عيد بدون مصافحة
يمنات
عمر القاضي
نمشي على بركة الله، لا نعلم من هو المصاب بكورونا بيننا. مرة نصافح ومرة أخرى نمتنع عن المصافحة. خلال هذا الأسبوع فقط عادت يدي خائبة حوالي 8 مرات بعد أن مددتها لأشخاص وفدوا لتوهم على مقيلنا لأجل المصافحة وبدون قصد. أنا لا أرفض أحداً يمد يديه ليصافحني، سواء كان مصابا أم سليما. فقط أذكر القليل الذين لم أصافحهم. ليس حرصا على نفسي من الإصابة بفيروس كورونا، بل فقط لأنهم لم يمدوا أياديهم، وأنا تماشيت مع هذا الوضع. وللعلم فإنني لست من هواة المصافحة، ولا من عينة ناشر، ذاك الرجل الخمسيني ابن قريتنا. ناشر هاوي وغاوي سلام ومصافحة، لقد توفي قبل سنوات قليلة وإلا لكانت ستحل مشكلة كبيرة في قريتنا سببها ناشر.
يوم العيد ممكن ناشر يصافحك 10 مرات، وليس لديه أي مانع. حتى وإن قمت بتذكيره بأنك سبق أن صافحته، سيرد عليك هكذا: «متى؟ ما أذكرش!». وسوف يمد يديه للمصافحة حتى ولو كانت للمرة الرابعة. ويبدأ يستلمك بوس من العنق حتى الجبهة، يبوسك وهو يهدر لك: «السلام ببلاش، السلام لله».
لا أحد في القرية بمقدوره الامتناع عن مصافحة ناشر. فهو يمر على كل منازل قريتنا، ليصافح الجميع فردا فردا، وإذا صدف عدم تواجد أحد الأشخاص في أحد المنازل يسأل عنه، فيرد أهل البيت بأنه غائب. حينها يقطع لهم ناشر وعداً بأنه سيعود لأجل مصافحة الشخص الغائب في وقت آخر، فلا أحد يفلت من مصافحة ناشر.
مثلا يشاهد أي شخص واقفا على سطح منزله، يبدأ ناشر يلوح له من الطريق، ثم يقتحم المنزل، ويصعد الدرج وهو يصافح النسوان والأطفال طريق طريق وصولا إلى الشخص الواقف بالسطح ويصافحه ثم يعود أدراجه. لا أحد يرفض مصافحة ناشر، وإن رفضت ـ لا سمح الله ـ فناشر لن يخلي لك سبيلاً. سوف يفتعل لك مشكلة، أطرف مشكلة حتى داخل منزلك. لذا الجميع يصافح ناشر مخارجة من مشاكله. ستر الله أن ناشر رحل عن الدنيا قبل وصول كورونا، ورحلت معه أغنية الحارثي «رد السلام واجب».
وإلا ما الذي كان سيقنع ناشر بعدم المصافحة وخطورة كورونا، ناشر لا ينسي أحداً ولا يعذر أحداً. ولديه إيمان مترسخ بعظمة المصافحة. لذا فهو يبوس بعنف، بوس متشبع بصوت الصفير والرذاذ. لا أطيب من ناشر والرحمة لروحه الطاهرة.
أقول للجميع مع قدوم عيد الفطر بإذن الله: مافيش داعي تقوموا بدور ناشر، ولا في داعي للبوس والمصافحة، التزموا بالحجر داخل منازلكم. ومافيش داعي تمروا على شقق الأقارب، فكورونا لا يرحم. أنتم تعرفوا أيش معنى المصافحة بيوم العيد، لو هناك شخص واحد مصاب ممكن يلقح لمائة شخص. والمائة سيلقحون ألف شخص، والألف سيلقحون أعداداً إلى ما لانهاية. وأن الجميع بكارثة لا قبلها ولا بعدها، فقط أوقعوا حريصين على أهلكم وأقاربكم داخل منازلكم، هناك بدائل أخرى.
يا أخي عبيلك رصيد كافي وتواصلت مع أهلك وأقاربك وأصدقائك. على الأقل لا تلقحهم ولا يلقحوك. قع ابن ناس وحريص على أهلك وعلى شعبك. أيش نفعل، هذا هو الواقع، ولا داعي للمصافحة في يوم العيد.
المصدر: لا ميديا