أخبار وتقارير

الجماعة بين الأداة والبديل .. قراءة في حدود وتداعيات السياسة السعودية على قوى الإسلام السياسي .. د. ناصر محمد ناصر

يمنات
صدر في الآونة الأخيرة قرارين من قبل السلطة السعودية هما قرار تجريم الدعوة إلى القتال وقرار اعتبار قوى الإسلام السياسي بمن فيها جماعة الإخوان المسلمين جماعة إرهابية. والأسئلة المطروحة هنا هل من نقلة في السياسة السعودية؟ وما هي حدود وتداعيات وآثار هذه السياسة على قوى الإسلام السياسي؟ فإلى التحليل التالي:
كانت قوى الإسلام السياسي بما فيها الجماعة عبارة عن أداة في يد السياسة السعودية وحلفائها الغربيين، تم استخدامها ضد المشروعين القومي والشيوعي من ستينيات القرن المنصرم، ولكن حدثت ثلاثة تغيرات إستراتيجية مهمة أفضت في نهاية المطاف إلى وجود تباين في السياستين السعودية والغربية تجاه هذه القوى، وهذه التغيرات هي انهيار المشروع القومي العربي عام 1967م وانهيار المشروع الشيوعي عام 1989م، وتحول قوى الإسلام السياسي اعتباراً من عام 2001م من وضعية التحاف إلى وضعية المواجهة مع الغرب الحلفاء التقليديين للملكة. هذه التطورات أدت إلى بلورة سياسة أمريكية مؤداها أن لا جدوى من دعم أنظمة فاسدة لا تحظى بشعبية بين شعوبها، وأنه لا توجد بدائل اجتماعية حداثية لهذه الأنظمة يمكن الرهان عليها، وأن لا قبل للولايات المتحدة وحلفائها بخوض حروب بعيدة المدى ضد قوى الإسلام السياسي، وأن من الأجدى التمييز بين الإسلام الجهادي والإسلام السياسي الذي يقبل التعامل مع الغرب، والعمل على التفاهم مع الثاني وفتح الطريق أمامه للوصول إلى السلطة وإيكال مسألة التعامل مع الإسلام الجهادي إليه باعتباره البديل الواقعي القادر على القيام بهذه المهمة الصعبة والكلفة، وعلى الإسلام السياسي حينها آن يدجن الإسلام الجهادي أو أن يتولى مواجهته نيابة عن الغرب. وفي إطار هذه السياسة وصل محمد مرسي وجماعته إلى قمة السلطة في أكبر دولة عربية هي مصر في منتصف عام 2012م،
الأسرة السعودية التي تُعد جبهتها الداخلية تحت هيمنة رجال الدين والتي أخفقت في تحديثها رغم أن عدد المبتعثين السعوديين إلى الجامعات الغربية يصل إلى نحو 148 ألفاً يعود نحو خمسهم سنوياً، رأت في النقلة الأمريكية والغربية بالجماعة من وضعية الأداة إلى وضعية البديل خطراً ماحقاً على نظامها الملكي، فوصول الجماعة إلى سدة الحكم في محيطها العربي سيشجع الجماعة في السعودية على الثورة والتمرد الأمر الذي سيؤدي إلى تقويض نظامها الملكي، فالأسرة السعودية تريد للجماعة أن تبقى في حدود الأداة وألا تتجاوز هذا الدور بأي حال من الأحوال.
و في هذه الحدود نفهم تفاني الأسرة السعودية وبقية الأسر الحاكمة في الخليج باستثناء أسرة آل ثاني في قطر في العمل الدؤوب على الإطاحة بحكم الجماعة في مصر، ونفهم مغزى القرارين السعوديين بتجريم الدعوة إلى القتال واعتبار الجماعة جماعة إرهابية..
وعليه فما من نقلة في السياسة السعودية، فالسعودية لا تريد اجتثاث الجماعة وإنما تريد زحزحتها من وضعية البديل وإعادة موضعتها في وضعية الأداة، وقد نجحت في ذلك، فالولايات المتحدة وحلفائها بعد فشل تجربة الجماعة في مصر نحوا بالجماعة من موقع البديل إلى موقع الأداة وباتوا يراهنون اليوم على ائتلافات وطنية لا يكون الغلبة فيها لفصيل بعينه. ومن ثم لا ينبغي أن نتوقع من الأسرة السعودية أن تستهدف فكر الجماعة في قطاعات مهمة مثل التعليم والإعلام فالهدف هو التحجيم وقد تم، ولن تسمح بالمقابل للقوى الحداثية المناهضة للجماعة أن تنتظم في كيانات مؤسسية نقابية ومهنية فضلاً عن حزبية، إن مأزق النظام السعودي الذي وصل إلى مرحلة الشيخوخة والذي لا يريد المشاركة من أي كان هو أنه يريد إضعاف وتحجيم قاعدته الاجتماعية التقليدية التي يرتكز عليها، ولا يريد في الوقت نفسه إحداث نقلة بالارتكاز على قاعدة اجتماعية حداثية لإدراكه أنها لا تقل خطورة عليه من نقيضتها التقليدية. وما أراه في الأفق البعيد هو أن كلا القوتين الاجتماعيتين التقليدية والحداثية سوف تتحالفان في نهاية المطاف للإطاحة بالنظام. فسد طرق التغيير من كل الاتجاهات أمر يتناقض مع طبيعة ومنطق الأشياء.

زر الذهاب إلى الأعلى