ارشيف الذاكرة .. اعتز بنفسك .. ارفع رأسك .. أنت قائد
يمنات
أحمد سيف حاشد
لستُ من يعجب بقائده بسهولة .. أزدري منافقة القادة إلى حد بعيد .. لا اتملق و لا أشهد الزور .. لست من يحب قائده من أول وهلة .. أعيد النظر و التقييم مرارا .. أمقت المتملقين و الانتهازيين و الوصولين .. لا أزجي المديح و لا أميل للإطراء، إلا بقدر ما يستحقه القائد، و ما يثيره فيني من إعجاب و دهشة، و ما لديه من مصداقية و تواضع و نكران ذات .. لا أبحث في القائد عن الكمال، و لكنني أبحث عن الأفضل، الذي أجد فيه استحقاق أن يكون نموذجي و مثالي في حدود الممكن لا المستحيل .. هكذا أظن و اعتقد أو أزعم هذا..
أكثر الذين أعجبت بهم في الكلية العسكرية، هو قائد الكلية أحمد صالح عليوه من محافظة شبوة .. وجدته قيادي فذ، و ممتلئ و صادق، و على مستوى عالي من الوعي و المسؤولية، و لا يعمد إلى فرض شخصيته إلا بوعيه و حنكته و تواضعه، و تميّزه، و ما لديه من حكمة و مصداقية و شجاعة، و ما تتمتع به شخصيته من حيوية و نشاط و ألق و جاذبية..
في الوقت الذي أعجبت بأحمد صالح عليوه قائد الكلية، لم أُعجب بوزير الدفاع صالح مصلح .. أذكر أنني ذهبت أنا و صديقي محمد عبد الملك بعد التخرج من الثانوية للتسجيل و الالتحاق بالكلية العسكرية؛ فقالوا لنا اذهبوا إلى بيت وزير الدفاع .. قصدنا بيت وزير الدفاع، و أبلغنا حراسته أننا نريد ابلاغه بوجودنا، و نريد مقابلته، أو تحديد موعد لمقابلته في الوقت و المكان الذي يحدده، غير أن الرد الذي جاءنا أن الوزير غير موجود، و بعد دقائق نتفاجأ بخروج الوزير بسيارته من البيت .. كان بإمكانه أن يقول لنا أي شيء إلا أن يكذب .. لم ايأس و استمريت بالمتابعة، و ساعدني “حسن الأعور” النائب السياسي للمليشيا في معسكر عشرين في المتابعة، فيما صديقي محمد عبد الملك أُحبط و ذهب ليلتحق بالتجنيد و تأدية الخدمة العسكرية..
كان أحمد صالح عليوه قائد عسكريا و تربويا محنكاً .. يمتلك شخصية قوية و جذابة تخطف إعجابنا و حبنا الكبير .. دأب يغرس في أعماقنا الاعتزاز بالنفس و الثقة و الشجاعة و قوة الشخصية .. مازال صوته الجهوري حياً في مسمعي و هو يقول: “طالب اعتز بنفسك .. ارفع رأسك .. أنت قائد..” كنت معجباً به و أشعر أنه ممتلئاً و أكثر من يستحق أن يكون قائداً لجيش بلد تستحقه .. أشعر أن ذكائه و قدرته و ثقافته و حيويته كبيرة و فائقة..
كان رجلاً يمتلك قدرة قيادية فذة و مؤثرة، و يحظى باحترام و تقدير من يقودهم .. سمعت بعد سنوات أنهم أهملوه و حطموا ذلك القائد .. حطمه الفاشلون .. قالوا إنه أصيب بحالة نفسية، ثم رحل ليترك عالماً من الفاشلين .. آه يا بلد .. رجالك المخلصين و القادرين ينتهون إلى الجنون أو الضياع أو التلاشي.
كانت فصيلتنا هي الأولى مشاة، إنها من قوام ثلاث فصائل مشاة، و المشرف على الفصيلة الملازم عبد الرقيب ثابت الذي يدربنا مادة التكتيك أيضا، و الحائز على المرتبة الأولى في دفعته الثامنة .. أردت أن أكون مثله الأول في دفعتي العاشرة .. أعجبت به لأنه كان يميل للإقناع و الإفهام، و لا يذهب إلى طرق القسوة المُذلة التي تهتك المشاعر و تنتقص من كرامة الإنسان كما هو الحال لدى بعض أقرانه، و ذلك على حساب صناعة الوعي و الرفع من شأنه .. اليوم هذا القائد لم أعد أسمع به، و إنما صرت أسمع عن قادة إمعات دون وعي أو فكرة أو موقف أو انتماء للوطن .. قادة صغار أتباع منقادين آخر حسابات لديهم هو الوطن الذي لايعرفوه..
رفع الوعي هو الأمر الذي أتعلق به، و أقابله بتقدير و احترام .. الشخط و النخط و التعالي سلوك لا يروقني من الضباط، بل أشعر أن صاحبه يعاني من عقد نفسية و مركبات نقص .. أحب تواضع القادة دون أن أنال من حزمهم الذي أتفهم ضرورته في الحياة العسكرية .. وعي القائد و حزمه الواعي هو من يأسرني، و ليس الحزم المهلل بالثقوب و العور..
تعلمتُ في الكلية العسكرية القيادة حيث كان على الطالب قيادة فصيلته لمدة 24 ساعة كلما أتى عليه الدور بالتناوب لكل واحد عشرين يوم .. لقد بدا لي هذا الدور في البداية صعبا، غير أنني ما أن كسرت هذا التهيب في المرة الأولى حتى صار الأمر عاديا إن لم يكن قد أستثار في أعماقي تحدّي ذلك الرجل الخجول الذي يتحول إلى قائد بكل ما للكلمة من معنى..
روحي متمردة و ثائرة على كل سلطة أبوية تحت أي لباس أو مسمى .. أتمرد على كل سلطة تتجاهلني، أو تقلل من شأني، أو تريد أن تلغيني، أو تصادر عقلي و إرادتي و كينونتي .. القائد هو ذاك الذي يمارس الوعي و يرفع من شأنه و يمتلك الصفات التي تؤهله أو ترفعه إلى مصاف القيادة، و تجعل منه قائدا بجدارة..
***
يتبع..
للاشتراك في قناة موقع يمنات على التليجرام انقر هنا
لتكن أول من يعرف الخبر .. اشترك في خدمة “المستقلة موبايل“، لمشتركي “يمن موبايل” ارسل رقم (1) إلى 2520، ولمشتركي “ام تي إن” ارسل رقم (1) إلى 1416.