حزب التجمع اليمني للإصلاح الخصم الوارث للنظام السابق
لا نستطيع أن نفصل بين حزب المؤتمر الشعبي العام وحزب الإصلاح كنظام سابق، كون حزب الإصلاح تأسس مع بداية الوحدة اليمنية عام 1990م على ضوء اتفاق جرى بين زعيمي القبيلة والسلطة علي عبدالله صالح والشيخ عبدالله بن حسين الأحمر على أن يكون حزب الإصلاح بتوجهه الديني والقبلي الرديف المكمل لحزب المؤتمر الشعبي والشريك الرئيسي في السلطة لمواجهة الحزب الاشتراكي والانقضاض عليه من أجل تقاسم المصالح وفرض الهيمنة والسطوة لتسيير شئون الدولة على أساس المرجعية القبلية.
أثبتت تجربة الحكم في اليمن خلال الخمسة العقود الماضية أن الخروج عن المرجعية المذكورة بتحالفاتها ستعجل بزوال رأس النظام إما بالقتل أو الإزاحة من الحكم، وهكذا استمر النظام يرسخ بنية الحكم في المجتمع بطريقته التقليدية فالمعضلات التي خلقها وراكمها النظام السابق على مدار العقود الثلاثة الماضية، مبنية على حكم الإمام القديم، قد أصبحت بنيوية وضاربة الجذور ومتمأسسة في المجتمع بشكل يجعل حلها في فترات زمنية قصيرة أمراً عسيراً أو من المستحيل حلها بالسهولة التي يتصورها الجمهور المندفع للتغيير، وأن شكل النظام السابق وبنيويته ما زالت تعمل وتسير على نفس المنوال مع نشاط مستجد لإعادة التحصن واكتساب المناعة ضد المتغير الجديد بعد تشكل حكومة الوفاق، والأخطر أنها تتحصن بالفساد تحت لائحة المحاصصة والتقاسم مما يزيد في هوة الخلاف بين شريكي السلطة الجدد، وهذه السلطة لا تزال بيئة حاملة للفساد في كل مفاصل الدولة حتى من غير المحسوبين على أطراف النظام المتصارع. وهذا الصراع يشكل مظلة للفاسدين للاحتماء بهذا الطرف أو ذاك. هذه الحالة ستظل مستعصية ومستمرة باستمرار هذا النظام القديم الجديد، لأن الثورة لم تستطع أن تنسف النظام بجذوره من الأسفل إلى الأعلى لصنع التغيير الجذري، بل اكتفت وتماهت مع التغيير المطلوب لنصف النظام وعملت من فوق (حسب الطلب بعد التهام الثورة) بإسقاط رأس النظام وتركت الأسفل منه بأدواته ومفاعيله يترسخ ويكتسب المناعة، كون الصراع لم يكن ثوريا أو طبقيا بل كان صراع قوى ومصالح بين طرفي السلطة ولا يخدم المصلحة الوطنية، لأن الصراع الحقيقي الذي يقوده الشباب المستقل قد تم احتواؤه من قبل شريك السلطة الرئيسي بالاستفادة من صفته الحزبية والدينية والقبلية التي وسعت مساحته في الثورة ومن ثم في السلطة الجديدة، نتيجة لذلك ستبقى الفترة الانتقالية التي رسمتها المبادرة الخليجية هي فترة رخوة وسائلة ومتميعة تتشكل وتنزاح مع سير وتوجهات الرموز والقوى المستفيدة والموجهة لعملية التحول السياسي الجديد. لذا يبدو من الصعب إتمام تنفيذ بنود المبادرة الخليجية أو إنجاز المرحلة الانتقالية بسلام يضمن الانتقال إلى المرحلة الجديدة كمرحلة تقترب من أهداف الثورة، فالمبادرة الخليجية فرضت إعادة البناء للوضع السياسي في البلد وفي هيكل الدولة بصورة مشوهة في محاولة للخروج من الأزمة، بينما الأزمة الحقيقية تكمن في البنية السلطوية والثقافية في المجتمع، والحل المعتمد على المبادرة الخليجية يزيد من تعقيدات الأزمة ولن يحقق أي انتقال أو تغيير تدريجي سليم يفضي إلى مستقبل منشود، بل ستعود الأزمة وتتكرر بصورة مختلفة بين مرحلة وأخرى.
