غريفيث يتحدث عن الإنجازات التي تحققت منذ توقيع اتفاق ستوكهولم والعقبات الرئيسية التي تعرقل المسار
يفرض علينا تكثيف الجهود لإنهاء الحرب في اليمن وانهيار اتفاق الرياض ستكون ضربة مدمرة لليمن
يمنات – صنعاء
لقد مر عام منذ أن اجتمع أطراف الصراع اليمني في السويد لإجراء محادثات برعاية الأمم المتحدة، كخطوة على طريق إنهاء الصراع الوحشي الذي تسبب في أسوأ أزمة إنسانية في العالم.
في مقابلة حصرية مع أخبار الأمم المتحدة، استرجع المبعوث الخاص للأمم المتحدة مارتن غريفيث، الإنجازات التي تحققت منذ توقيع اتفاق ستوكهولم، والذي تضمن بنودا أساسية مثل وقف إطلاق النار في مدينة الحديدة الساحلية – بوابة اليمن للبضائع والسلع والمساعدات – وكذلك تبادل الأسرى.
وقال السيد غريفيث، إن الطريق إلى السلام يتطلب من الأطراف المتحاربة التخلي عن آمال النصر العسكري ومتابعة “النصر الكبير” الذي يمكن تحقيقه من خلال المفاوضات.
و تحدث غريفيث أيضا عن اتفاق الرياض وحيثياته. ولم يخل كلامه من الإشارة إلى بعض العقبات الرئيسية التي تعرقل المسار، مؤكدا أن اليمنيين بطابعهم الخاص يرغبون في تقريب وجهات النظر والعمل على إنهاء الصراع.
حاوره/ مي يعقوب
أهلا بك السيد مارتن غريفيثس في هذا الحوار مع أخبار الأمم المتحدة. أحداث كثيرة حصلت خلال السنة الفائتة، ولكن سأبدأ مع اتفاق ستوكهولم. يعتقد الكثيرون أنه لم يرق إلى مستوى إمكاناته. هل يمكنك أن تشرح لمتابعينا أين نحن الآن؟ ماذا حققنا؟ وما هي الفجوات الرئيسية؟
بالتأكيد. شكرا جزيلا لاستضافتي. نعم فعلا. مرت سنة منذ اجتماع السويد وخرجنا من محادثات السويد سعداء للغاية لأنه لأول مرة على الإطلاق، عقد الطرفان اتفاقا طوعيا. كنا سعداء جدا بذلك. اعتقدنا أيضا في أعقاب السويد أن عناصر اتفاق استكهولم، والتي شملت الحُديدة، المدينة الساحلية على ساحل البحر الأحمر في اليمن، ونقطة الدخول الأساسية للبرنامج الإنساني في اليمن، قد أدت إلى تجنب معركة مروعة كان متوقع حدوثها في المدينة. أنتِ محقة في إشارتك إلى أن العديد من الناس، وأنا واحد منهم، يعتقدون أنه كان بإمكاننا القيام بعمل أفضل بكثير في تنفيذ اتفاق ستوكهولم في بنوده الـ 12. كان ذلك بالنسبة لكثيرين منا، ولكن بشكل خاص لليمنيين الذين تعد القضية بالنسبة لهم أمرا أساسيا، خيبة أمل من نواح كثيرة.
نعم، بالتأكيد كانت هناك إنجازات.
-أولها، كنا حينها على شفا وقوع هجوم على مدينة الحديدة وموانئها، معركة كانت ستؤثر على مركزين حيويين للبرنامج الإنساني. تم تجنُب تلك المعركة. وقد تمكننا من تجنبها حتى الآن. كان هناك وقف لإطلاق النار بشكل أو بآخر في الحُديدة. تم إنقاذ حياة الناس. تمت حماية البرنامج الإنساني. وأعتقد أن ذلك أظهر أيضا أن الأطراف يمكن أن تتفق فعليا على طريقة مختلفة للخروج من الأزمة. ولكن صحيح أن هناك أشياء يجب أن تتم بشكل أفضل بكثير. لا يزال يتعين علينا أن نرى عمليات إعادة انتشار كبيرة لتجريد مدينة الحديدة من السلاح، وهذا لم يحدث بعد، ما زلنا نتفاوض عليه، والأمم المتحدة لن تتخلى عن الاتفاق.
