أسئلة بلا إجابات
يمنات
عبد الباري طاهر
أربعة أعوام والحرب الأهلية المتداخلة أو المدغومة بالحرب الخارجية تراوح بين انتقالها من موقع لآخر، واشتدادها هنا وخفوتها هناك بدون «حسم» أو «أمل» لمشعليها يوسع دائرة الحرب، ويعقد الأمور أكثر.
تَداولَ 3 مبعوثون أمميين المهمة، ويجري الترحيب بهم، ويتفاعل الناس، ثم تكون الإعاقة، وتشتد خيبة الأمل!
منذ بدء الحرب يجري الحديث عن 10 آلاف قتيل و3 ملايين مشرد، وتخفى أو تُغيب جرائم الحرب التي تدمر الوجود اليمني برمته، كما تغيبُ الأرقام الحقيقية للضحايا.
الحرب تدمر الموارد البسيطة والمحدودة. فعائدات النفط لا حديث عنها، والغاز الغائب الأكبر. يُعطَّل كل شيء في الحياة، ويدمر الإنسان اليمني؛ فلا عمل، ولا زراعة، ولا اصطياد في مناطق عديدة؛ فمعظم مناطق البحر مغلقة على أبناء تهامة بسبب الحرب والقصف الجوي المتواصل للطيران السعودي والإماراتي.
التجارة مشلولة، والصناعة والمصانع دُمِّرت وتوقف نشاطها، وأَغلقت البيوتات والمؤسسات والشركات التجارية أبوابَها. التعليم تعطل تماماً؛ فالمدارس بالمئات والآلاف مغلقة.
أطفال دون السن القانونية للصلاة أو التكاليف يجري تجنيدهم والزج بهم في الحروب. لا مناهج، ولا كتاب مدرسي، ولا مدرسين. المواد الغذائية معدومة، والأسعار خرافية. الفقر أهلك الغالبية من السكان، والأوبئة الفتاكة التي اختفت من العالم تنتشر الآن في اليمن طولاً وعرضاً. مئات الآلاف من الموظفين وأسرهم الذين يعدُّون بالملايين بدون مرتبات. طُبِعتْ العملة بدون غطاء أو إنتاج؛ ففقدت جل قيمتها.
اليمن- كل اليمن- في حالة مجاعة شاملة تطال أكثر من 80 %. «الشرعية» غارقة في الفساد حتى شحمة الأذن، وسلطة الأمر الواقع لا هم لها غير «التفيد»، والنهب والقمع. «التحالف العربي» حريص على إطالة أمد الحرب قدر حرصه على تدمير اليمن، وتعطيل موانئها، واقتطاع جزرها، والأراضي المتاخمة له، وحربه على اليمن لا يختلف عن حرب بوش الابن على العراق، وتوعده بإعادته إلى ما قبل التاريخ.
أطراف الحرب حريصون على العودة باليمن إلى مكوناتها الأولى. فملايين الفلاحين تصحرت أراضيهم، وهلكت مواشيهم، ودُمِّرت قُراهم؛ ليصبحوا لاجئين داخل بلدهم، والعمال بلا أعمال ولا ملاذ ولا مأوى. «المدكنون» وأصحاب المهن والحرف فقدوا زبائنهم وعملهم. تجار الحروب صادروا أعمال وأنشطة واسم التجار؛ ليصبح التاجر الوحيد هو المتاجر بالحروب. تم السطو على مجالات العمل كلها؛ ليصبح المجال الوحيد المفتوحة أبوابُهُ «الحرب»، الحرب وحدها.
بعد مضي ما يقرب من أربعة أعوام، وانكشاف زيف دعاوى «التحرير» والسيادة والاستقلال، وتبين نتائج عواقب شعارات خفض الأسعار، وتفشي الفساد والاستبداد، وبعد كذب «عاصفة الحزم»، وخيبة الأمل من «عاصفة الأمل» – نتساءل: كيف تكون النهاية، وهل لهذه الحرب من نهاية؟ هل يمكن إيقاف الحرب؟ ومن سيوقفها؟ هل الأطراف المتحاربة مستعدة للوصول إلى حلول سلمية؟ أم أنَّ هذه الأطراف لا مصلحة لها في السلام أصلاً. فالحرب تحقق لهذه الأطراف مكاسب تريدها.
الشعب اليمني- جل الشعب اليمني- ضحية هذه الحرب الإجرامية. المناطق والمدن التي دمرتها الحرب في الجنوب لا تزال كما هي، وبالأخص مدينة عدن. تذهب قيادة التحالف: السعودية، والإمارات للمهرة وسقطرى البعيدتين عن بؤرة الصراع- بمزاعم إعمارهما، وتفرض السعودية وجوداً عسكرياً في مناطق حضرموت. تشتعل الحرب في صرواح عدة أيام ثم تهمد؛ لتشتغل- وبقوة- في نهم. تنطفئ في المنطقتين؛ لتشتعل في مناطق أخرى: البيضاء، تعز، وصعدة، والجوف؛ إنها حرب تدمير كاملة وشاملة بامتياز.
