العرض في الرئيسةفضاء حر

مدونة السلوك الوظيفي أداة لتفجير المجتمع

يمنات

قادري أحمد حيدر

الإهداء

إلى من يرفضون القول: بصوابية مصطلح “الهاشمية السياسية”.
مع خالص التحية والتقدير..

إن محاولة فرض سلطة الأمر الواقع (أي سلطة كانت)، بقوة العنف (المعنوي أو المادي)، وتحت غطاء المذهب والدين، وعسكره الحياة لا يعني سوى تمهيد الأرض السياسية والاجتماعية، لدورات عنف لا تتوقف؛ فالتغيير بالعنف باسم التقدم، أو الرجعية أو تحت شعارات “مقاومة العدوان”، وغيرها، جميعها تقود إلى مراكمة شروط إنتاج العنف المضاد، هذه قانونية موضوعية وذاتية وتاريخية، وهي بداية دخول المجتمعات والدول نحو الفوضى، وعدم الاستقرار، وتوقف الإنتاج، (التنمية), الذي يؤسس لتقسيم المجتمعات إلى هويات ما قبل الوطن، وما قبل الدولة، والشعب، هويات : مذهبية وطائفية عرقية وقبلبة ومناطقية وجهوية.

وعلى الجماعة الحوثية “أنصار الله”، أن تدرك أن للقوة والعنف حدوداً فليس هناك من قوة بلا حدود، أي أنها عند لحظة معينة من فعل استخدام القوة في الواقع ، قد تتحول “القوة” إلى ضدها، وهذا ما تقوله حقائق السياسة والاجتماع والاقتصاد والتاريخ.

إن تفرد الجماعة الحوثية “أنصار الله”، في احتكار السياسة والسلطة والثروة في مناطق سيطرتها، واعتمادها على القوة المجردة (الخالصة)، في إدارة الشأن العام – السياسي والاجتماعي والاقتصادي لا يعني أكثر من السير الحثيث والسريع لتفكيك وتدمير القوى الذاتية، والمادية للمجتمع، وتدمير العمق الإنساني لمعنى الحياة، فالقوة المجردة (المفرطة والمتطرفة)، لا توصل سوى إلى فرض قانون التدمير الذاتي/والاحتماعي للفرد، وللجماعة، (الفوضى غير الخلاقة)، قوة تجد نفسها تدريجياً تتآكل من داخلها، لتصل بالنتيجة إلى أن توجه عنفها – في نهاية المطاف – إلى داخلها.

كان علي عبدالله صالح يمتلك قوة داخلية( عسكرية/أمنية), أكبر وأوسع منهم، ومع ذلك هزمته ثلة أو كوكبة جماهيرية مدنية سلمية بقوة إرادة السلام والحياة في داخلهم، مع أنه حاصر وطوق العاصمة صنعاء وتعز وعدن وحضرموت وكل المدن الأساسية بمئات الألوية العسكرية؛ والمعسكرات والجيوش، حتى وجد نفسه يوغل في الدم، إلى أن وجد نفسه بعد كل ذلك الدم، مضطراً لمغادرة المشهد السياسي (السلطة)، بقوة الإرادة السلمية “أللا عنف”، الجماهيري والوطني .

وعلى هذا فإن الاتحاد السوفيتي أعظم قوة عالمية (عسكرية ونووية) تفكك من داخله إلى خمس عشرة دولة، ويوغسلافيا ، تفككت إلى ست دول، وتشيكوسلوفاكيا، تفككت إلى دولتين، هذا ما تقوله حقائق السياسة والتاريخ من أن للقوة حدوداً وللعنف نهاية.

وما نلحظه من شواهد التأريخ دائماً أن الدولة التوليتارية (سياسية -عسكرية أو مذهبية/ دينية)، تتفكك من داخلها، وعوامل التفكك الخارجية تسهم فقط، في استكمال عملية التفتت والتدمير.

فما بالكم حين تكون هذه القوة المجردة حاملة لأيديولوجية مذهبية فئوية(طائفية), وتحاول أن تفرض رؤيتها الخاصة المذهبية على الأغلبية العظمى من المجتمع بالقوة المجردة الباطشة .

إنهم بكل ما يقومون به إنما يدمرون أسس السلام الوطني العام، وقواعد التعايش السلمي، ويفككون ثقافة العيش المشترك في قلب المجتمع.