-هناك مسألة الإفراج عن السجناء، وهي أمر مهم للغاية بالنسبة لتلك الأسر التي تتوق لرؤية أفرادها يعودون إلى ديارهم. لقد شعرنا بخيبة أمل كبيرة حيال ذلك. صحيح أنه في الآونة الأخيرة شهدنا إطلاق سراح 120 أو 130 سجينا، وكانت هذه خطوة رائعة إلى الأمام، ولكنها لم تكن كافية. أعتقد أننا خرجنا من اتفاق ستوكهولم بأمل كبير- أملٌ تلاشى بطرق عديدة، ولكن أحرزنا أيضا بعض الإنجازات الكبيرة.
-شيء أخير، وهو أن ما تعلمته حقا بقوة أن هناك بعض القضايا التي لن يتم حلها عن طريق الاتفاقات على المستوى دون الوطني – اتفاقيات محددة في أماكن مختلفة. علينا أن نعالج القضايا الأساسية المتمثلة في السيادة والشرعية من خلال اتفاق لإنهاء الحرب.
لا يمكننا أن ننسى الأزمة الإنسانية التي يعاني منها اليمنيون. حسب زملائنا في مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية (الأوتشا) لا يزال اليمن يعاني من “أسوأ أزمة إنسانية في العالم”. إذا، بالإضافة إلى ثغرات اتفاق استكهولم، يساهم هذا الوضع المؤلم في زيادة الشعور بالشك، في بعض الدوائر، حول إمكانية حدوث حل سياسي. كيف ترى احتمالات السلام في اليمن الآن، مقارنة بالعام الماضي عندما تم توقيع الاتفاقية؟
بالنسبة لي، الوضع الإنساني لا يشعرني بالشّك حيال احتمالات السلام، بل يفعل العكس! هذا الوضع يخبرني إنه يجب أن نحصل على السلام، لأننا لا يمكن أن نسمح باستمرار تلك العواقب المدمرة على العائلات اليمنية، كما وصفتِها. وإذا كان هناك أي حجة تؤكد الحاجة إلى السرعة في تحقيق حل سياسي لهذه الحرب، فهي وضع أولئك الأشخاص.. تلك الأسر التي تعاني يوميا من آثار الصراع.. العائلات التي لم يذهب أطفالُها إلى المدرسة منذ خمس سنوات.. والأسر التي تكافح من أجل الحصول على الطعام يوميا. كل ذلك يخبرنا إننا بحاجة إلى حل سياسي بدلا من إثارة شكوكنا في إمكانية تحقق ذلك.
ولكن أي حل سياسي، في أي مكان، في أي صراع، هو أمر بالغ الصعوبة. ويستلزم إرادة سياسية من المستوى الذي يتطلب الكثير للانتقال من الحرب إلى السلام، ويتطلب من هؤلاء الذين يقودون الحرب تغييرَ الطريقة التي ينظرون بها إلى مناصريهم، وتغيير الطريقة التي ينظرون بها إلى إمكاناتهم، ووضع حد لآمالهم بنصر عسكري والبدء في التواصل مع أعدائهم وجعلهم جزءا من المستقبل. إنه تحول كبير في أي حرب أهلية، إنه تحول هائل! ما أعتقد أنه يحدث الآن في اليمن هو أننا أخيرا بدأنا نرى هذا التحول. لقد بدأنا نرى في قلوب وعقول أولئك الذين يتخذون القرارات حول الحرب، الرغبة في صنع السلام والاعتراف، على المستوى الأساسي، بأنه لا يوجد أي احتمال لتحقيق تقدم عسكري، أنه لا يوجد شيء يمكن كسبه في ساحة المعركة، وأن هناك انتصارا كبيرا بالطبع يمكن تحقيقه على ساحة المفاوضات.
