديف بلاستكية رخوة، وهم لو يعلمون ما زالوا في عين العاصفة وفي وسط الخصم المتلاطم بالأنواء والعواصف، وما زال الميناء بعيد المنال لترمى فيه المراسي.
في ذروة القمع السلطوي الشمالي في الجنوب وفي حضرموت على وجه التحديد، لم يجرؤ ذلك الاستبداد على منع فعاليات الجنوب هناك، وإن فكر في ذلك كانت تكبر بوجهه كرة الثلج وترطمه بالأرض بقوة، ويتداعى الجنوب على إثر ذلك كرجل واحد من أقصاه إلى أقصاه للتضامن مع المكلا وسيئون والشحر وروكب وغيرها من مدن وبلدات حضرموت، ويتحول معها الوضع إلى شعلة متقدة من الرفض تلهب المخيلة وتثير الحماسة والعزة بالنفوس، يسميها الاحتلال منذ أكثر من عقدين من الزمن تخريباً وتهديداً للسكينة والأمن، تماماً كما سمعنا قبل أيام من قبل ببغاوات جنوبية حين تم منع فعاليات يوم الاستقلال.
مؤلم أن يتحول اليوم عنفوان الجنوب الثوري إلى عنف ضد بعضه البعض؛ عنف بكلمات التخوين ولكمات التهديد وعبارات الوعيد وشتائم الإقصاء والاستبعاد، والكل ما زال عملياً تحت النير والاحتلال وإن شُبّه لهم عكس ذلك.
صبورٌ على الأغبياء .. لكن لا أقوى على تفاخرهم بغبائهم!
قناة موقع يمنات على التليجرام انقر هنا