لم يستطع النظام السابق إبطال مفاعيل الصراعات بين الجماعات المتنافرة في المجتمع أو بين القوى والأحزاب المختلفة، بل اشتغل كثيرا في الحفاظ عليها، وأحيانا تأجيجها والعمل على لعبة التوازنات لتدمير المجتمع وإضعافه من أجل استمرار السيطرة عليه، ولم تتغير الحالة كثيرا بعد الثورة حيث يلاحظ الإصرار في المحافظة على البنيات التقليدية والقبلية والطائفية بكل تنويعات ولاءاتها وتشظياتها، فهذه كانت صفة التعامل للنظام السابق مع مكونات وإرث المجتمع وأصبح اليوم كذلك لأجل إعادة المسلسل القديم في التعامل مع التنوعات المجتمعية وهي نفس ثقافة وسلوك النظام القديم وما حصل بعد الثورة تغيير هش باسمها واخترع له اسم التغيير أو التحديث أو المواكبة والمعاصرة والدولة المدنية، هو في الأساس حالة هيمنة جديدة وسلطة تقليدية مستجدة انسلخت من شقيقتها، ودخلت معها في مرحلة انتقالية وحكومة وفاق وطنية، وهي استقرار موهوم ومؤقت وحقيقته لا يتجاوز دفن الخلافات لتبقى أسباب الصراع تحت السطح وتأجيل انفجارها.
فالخوف الذي فرض الاستقرار المزعوم معتمل من قبل الخارج، والحقيقة أن الخارج لا يصنع الاستقرار لأنه لا يعلم بكل أسرار الداخل ومشاكله وتعقيداته، وتدخله جاء نتيجة لعدم وجود تفكير جدي وصادق لبناء وطن ومستقبل، لأن الكل ينظر إلى الخارج ويخاف مراقبة الخارج ويعول على الخارج ويتنازل لأجل الخارج، ولا ندري ما هي العقدة المصاب بها الشعب اليمني خاصة رموزه المتصارعة، إنه ضعف الإرادة وذاتية التفكير وتسطح القيم، إنه في الدين الرياء أو الشرك الأصغر نتيجة لاستعظام وتبجيل الآخر الأجنبي، لكن أن يكون هذا من قبل الجناح الذي حصل على نصيب الأسد في السلطة الجديدة وصاحب السطوة والهيمنة الجديدة باسم التوجه الديني المدعوم خارجيا وغربيا كتوجه إسلامي في اليمن كما هي البلدان العربية التي حدثت فيها ثورات الربيع العربي قد أوقع رموز التوجه الديني في النفاق نتيجة للبرجماتية والذرائعية المتطرفة التي تؤمن بتحقيق الفائدة والنتيجة العملية النفعية المتجاوزة القيم والمقومات على الواقع. هذه العملية السياسية الجديدة
هي المحرك الفعلي لواقع اليوم في المرحلة الانتقالية من هي السلطة الجديدة في المرحلة الانتقالية؟
إنها نفس السلطة القديمة (سلطة ومعارضة) ولكن بتحوير بسيط، مع بعض الفرز الذي تم به إبهات دور بقية أعضاء المشترك، النصف الأول في النظام القديم كان في المقدمة، وبعد أن ضيق السلطة لصالحه وتمحور على العائلة والعشيرة والموالين، خسر بهذه الاستراتيجية محوريته في السلطة بعد أن حاول تهميش بعض جذور القبيلة وأركانها فتحول إلى فرع في السلطة، وتحول الآخر في المرجعية القبلية والذي كان يعمل تحت يافطة المعارضة إلى سلطة رئيسية مع تمدد نسبي قبلي وشعبي تحت غطاء ايديولوجي، بالاستفادة من تجربة إخفاق الشريك في السيطرة والهيمنة السلطوية نتيجة المطامع والاستئثار الأسري بالسلطة، إذاً حزب التجمع اليمني للإصلاح هو