لماذا لم يستمع كيري إلى مطالب السعودية ومصر بقصف إيران؟
20 فبراير، 2018
433 9 دقائق
يمنات
ما يُميّز النّدوات والمُؤتمرات الأمنيّة والسياسيّة التي تنعقد في عواصِم ومُدن غربيّة عن نَظيراتها العربيّة، أن الأولى تَحفل دائِمًا بالأسرار وكَشف المَواقف والحقائق حول مَحطّات تاريخيّة مُهمّة، وعلى لِسان مَسؤولين كِبار سابِقين في مُعظم الحالات، بينما تَكون الثانية مُجرّد استعراضٍ باذِخ للإمكانيّات الماليّة، وتَخفيض سَقفْ الصّراحة والمَوضوعيّة إلى الحُدود الدنيا، بحَيث يكون أقرب إلى القاع، وإن كُنّا لا نُعمّم هُنا، ونَعترف بأنّ هُناك استثناءات، ولكنّها قليلةٌ ونادِرة.
نَسوق هذهِ المُقدّمة الضروريّة، للحَديث عن “المُفاجأة” التي فجّرها يوم أمس الأحد جون كيري، وزير خارجيّة أمريكا السَّابِق، وتمثّلت في كَشفِه عن مُطالبة زعيمين عربيين، هُما العاهل السعودي الراحل الملك عبد الله بن عبد العزيز، والرئيس المِصري حسني مبارك، بقَصف الحُكومة الأمريكيّة (في زَمن باراك أوباما) لإيران وتَدمير برامجها النوويّة التي كانوا يَرون أنّها تُشكِّل خطرًا على المِنطقة.
الوزير كيري وثّق ذلك في مُداخلته في مُؤتمر الأمن السنوي في ميونخ، وقال أن هذا الطلب جاءَ أثناء زِيارته للمِنطقة في أيلول (سبتمبر) عام 2013، وأن إدارته التي تفهّمت هذا القَلق ردّت بأنّ “طِهران بدأت تَخصيب الوقود النَّووي بالفِعل، وأن الضَّربة العَسكريّة لن تُوقِف هذا التطوّر”.
اللافت أن القادة العَرب يَتعاملون مع القِوى العُظمى بأنّها مِثل “كِلاب الحِراسة” يَستطيعون، بما يَمْلِكون من قُدراتٍ ماليّةٍ، أن يأمروها فتُطيع دُون تردّد، مُتناسين أنّها دُولٌ مَحكومةٌ بمُؤسّساتٍ دِيمقراطيّة، وقَضاءٍ قويّ، وصِحافة حُرّة، ومُحاسَبةٍ برلمانيّة.
تعاطي الإدارة الأمريكيّة السَّابقة مع المَلف النووي الإيراني الذي ارْتكز على آليّة الحِوار كان الأكثر نَجاعةً، والأقل تَكلِفة، لأنّه استطاع وَقفْ عمليّة التَّخصيب الإيرانيّة لعَشر سنواتٍ على الأقل، وتَجنيب العالم الحرب التي ربّما كانت سَتُدمّر المِنطقة، وتُؤدّي إلى قَتل مِئات الآلاف من الضَّحايا الأبرياء.
نصيحة الوزير كيري لأوروبا والعالم بالتمسٍك بالاتفاق النووي مع إيران الذي أبْرمته القِوى العُظمى عام 2015 جاءت في مَحلّها، ومن شَخصٍ خبيرٍ مِثله، هَندسه، وشارك في جميع جولات المُفاوضات لإنجازه، لأن البَديل الذي يَسعى إليه، ويُحرِّض عليه، بنيامين نتنياهو، ويَجد أصداءً إيجابيّةً لدى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وإدارته، يَعني الدَّمار.
الأوروبيون يتّفقون في مُعظمِهم، إن لم يَكُن كلهم، مع الوزير كيري، والتّقرير الذي أعدٍه وقَدّمه الخُبراء العامِلين في المُؤتمر، حَذّر من أن العالم يَقِف على حافّة الهاوية، وأن الرئيس ترامب وسِياساته يُعجّلان بالدَّفع بِه نَحوها.
نتنياهو هدٍد في خِطابه أمام مُؤتمر ميونخ بأنّه لن يُهاجم وكلاء إيران في المِنطقة، وإنّما إيران نفسها “إذا لَزِمَ الامر” مُلوّحًا بِقطعةٍ من حُطام طائِرةٍ بدون طيّار أسقطتها صواريخه في أجواء فِلسطين المُحتلّة، ومن المُؤكّد أن هذا التّهديد سَيكون له وَقع الموسيقى على آذان بعض الزُّعماء العَرب، وفي الخليج خاصّةً، الذين يَرون في إسرائيل حليفًا، وليس عَدوًّا، ولكن نتنياهو لن يُنفّذ تهديده، الذي أطلقه للمرّة الأولى قَبل أربع سنوات، لأنّه يُدرِك جيّدًا أنّه سَيدْفَع ثمنًا غاليًا جِدًّا إذا ما أقدم على هذهِ الخُطوة.
الوزير كيري كان مُصيبًا في اعتقاد هذهِ الصحيفة “رأي اليوم” عندما اخْتتم مُداخلته بالقَول “نعلم كيف يبدو العالم بدون الاتّفاق النووي.. ولكنّنا نَعلم أيضًا أنّه سيكون مكانًا أفضل بوجودِه”.
كُنّا نتمنّى لو أن كيري وجّه نصيحة إلى الزُّعماء العَرب، والذين يَقرعون طُبول الحَرب ضد إيران خاصّةً، بأن عليهم أن يمتلِكوا عناصر القُوّة والرَّدع الاستراتيجي الذَّاتي أوّلاً، ليكون قاعِدة انطلاق نحو الحِوار والتوصّل إلى اتفاقاتٍ تُجنّب المِنطقة الحُروب تمامًا مِثلما فعلت الدُّول السِّت العُظمى، وإذا لم يَقلها هو بعَظمة لِسانه، نقولها ليس نِيابةً عنه، وإنّما عن مصالِح أمّتنا، وكُل شُعوب المِنطقة.