عطفا على ما تفضلت به، وبشأن اتفاقية الرياض، رأينا تقارير تفيد بأن تنفيذ الاتفاقية لا يسير كما تم التخطيط له في الأصل. هل تعتقد أن ذلك سيؤثر على آمالك في أن تبدأ الأطراف محادثات سلام رسمية؟
أعتقد أنه من المهم حقا أن يطبق هذا الاتفاق في أساسياته على الأقل. ومثلكِ أنتِ، نحن جميعا قلقون بشأن ما إذا كان سيتحقق. ولكن، كما تعلمين، كل الاتفاقيات بصيغتها المكتوبة توفر عندما يتم التفاوضُ عليها ونشرُها، خطوطا زمنية واضحة جدا لتحقيق النقطة “أ” أو “باء” أو “جيم”. وفي الحياة الواقعية لا تسير الأمور تماما وفقا للخطة. لذلك أعتقد أنه من المبكر بعض الشيء القول إن هذه الاتفاقية لا تسير على ما يرام. صحيح أنها لا تسير وفقا لتلك الخطط، ولكن تواصلت بالأمس بينما كنت متوجها إلى نيويورك مع كبار المسؤولين في الحكومة السعودية حول احتمالات تطبيق اتفاقية الرياض، التي توسطوا لإبرامها، وأكدوا لي أنهم يحرصون على ذلك.
والأهم من ذلك، أعتقد أنه يمكننا أن نرى أن هناك مصلحة لدى كل من حكومة اليمن والمجلس الانتقالي الجنوبي لتنفيذ الاتفاقية، ربما ليس في جميع جوانبها، ولكن بما فيه الكفاية للسماح لنا في الأمم المتحدة بالتوسط لإنهاء الصراع الشامل. إذا، اتفاق الرياض يمنحنا الوقت، ونأمل ذلك. لكن إذا انهار، أعتقد أنها ستكون ضربة مدمرة لليمن.
نتمنى ألا يحدث ذلك! حسنا في آخر إحاطة لك أمام مجلس الأمن، كما في الإحاطات السابقة، تحدثت عن مشاركة المرأة في جهود ومبادرات بناء السلام. هل يمكن أن تخبرنا أكثر قليلا عن العمل الذي يقوم به مكتبك لإدماج النساء وفئات المجتمع الأخرى في عملية السلام في اليمن؟
نعم فعلا. شكرا لك. أعتقد أنه في كل صراع في العالم، بصراحة ليس في فقط في الصراع، ولكن في مناحي الحياة بشكل عام: فإن إشراك النساء والشباب والمهمشين أو المستبعدين، والذين ليس لديهم الحق في اتخاذ القرارات بشأن حياة الآخرين، كل هؤلاء الناس ليسوا بحاجة فقط إلى أن تتم استشارتهم بطريقة أو بأخرى، ولكن يحتاجون أيضا للشعور بأن كل ما يتم الاتفاق عليه نيابة عنهم، يَعكسُ مصلحتهم بالفعل. وإذا لم نفعل ذلك، فتلك الاتفاقيات لن تكون مستدامة. وهناك الكثير من الأدلة حول العالم على ذلك. إذا، هذا ليس نوعا من الإيثار العظيم. هذه مصلحة ذاتية. يجب أن تستند تلك الاتفاقات إلى شمولية ملائمة.
وللنساء في اليمن سجل هائل. فمشاركة النساء دفعت الحوار الوطني في اليمن من نواح كثيرة. وقد تم تحقيق مشاركة المرأة في العديد من القطاعات بنسبة 30 %. ونحن بحاجة، أي الشعب اليمني ونحن ممن يقدمون المساعدة- نحتاج إلى إعادة النظر في ذلك الأمر والعودة إلى ذلك المستوى من التمثيل. لقد كانت رسالة قوية إلى بقية العالم من اليمن مفادها بأنه يمكنهم إجراء حوار وطني بطريقة شاملة خلال السنوات القليلة الماضية. أحد الأشياء التي نحتاج إلى تحقيقها في عملية السلام وفي نهاية هذا الصراع هو العودة إلى تلك النتائج ورؤية كيف يمكننا البناء عليها. إذا، نعم، النساء في غاية الأهمية.