إن ممارسات الجماعة الحوثية “أنصار الله”، القهرية والعنفية ضد المجتمع، والمعارضين، لن توصلهم إلى شيء، بقدر ما يراكمون شروط تفجير المجتمع من داخله، مراكمة لعوامل عدم الاستقرار، وفقدان كامل للشرعية، أو ما تبقى منها، لن ينفع معها خطاب “مقاومة العدوان” في شيء.

فبعد سيطرتهم المطلقة على جميع مفاصل مؤسسات المجتمع والدولة لم يتبق أمامهم سوى احتكار الوظيفة العامة في جماعتهم المذهبية السلالية الخاصة، ” الهاشمية السياسية”, مع بقية قليلة من الوظائف “للزبائنية” الملحقة بهم سياسياً ومصالحياً، أومن سيجبرون على التوقيع صاغرين على مدونة سلوكهم الوظيفي، بعد أن احتكروا حتى “الإيمان”، في جماعتهم الخاصة، تحت شعار “الهوية الإيمانية” مع أن الإيمان السياسي أو الإيمان العقيدي (الديني)، هما مسألتان ذاتيتان و(خاصة) الإيمان السياسي فإنه اختيار ذاتي للفرد، أين ومع من يكون؟, ولمن يكون انتماؤه السياسي، والإيمان الديني، قضية إيمانية خاصة هي علاقة بين العبد وربه سبحانه وتعالى، ولا يمكننا قياس الإيمان الديني، أو تحديد معنى “الهوية الإيمانية” بالمعايير والمقاييس السياسية، أو الإدارية أو التنظيمية والقانونية، ولأول مرة نقرأ ونسمع أن للوظيفة المدنية، “أيديولوجية إيمانية”، أو “هوية إيمانية”!!

إنها مدونة ” لصناعة الكراهية (.. .) وهي ردة حضارية”,كما كتب الصديق،البرلماني، أحمد سيف حاشد .

إن المستبد (الطغياني) ممتلئ شعوره بالقوة، ومن أنه لا يناله الضعف “قوة أبدية/ خالدة” ولذلك لا يتراجع عن الخطأ، وغير مستعد لتصحيح أخطائه، ويكون الأمر كارثياً حين تتلفع تلك “القوة”, بغطاء مذهبي/ ديني، و”بوصية إلهية”، فإنه يرى نفسه حينها قريباً من السماء ، وحالة وسط بين الألوهية، والنبوة ، وهذا ما تقوله بعض الجماعات الشيعية المغالية، ومدونة السلوك الوظيفي تعبير وتجسيد عن هذا المعنى من القول.

إن مصادرة الراتب والسجن والقتل، وحتى الحكم بالاعدام، أرحم مليون مرة من القبول بالعيش تحت شروط القبول بالمدونة.

إن القبول القهري بالمدونة، يحول العبودية السياسية، إلى عبودية دينية،لمن يقف خلف اصدار المدونة، وليس لله سبحانه وتعالى، تحويل عبودية المجتمع لهم، إلى نظام حياة.

وبذلك ساوت الجماعة الحوثية، بين الموت والحياة.

إن مدونة السلوك الوظيفي هي قمة الإرهاب السياسي والاجتماعي والاقتصادي والديني، وهي صك عبودية لكل المجتمع ، كما أشار إلى ذلك أكثر من باحث وكاتب ، وإلا فما معنى أن يطالبوا جميع موظفي الدولة بأن يوقعوا على صك عبوديتهم !!.

إن مدونة السلوك الوظيفي ليس صك عبودية سياسية، بل وعبودية مذهبية/دينية، على أصحاب المذهب الآخر (الشافعي)، بعد فرض مبدأ “الولاية” و”الإمامة”، عليهم وغيرها من الطقوس المذهبية، بقوة القهر السياسي.

فليس صحيحاً القول: إن المدونة تنطبق وتتفق في كثير من بنودها مع مدونات عربية، ففي ذلك القول مغالطة كبيرة، فهي قد تتفق مع بعضها من حيث الشكل المجرد، في اختيار بعض المواد من هنا أو هناك، أما مضمون وجوهر المدونة فهو تكريس وإعادة إنتاج للمذهبية والطائفية، في صورة “هاشمية سياسية معاصرة”، مدونة طائفية، كلها واجبات والتزامات، ومواعظ دينية وأخلاقية، وعلى الموظف أن يلتزم بها وينفذها بدون نقاش، وبدون حقوق، هذا بعد استمرار انقطاع مرتبات موظفي الدولة لأكثر من سبع سنوات في مناطق حكم الجماعة الحوثية.

