رسائل الأسد التي وجهها بإجراء الانتخابات التشريعية في موعدها .. ولماذا ايدها الروس بعد “تلكؤ”..؟
14 أبريل، 2016
379 11 دقائق
يمنات – رأي اليوم
توجه ملايين الناخبين السوريين الى سبعة آلاف مركز اقتراع في 13 محافظة من اصل 15 (باستثناء ادلب والرقة)، للإدلاء بأصواتهم في انتخابات مجلس الشعب (البرلمان)، وانتخاب 250 عضوا من بين 3500 مرشح، يؤكد ان الضغوط الغربية التي مورست على الحكومة السورية لإلغاء هذه الانتخابات لانها لا تتم وفق “عملية فيينا” للمفاوضات وتحت اشراف الامم المتحدة بالتالي، لم تعط اؤكلها، وان هذه الحكومة مصرة على المضي قدما في تحديها للقوى التي تريد اسقاطها، سلما او حربا، والتأكيد على تثبيت شرعيتها في الشارع السوري، وصمود مؤسسات الدولة.
هناك موقفان يمكن اخذهما بعين الاعتبار لمعرفة المواقف الدولية تجاه هذه الانتخابات:
الاول: الموقف الروسي الذي عبرت عنه السيدة ماريا زاخاروفا المتحدثة باسم وزارة الخارجية، وقالت فيه “ان الانتخابات هذه عامل مهم لتحقيق الاستقرار في البلاد”، وهذه مباركة علنية رسمية لها.
الثاني: موقف مشكك بشرعيتها عبر عنه المتحدث باسم الخارجية الفرنسية رومان نادال الذي قال “انها تمت من دون حملة انتخابية فعلية، وتحت اشراف نظام قمعي، ومن دون مراقبة دولية”، وتابع قائلا “ان المدعويين للمشاركة هم سكان منطقة محدودة في حين استبعد منها ملايين السوريين النازحين او اللاجئين الى الخارج”.
هذان الموقفان، الروسي المؤيد، والفرنسي المشكك، متوقعان، ويعكسان الخريطة الدولية تجاه الازمة السورية، ولكن يظل دعم روسيا، الدولة العظمى التي تلعب دورا كبيرا في التفاهمات التي جرى التوصل اليها مع امريكا حول الملف السوري، على درجة كبيرة من الاهمية، لان هذا الدعم جاء مفندا لتسريبات عدة، تؤكد ان موسكو تعارض اجراء هذه الانتخابات، وتعتبرها خروجا عن نصوص عملية فيينا ونقاطها التسع الرامية الى التوصل الى حل سياسي.
لا نجادل في هذه الصحيفة “راي اليوم” في ان اكثر من خمسة ملايين سوري على الاقل لم يشاركوا في هذه الانتخابات لانهم يتواجدون كلاجئين في دول الجوار (الاردن، لبنان، تركيا، العراق، اوروبا)، مثلما ذكر المتحدث باسم الخارجية الفرنسية، الامر الذي سيجعل مجلس الشعب المقبل المكون من 250 نائبا لا يمثل كل شرائح الشعب السوري، كما ان غياب رقابة دولية، او حتى مستقلة لهذه الانتخابات، يفقدها الكثير من معايير النزاهة، لكن يجب الاعتراف في الوقت نفسه بأن الوضع الراهن في سورية ليس مثاليا، فالبلاد تعيش حالة من الحرب، والحكومة محاصرة عربيا ودوليا، ومن غير المعتقد ان تقبل مؤسسات دولية الاشراف على اي انتخابات في حالة دعوتها، وهذا لم يحصل على اي حال.
الامر المؤكد ان الانتخابات الحالية لن تأت بنتائج مختلفة عن انتخابات سابقة قبل عامين او عشرة، بل تكرار لها، وسيفوز حزب البعث بالنسبة الاكبر من المقاعد، مع ترك نسبة محدودة لأحزاب المعارضة المرضي عنها، ولو جزئيا، من اجل تحسين الصورة، وتقديم الوان اخرى تكسر حدة اللون البعثي، الاكثر طغيانا.
كان لافتا ان الرئيس السوري بشار الاسد والسيدة حرمه مارسا حقهما في التصويت، وذهبا الى مركز اقتراع اقيم في مكتبة الاسد، مما يعني انهما لا يعيشان تحت الارض، مع التسليم بوجود اجراءات امنية مشددة، وهذا امر طبيعي ومنطقي بفعل ظروف الحرب، ووجود اكثر من عشرين جهاز مخابرات، ان لم يكن اكثر، تخطط لاغتيال الرئيس، وقد عبر عن ذلك صراحة السيد محمد علوش، رئيس وفد المعارضة المفاوض في جنيف، عندما قال في زلة لسان عفوية ان الرئيس الاسد سيغادر السلطة حيا، عبر الحل السياسي او ميتا.
الرئيس السوري ادلى بتصريحات عديدة بعد ادلائه بصوته، ولكن اهم ما ورد فيها، في نظرنا، هو قوله “الارهاب فشل في تدمير البنية الاجتماعية للهوية الوطنية السورية”، فالرسالة الاهم المراد توجيهها من خلال هذه الانتخابات هو ما عبرت عنه صحيفة “البعث” في افتتاحية عددها الصادر اليوم بقولها “الانتخابات معركة للتعبير عن صمود مؤسسات الدولة”.
صمود هذه المؤسسات، رغم التحفظات العديدة عليها، طوال السنوات الخمس الماضية من عمر الازمة، هو الذي غير مواقف الكثير من الدول الغربية، وعلى رأسها الولايات المتحدة، من المطالبة بإسقاط النظام ومؤسساته، الى القبول بهذه المؤسسات، وعلى رأسها الجيش العربي السوري، لتلافي تكرار التجربة الليبية، ومن قبلها العراقية، واشراكها في الحرب على “الارهاب”.
عدم اعتراف الغرب والمعارضة السورية المدعومة منه بهذه الانتخابات ونتائجها متوقع، وغير مفاجئ، فهي لا تعترف بالنظام كله في الاساس، ولكن اجراءها، ورغم المعارضة الشديدة لها، من الشرق والغرب، وقبل الجولة الثالثة من بدء مفاوضات جنيف يظل رسالة طابعها التحدي والعناد والتمسك بالحد الادنى من القرار السيادي المستقل، اختلف البعض مع النظام او اتفق.