في مكتبنا لدينا مجموعة استشارية نسائية، وهي جزء من الطريقة التي ننظر بها إلى القضايا التي سنتناولها في جميع المحادثات -عندما نعود إليها-. هناك شئ آخر يماثل في أهميته أن نلتقي بالنساء، وقد قابلت مجموعة كبيرة من النساء اليمنيات وليس من السهل عليهن أن يجتمعن، أو هو أمر قد يزيد في الأهمية عن ذلك، وهو أن نحاول ضمان أن ينص أي اتفاق سلام مقبل على تخصيص أدوار مناسبة وقوية للمرأة والمجتمع المدني في المرحلة الانتقالية التي ستأتي بعد ذلك، وهو ما سنحاول الوصول إليه بمساعدة ونصح جميع المجموعات والنسائية والحركة النسائية. قوة الانتقال وأهمية الانتقال بعد الحرب الأهلية هي أنه يسمح لأولئك الذين تم تهميشهم بالحرب، المستبعدين من دوائر صنع القرار حول كيفية إدارة الحرب- والنساء مثال واضح- بالعودة إلى هذا المكان في وسط الحياة العامة. وبقدر ما يتعلق الأمر بأي شيء آخر، نحتاج إلى إلزام الأطراف بمسؤولياتهم، ويحتاجون إلينا كوسيط لإبرام هذه الأحكام في ذلك الاتفاق.
سؤالي الأخير سيكون عنك. لديك خبرة واسعة في مجال الوساطة وحل النزاعات. من خلال دورك في اليمن وبشكل عام، هل ما زلت تتعلم؟ إذا كان الأمر كذلك، هل يمكن أن تعطينا بعض الأمثلة؟
نعم، حسنا، آمل في أنني أتعلم بعض الأشياء، قد أكون في عداد الموتى إن لم يكن الأمر كذلك. حسنا، كل صراع هو نفسه في الحروب الأهلية، وكل صراع مختلف! ذهبت ذات مرة إلى بلد وقلت: هذه القضايا التي تواجهونها مألوفة للغاية. وأعتقد أن نائب رئيس وزراء ذلك البلد قال لي، “أنت مخطئ تماما، فقضايانا فريدة من نوعها.” جميع الصراعات فريدة من نوعها، تماما كما نحن جميعا فريدون من نوعنا. لكن لتلك القضايا قواسم مشتركة كثيرة. لقد سألتِني للتو عن دور المرأة. ما يثير الإعجاب في اليمن هو طابع شعبه. لأنك ترين في طابع شعبه، رغبة في أن يكون قادرا على التحدث مع بعضه البعض، ليكون قادرا على الانفتاح على بعضه البعض. في حال حدث هذا التحول نحو حل سياسي، فأنا متأكد من أن كلٍ سيحتضن الآخر في اليمن.
نعم، أنا أتعلم. الشيء الثاني الذي أود قوله هو التالي: أعتقد أنه بالنسبة لمسؤول أممي ولي الشرف بأن أكون واحدا منهم، نحتاج دائما إلى الجمع بين تأثير قيمنا، بما في ذلك الإدماج والحقوق العالمية وما إلى ذلك، وأهمية الدبلوماسية الإقليمية والمصالح والمتطلبات المختلفة للدول الأعضاء، وتحقيق التوازن بين هذين الأمرين. في الواقع، تحقيق التوازن بين الدبلوماسية والوساطة هو بالنسبة مسؤول أممي فرصة خاصة. والله يعلم، إذا كنتَ لا تستطيعُ التعلم من ذلك، فلن تتعلمَ من أي شيء. شكرا لك.
للاشتراك في قناة موقع يمنات على التليجرام انقر هنا
لتكن أول من يعرف الخبر .. اشترك في خدمة “المستقلة موبايل“، لمشتركي “يمن موبايل” ارسل رقم (1) إلى 2520، ولمشتركي “ام تي إن” ارسل رقم (1) إلى 1416.