العرض في الرئيسةفضاء حر

نجاح وعذاب

يمنات

احمد سيف حاشد

كان لمن ساعدونا الفضل في النجاح الذي كنّا نحققه ونراكمه.. جنود مجهولون.. نفوس طيبة.. أرواح خيّرة.. أناس كبار يعينوننا بالكد والعمل.. مساندة وتبرع دون منّ منهم أو انتظار مقابل.. فيما كان البعض يتمنى لنا الفشل المكين في كل حين.. يدأب لإفساد كل فرحة وتخريب كل إنجاز.. لؤم يحاول اغتيال كل خطوة نتقدم بها إلى الأمام.. كنّا نواجه أعداء النجاح الغارقين بذواتهم والمشبعين بأنانيهم المفرطة، بمزيد من النجاح الكديد الأكثر لذة ومتعة.

كانت النشرة “الصحيفة” التي أرأس تحريرها، لسان حال الجمعية هي السلاح الامضاء في التصدّي للهجمات التي تندفع نحونا مشحونة بأنانية أصحابها، أو تلك التي كانت تأتي بدوافع سياسية أو حزبية أو عصبوية.. المواجهات ظلّت مستمرة مع الذين يريدون تجييرها أو وأدها والإجهاز عليها، أو إحباط ما يقوم به الخيرون من دور وحراك.

تصدّت النشرة لكل الهجمات التي تستهدفها أو تستهدف جمعيتها.. دافعت عن نفسها باقتدار من خلال محبيها الذين كانوا يتكاثرون، والداعمين لها مادياً ومعنوياً، وقُرّاءها الكُثر الذين دافعت أقلامهم عنها بشدّة وبسالة.

كانت تفند الادعاءات المغرضة، وترد عليها بما يجلي بياض وجوهنا وعفة أيدينا، بل وما يُفحم الوجه الآخر الذي يقتات دمامة الاتهام.. الشفافية كانت هي الحامي الأمين لنا، والنشر وسيلتنا التي نتواصل بها مع مجتمعنا المحلي وخارجه، ومن خلالها نوصل صوتنا وشفافيتنا للناس.. نبدّد الإشاعات، ونكشف التخرّصات، ونفند الادّعاءات بإعلان ما يكذّبها، ونفحم أصحابها بالحجة والدليل والمنطق واليقين.

أقاويل كانت تحاول النيل الدميم منّا، ومنها إن النشرة تعتاش على مداخيل الجمعية، فيما الحقيقة التي أوضحناها بالأرقام ونشرناها للناس هي إن النشرة ـ الصحيفة ـ تغطّي نفقاتها، بل وتوفر بحدود 10% من وارداتها للجمعية.. ربّما بعض أعدادها تخسر خسارة طفيفة، ولكن سرعان ما نعوّضها في الأعداد التي تليها، وكدنا نصل في آخر عدد منها ـ لولا الأمر بإيقافها ـ إلى طباعة 38 ألف نسخة.

تكالبت علينا كثير من الأنياب والمخالب والسياط، ومعها السلطة الأشد وطأة.. أستقوى خصومنا بهذه السلطة حتّى وصلوا المراد الذي غلب فيه المخرّب ألف عمّار.

***

أستمرينا وأشتد الحال.. عتبنا وأكثرنا الأسئلة والاحتجاج المترع بالألم.. غدونا نعيش جحيماً لا يطاق.. تحولت السعادة التي تحدث عنها “زرادشت” في عمل الخير إلى جحيم.. تسألتُ في لحظة مؤلمة بمقال كتبته تحت عنوان: هل الذهاب إلى الجحيم خير من الخير؟!!

كنّا نكد وننزف حد الإعياء في العمل الطوعي.. نتفاني في تحدّي مستميت، ونقاوم بروح مقاتل عنيد.. من لا يعملون ولا يتركونا أن نعمل أثخنونا بالجراح، ومن يفترض أن يعضدك بحكم مسؤوليته لا يكتفي بسلبيته الثقيلة، بل تجده يحبطك ويجلد ظهرك كل يوم بما ليس فيك.. يعذّبك حتّى يجعل الخير قد بات ألم يصر في صلب العظام، ويصيّر طعم الخير اللذيذ أقذع من الصبّار والحنظل والموت تحت السياط.

في يوليو 2003 وفي لحظة كثيفة الوجع، وحالما كان صديقي مجيد الشعبي يحثني على الصبر؛ تذكرتُ واقتبستُ في مقال ما قرأته في رواية حنامينه (الثلج يأتي من النافذة) حيث يقول فياض لصديقه خليل الذي كان يحثه على الصبر: (ولكني أتعذب يا خليل. في كل ليلة أُجرُّ الى التحقيق، وفي كل ليلة أجلد بالسياط، وحين يُغمى عليّ، يسكب الماء البارد على جسدي. ينقعونه جيداً، كالجلد قبل وضعه على السندان، ويضربونه حتى يتمزق، ويخرج اللحم مع السياط، ويتناثر على الجدران؛ فيحملوني في بطانية، ويلقوني في الزنزانة.. ومن جديد، بعد يوم أو يومين، بعد أسبوع، أُجرُّ الى التحقيق وتتجدد عملية التعذيب.. أنا فياض.. احس بهذا لأني اعرفه ، لأني اعيشه، ولأني اتحرق الى وقفه).

***

 

زر الذهاب إلى الأعلى