كان المطلوب والمنتظر من الحوثيين، أن يبادروا إلى تقديم اعتذار رسمي مسبب لعدم صرفهم مرتبات من يقعون تحت سلطتهم من موظفي الدولة،لأكثر من سبع سنوات، ولكنه غرور الإستعلاء بالقوة والغطرسة، منع عنهم رؤية الواقع كما هو، ومستمرون في العيش في نعيم حياتهم الخاصة.

على الجماعة الحوثية أن لا تأخذها العزة بالإثم فتتوهم أنها أقوى من جميع مكونات وقوى المجتمع ، ومن أنها مخلدة، ” مقدسة”, من خلال استعراض منطق القوة، والبطش، فلكل شيء حدود، وما زاد عن حده ينقلب إلى ضده.

إن مجرد تفكير الجماعة الحوثية بقدرتها على فرض مدونة السلوك الوظيفي بالقوة العسكرية، والأمنية وبفرض منطق المذهب السياسي، والمذهب الديني الواحد على كل أطراف وقوى المجتمع، إنما هو تعبير عن وصول هيلمان القوة (السلطة) إلى أقصى حدود الغرور والجنون في التعاطي مع قضايا السياسة، والفكر والدين والمجتمع.

إن فرض مدونة السلوك الوظيفي، لا تعني في حقيقة الأمر سوى فرض المذهب الديني الواحد على كل المجتمع، ورفض التنوع السياسي، و المذهبي والديني والثقافي ، ومن يعترض أو يرفض المدونة تدخله وتضعه الجماعة داخل دائرة التكفير السياسي، والتكفير الديني، والتخوين الوطني، كما نسمعه في خطابات قادتهم الوعيدية، وهي تهديد علني فاضح بالسجن والقتل، هذا ما تقوله خطاباتهم السياسية تمهيداً لتنفيذ نصوص مدونة السلوك الوظيفي، حيث تفرض على من ينتمون للمذهب “الشافعي” ، الالتزام بتنفيذ طقوس مذهبية دينية، لا يقول بها مذهبهم الديني، فــ”الولاية” مبدأ وأصل تقول به الشيعة الأثني عشرية/الإمامية، والإمامة الزيدية الهادوية ، وهو مبدأ وأصل مذهبي خلافي بين المذاهب الإسلامية، تقول به الشيعة الإمامية (أغلبهم)، والزيدية الهادوية، في صورة ” الهاشمية السياسية”, ولا تقول به جميع المذاهب السنية ، بل ولا تقول به الأغلبية الزيدية من أبناء مناطق شمال الشمال ، وهو، تاريخياً، بداية للخلاف/الصراع، السني، الشيعي، القديم/ الجديد الذي قاد العالم الإسلامي إلى حروب دموية ذهب ضحيتها مئات الآلاف،بل والملايين من الضحايا في حمى صراعات عبثية مجنونة، كانت بداية – إلى جانب عوامل أخرى – لأفول الدولة العربية الإسلامية، وهو ما تقوله المصادر السياسية والفكرية والتاريخية المختلفة حول مسألة “الولاية” و”الإمامة”.

إن المدونة من أحد وجوهها محاولة لفرض مذهب واحد على جميع مكونات المجتمع اليمني، أي أن الأمر لا يقف عند احتكار السياسية والسلطة والثروة، ومصادرة الحريات، بل محاولة عبثية لتنميط، ونمذجه المجتمع والدولة على أساس المذهب الديني الواحد، وهذا أمر خطير وكارثي على كل مستقبل المجتمع والدولة.

إن محاولتهم فرض مدونة السلوك الوظيفي على كل المجتمع، والمطالبة بأن يوقع عليها قهراً جميع موظفي الدولة، إنما هي إعلان حرب أهلية سياسية ومذهبية ودينية (مؤجلة).. حرب إن وقعت – لا قدر الله ذلك – الجميع فيها خاسر، ومن يتوهم الانتصار في مثل هذه الحروب القذرة، هو أول المهزومين والخاسرين.

حتى الجنون يحتاج إلى قدر من العقل.

ونقطة على السطر.

زر الذهاب إلى الأعلى