ارشيف الذاكرة .. قصتي مع القات .. قات مع المانجو
يمنات
أحمد سيف حاشد
• بالصدفة أكتشفت أن القات يصلح تعاطيه مع المانجو، بديت أمام نفسي مثل ذلك الراعي الذي أكتشف القات صدفة في الحبشة، حالما كان يتأمل أغنامه كل يوم، وهي تخزن وتستجر من تلك الشجرة، ثم تغرق بكيف عميق، واستمتاع بالغ، وتبدي تصرفات عجيبة ولافتة..
• اتجهنا للمقيل عند المحامي الكبير والممتلئ أحمد علي الوادعي.. وفي الطريق كان بمعيتي القاضي عبدالوهاب قطران، والمحامي نجيب الحاج، ومروان الحاج، وأظن حضر ذلك المقيل القاضي أحمد الخبي، والأخ نبيل الحسام.. توقفنا أمام البقالة القريبة من المكان، وطلبتُ من مروان أن ينزل من السيارة التي تقلنا، يشتري ماء، وعلبتين “راوخ عنب”، وعاجلناه كي لا يتأخر، ويبدو إن بوابة البقالة كانت مكتظة بالزبائن..
• طلب مروان من ابن البقالة ـ وهو لا زال حديث سن وقاصر ـ ماء و”راوخ عنب”، غير أن الولد الصغير جلب “راوخ مانجو”، وحشاها في الكيس تحت قناني الماء.. وعاد مروان بنصف الطلب، وفي نصفه على غير ما طلبنا، ولم نتبين ذلك إلا في غمرة المقيل.
• بدأت بتناول القات وفتحت العلبة، ورشفت منها، دون أن أعي أن ما أشربه مع القات هو “مانجو”.. كنت مندمج بالحديث والفرفشة، وكلما أوغلت في المقيل، بدأت أكثر كيفا وروقة..
• في حضرت محامينا الجليل أحمد علي الوادعي، كان الحديث متدفقا وشيقا، وفيه ما يشد اهتمام الجميع.. نضحك وننكت وننتقل من حديث إلى آخر كالنحل.. كنت مستمتعا أيضا بشرب المانجو مع القات، وصارت مرارة القات المقذعة تستدعي مزيد من الرشف وتذوّق المانجو..
• لم انتبه ولم ينتبه مروان ولا الحاضرين لما حدث.. قاسمني القاضي قطران المانجو، وأخذ العلبة الأخرى، وفتحها ورشف منها ثم قال:
– أيش هذا يا خبره .. مانجو مع القات..
قالها؛ وهو يقرأ المكتوب بالخط العريض على العلبة “مانجو” .. فيما كان مروان يبرر فعلته بمعاجلتنا له، وأتهم الابن الصغير الذي باع له بالغباء.. ضحك الجميع، فيما وضع القاضي قطران العلبة على طاولته بعد رشفة واحدة، بدأ لي إنها لم تعجبه، وما يناسبني لا يناسبه.. وأن طبائعنا في هكذا أمور متصادمة..
• فكرت أنني سآخذ علبة المانجو الثانية من أمام قطران، بمجرد أن أنتهي من العلبة الأولى .. لقد راق لي المانجو مع القات، بل هو أفضل من أي مشروب أخر، سبق أن تعاطيته من قبل مع القات..
• وفي أوج المقيل، وعندما شاهدني قطران بمزاج رائق ومستمتع، بدأ هو ومن غير إعلان بشرب المانجو من العلبة التي كان قد عبر عن امتعاضه حيالها من الرشفة الأولى.. وما أن تهتُ قليلا في الحديث والاستماع، كان القاضي قطران قد أفرغ علبة المانجو، برشفات متعاقبة لم يفصلها عن بعضها غير قليل من الوقت.. لقد أحتسى قطران علبة المانجو كاملة مع القات، وأنا في غفلة منه، وقبل أن أناصف علبتي.. بل وتفاجأت بعلبة قطران قد صارت فارغة مرمية في السلة التي أمامه..
– قلت له باستغراب واندهاش: شربتها !!
– قال: شفتك منسجم ومستمتع وأنت تشربها مع القات، فعلت مثلك..
وقهقه الجميع..
• أستمر مشروبي المفضل مع القات (راوخ مانجو) وسط امتعاض ودهشة المخزنين، إن كان في مقيلي أو مقيل بعض الأصدقاء، بل وأحيانا أفعلها في مقايل الغرباء بدم بارد وأعصاب هادئة..
• كثيرون هم الذين يبدون اندهاشهم غير مصدقين لما أفعله.. بعضهم لا يستطيعون كبت أو منع أسئلتهم الوثابة أو التي تتدفق باستغراب واندهاش.. قات ومانجو مرة واحدة .. بدأتُ أمام البعض أشبه بمن يجمع بين عسرين، قات لا أجيد تعاطيه كما يجب، ومانجو مع القات لا جامع بينهما ولا صلة..
• حاولت أن أقنع البعض إن يجربوا ما أفعله، وأغريهم برواق المزاج والكيف من الرشفة الأولى التي يمكنها أن تستدرجهم إلى آخر قطرة في العلبة..
• بعد مدة شاهدت بعض أصدقائي يخزنون مع المانجو، وأحيانا أشتري أنا المانجو، وهم يستحسنونه مع القات.. وفي آخر مرة وجدت أن القاضي قطران والقاضي الخبي مخزنين قات ويحتسون معه المانجو الطازج.. قفشتهم وهم يفعلون ذلك، وبديت أكثر اندهاشا مما أراه، فيما كان القاضي الخبي يضحك ويعقب بالقول: نحن على مذهب قائدنا..
• أقلعت عن احتساء المانجو مع القات، ليس بسبب ظني وتوهمي أنها هي من أبرزت كرشي إلى الأمام كثيرا، بل وأيضا كونها سلعة تأتينا من السعودية، أو عبر وكيلها السعودي، وربما هذا ما دفع بعض أصدقائي إلى تناول المانجو الطازج مع القات.. ثم تم إضافة سبب ثالث منعنا من المضي فيما نحن عليه هو غلاء القات والحليب والمانجو..