الواجهة الرئيسية في السلطة الجديدة كونه اعتمد على التوسع فحصل على قوى تساندية جديدة ويعمل تحت الغطاء الديني على توسيع قاعدته، لكن بقيت رموز الحزب هي نفسها، ونهم التنافس والتوسع أدى بحزب الإصلاح إلى أن يكون حزبا عسكريا سياسيا وقبليا، وهي تركيبة خارج المألوف لأي نشاط حزبي متعارف عليه. في هذه الحالة لم نكن أمام حزب ولكننا أمام تكتل يقوده حزب، والخطورة ليست بالحزب حين يتمثل نشاطاً سياسياً في إطار النشاط العام في البلد أو تأطير مكونات اجتماعية أو توسيع قاعدته الاجتماعية، لكن الخطورة الكبيرة تكمن في النشاط العسكري، كون حزب الإصلاح يعتمد على أذرع عسكرية وجماعات قبلية مسلحة وكذلك جماعات تنظيمية دينية مسلحة تخضع لقيادة الحزب، ولا يكون مثل هذا التكوين أشبه بشكل ومضمون جبهة مسلحة ويسعى إلى السلطة لذا فهو لا يلتزم بقواعد اللعبة السياسية التي جرى الاتفاق فيها على إنجاز المرحلة الانتقالية والخروج من الأزمة. إن ما ساعد على تفرعن وتضخم حزب الإصلاح هي البيئة التي نشأ فيها في مرابع الديار الأولى، فخرج متمرسا ومحترفا لكل أساليب النظام القديم، بل ويفوقه في الدهاء، وصل إلى السيطرة والغلبة عليه ليحل محله. كذلك ما ساعد على فرض مستوى الهيمنة والتأثير على مجريات الأحداث والوصول إلى درجة الفعل والقرار في هذه المرحلة، هو بقاء النظام السابق كله سليما معافى فعاد للمشاركة في السلطة، لكن برجماتية حزب الإصلاح ألهمت ذهنيته وإدراكه بالمحافظة على النظام السابق، وهو ما أكده أعلى شخص في الإصلاح بأنهم حريصون على بقاء حزب المؤتمر الشعبي حتى ولو اشترطوا بقاؤه من دون رئيس الحزب، فحزب المؤتمر هو النظام السابق.. فهل سمعتم في العالم بثورة تقوم وتحرص على بقاء النظام لا تستثني شخصاً إلا لحاجة في نفس يعقوب أو أنها ثورة شخصية لأن النظام هو من قام بالثورة ضد أشخاص وليس ضد جذور ومؤسسات، وهم أرادوها كذلك، ولكن في الحقيقة أن بقاء النظام السابق سيكون الضمانة الأكيدة لبقاء النظام الجديد وبقائهم يضمن عدم تقدم شركائهم عليهم، وهو نفس الأسلوب الذي كان يناور به ويستخدمه الأب الروحي للنظام القديم عندما استمر في تخويف أمريكا بتنظيم القاعدة وظل يوسع نشاطها في المحافظات الجنوبية عله يضمن بقاءه في السلطة، وما زالت أساليب نفس اللعبة تمارس اليوم من قبل الإخوان الذين يعملون في الخفاء، ولا نعرف ما النتيجة التي ستظهر بعد هذه المرحلة الانتقالية.. المأساة الكبرى أن هذه القوة الغالبة في هذه المرحلة تمارس الخداع باسم الحرص على الوطن والمصلحة الوطنية منهم براء، ولو صدقوا مرة واحدة فليتركوا للشباب المنهك في ثورته الفرصة في توجيه ثورتهم، وليس هناك ضمانة حقيقية لتحقيق أهداف الثورة إلا بهؤلاء الذين لم تدنس عقولهم وقلوبهم بالمطامع وهي الضمانة الأكيدة لإزاحة النظام الجديد القديم والدخول في مرحلة بناء وطني حقيقي لمستقبل مشرق، ولكن لا حياة لمن تنادي .
والله الموفق
المصدر/صحيفة الوسيط