في الشهور الأولى من العام 2015 رمت السعودية بكل ثقلها في جبهة حرض وميدي. لقد دمرت الحرب المدينتين؛ لتنتقل باتجاه «تحرير المخا» من قبل قوات تمولها الإمارات، وكل ما جرى هو تعطيل ميناء المخا- أهم الموانئ وأقربها إلى تعز وإب وجوارهما.
تحُاصر مدينة المدن اليمنية- تعز- لما يزيد على ثلاثة أعوام، وتقاوم المدينة وأبناؤها- ببسالة منقطعة النظير- محاولات صالح و«مليشيات أنصار الله» لاقتحامها، وتبقى المدينة محاصرة من الخارج بـ«أنصار الله»، ومن الداخل بـ«مليشيات» تابعة لأحزاب كبيرة ولقوى «التحالف». لا تحتاج تعز لفك الحصار غير عدم تشجيع الانقسامات والتصارع بين «المليشيات»، ودعم قوات الجيش الوطني غير المنحاز لهذا الطرف أو ذاك.
بقاء مدينة تعز في أسر الحصار و«المليشيات» الداخلية يثير الريبة والشك في أهداف أطراف هذه الحرب التدميرية. ففك الحصار عن تعز سيمتد أثره الفاعل والحي إلى أكثر من محافظة في الشمال والجنوب، ويؤشر أيضاً إلى مدى مصداقية القبول بالوحدة اليمنية، وبخيار الدولة الاتحادية الديمقراطية ومخرجات الحوار والقرارات الأممية.
لعدة أسابيع يقود «التحالف» حملة عسكرية قوية ومعززة بعشرات الآلات العسكرية الحديثة، وبأكثر من 15 ألف مقاتل، وتعسكر الأباتشي في سماء تهامة، وتقصف كل ما يتحرك، ويطال قصفها الأحياء السكنية والمدنيين الآمنين والطرقات، ويُفرض الحصار على حركة النقل والحركة؛ لغرض تسليط المجاعة على سكان 11 محافظة تضم أكثر من 20 مليوناً.
النازحون من الحديدة عشرات الآلاف، وقد يصلون إلى نصف مليون. وعملياً مواطنو تهامة نازحون داخل مدنهم وقراهم ووديانهم.
الحرب في تهامة تدمر حياة 12 محافظة تضم أكثر من 20 مليوناً. أما أهل تهامة، فالحرب الإجرامية تطال أكثر من 7 ملايين كلهم محرومون من حق الاصطياد، وتَعطلَ الميناء- الشريان الحي للملايين-، وتعطل الزراعة في أكبر وديان اليمن وأكثرها خصوبة وإنتاجاً.
الحرب الأهلية مدخولة ومفتوحة أمام الحرب الإقليمية التي تحول حرب «الإخوة الأعداء» إلى ما يشبه لعب أطفال؛ فهي حرب مركبة يتمازج ويتداخل فيها الأهلي بالإقليمي. صحيح أن قدرات «التحالف» كبيرة، ولكنها لا تستطيع ولن تستطيع تحقيق الحزم أو الأمل. فالحرب في اليمن دمرت وتدمر اليمن أرضاً وشعباً وتعيده إلى العصور الوسطى وأسوأ من ذلك. ودعوى الحق الإلهي مستحيل انتصارها أيضاً؛ لاستحالة قبول اليمن واليمنيين لولاية السيد أو مبعوث العناية الإلهية، أو الوارث والوصي على مصائر الناس.
«الشرعية» أكلتها الحرب؛ فغدت بلا شرعية ولا مشروع. أطراف الحرب يتسابقون على اقتراف الجرائم؛ حيث تقدم سلطة الأمر الواقع في صنعاء صحافيين مختطفين لأكثر من 3 أعوام للتحقيق، ويقوم طيران «التحالف» بقصف إذاعة الحديدة (الهدف المدني الإعلامي)، ويقوم «الحزام الأمني» بمصادرة صحيفة «أخبار اليوم» في عدن.
يفشل المبعوث الأممي في ترتيب لقاء تشاوري. تتكرر المحاولة لجمع أطراف الحرب للتشاور؛ فهل تنجح المحاولة؟
ارتباط الحرب في اليمن بما يجري في البلدان العربية قوي، فاستقرار الأوضاع في العراق، وانتصار النظام السوري وحلفائه على القوى المناوئة- له علاقة بالتصعيد هنا، وما يجري في إدلب غير معزول عما يجري في اليمن، وتحديداً في الحديدة.
أطراف الحرب الإقليمية قد يقبل بعضهم ببعض، ولكنهم لا يقبلون بثورة شعبية سلمية؛ فالثورة الشعبية السلمية هي العدو الرئيس لإسرائيل، ولكل أنظمة الاستبداد العربي والإقليمي وحلفائهم الدوليين.
المصدر: العربي
للاشتراك في قناة موقع يمنات على التليجرام انقر هنا
لتكن أول من يعرف الخبر .. اشترك في خدمة “المستقلة موبايل“، لمشتركي “يمن موبايل” ارسل رقم (1) إلى 2520، ولمشتركي “ام تي إن” ارسل رقم (1) إلى 1416.