العرض في الرئيسةفضاء حر

ارشيف الذاكرة .. فشل ولكن ليس للأبد

يمنات

أحمد سيف حاشد

– ربما بديتُ فاشلا، بل و شعرتُ مليا بالفشل في لحظة ما، و ربما رافقني هذا الفشل سنوات طوال، و لكن ليس إلى الأبد .. فشلت في كتابة القصة، و لكني أعاود كتابتها اليوم في تفاصيل قصة حياتي .. فشلت في الشعر، و لكن أحاول اليوم اجترح أحد فنونه فيما اكتب على نحو مختلف .. فشلت في الحب و لكن ليس إلى الأبد .. حلمت أن أكون صحفيا و فشلت، و لكن عاودت السعي في تحقيق الحلم، و صار لي صحيفة و موقع اخباري .. لا يستطيع الإنسان كما يقول الروائي البرازيلي “باولو كويلو” أن يتوقف أبدا عن الحلم، و الفشل من وقت إلى آخر طبيعيا، و لكن الشيء الوحيد الذي لا يستطيع فعله المرء هو نسيان ذلك.

– أينما فشلتُ يظل الحنين جارف لما كنت أروم و أحلم، و النسيان غير ممكن .. أستعيد نفسي و أنفاسي، و أحاول أن أصبر بجلد و مغالبة، ثم أعاود مسعاي لتحقيق حلمي مرة و ثانية حتى يتم تحقيقه، أو أنال باع منه، و إن استولى الفشل على حلمي لسنوات طوال، لا أنساه حتى أنال من حلمي ما استطيع من الشرف، و إن نام حلمي من الإعياء و التعب استرخي و استريح ، ريثما تتبدل الأحوال، ثم يستيقظ و يثب في أول فرصة، و أعيد المحاولة كرة و كرتين، فيبدو ما كان مستصعبا أو مستحيلا قد أصبح ممكنا، أو رهن التحقيق..

– حلمت أن أكون قاضيا أو محاميا، فصرت قاضيا بالفعل لأكثر من خمس سنوات، ثم مدافعا عن حقوق الانسان و حرياته إلى اليوم .. تطلعت إلى الحصول على منحة دراسية في العلاقات الدولية أو العلوم السياسية، فلم تتاح لي الفرصة لأفعل، و لكن بعد سنوات طوال حصلت على شهادة الدبلوم في العلوم السياسية من كلية الاقتصاد في جامعة صنعاء..

– تطلعت أن أكون صوتا لهذا الشعب المقموع، فصرت نائبا له، و الأهم أنني لم أقايض صعودي بأي سقوط .. اقتحمت السياسية من وقت مبكر غير أن الأهم و كما أزعم أنني مارستها بأخلاق و سوية .. أعتقد أن ما مريتُ به من اخفاقات و فشل إنما هو من أعطى للنجاح قيمته الفذة و معناه الحقيقي، أو على حد تعبير الروائي الأمريكي ترومان كابوتي، فإن “الفشل هو ذلك البهار الذي يعطي النجاح نكهته المتميزة”.

– إنني أبحث عن تحقيق اسطورتي مهما كانت الكوابح و المعوقات، كما فعل “سنتياجو” في قصة “الخيميائي” لـ”باولو كويلو” .. “سنتياجو” الذي يتمسك بحلمه، و يغالب كل ما يحول دون تحقيق ذلك الحلم و المراد، و في نهاية المطاف يصل إليه .. أما أنا و حتى على فرضية عدم الوصول، فيكفيني شرف المحاولة .. اليوم حلمي و أمنيتي أن تتاح لي الظروف فيما بقي من أيامي القليلة، أن أكمل كتابة قصتي للناس و هي قصتهم في أول المقام.

***

– كنت في كل عدد انتظر يوم صدور صحيفة الراية بفارغ الصبر، ثم أفتش بصفحاتها بشغف كمن يبحث عن نفسه أو ولده الذي شرد منه؛ فإن وجده غمرته الفرحة، و سرت المسرة من محيّاه حتى أطراف أصابعه، و إن لم يجده اكتسحته الخيبة العارمة..

– كنت عندما أجد ما كتبته منشورا، و أقرأه للوهلة الأولى، استلذ به، و ربما تخامرني غيمة نرجسية، و عندما أكرر قراءة ما تم نشره مرات عديدة، و في أوقات متفاوتة، تتلاشى تلك الغيمة، و اكتشف مع كل قراءة عورها و أخطاءها التي تزداد؛ فنقص هنا كان ينبغي إضافته، و اضافة هنا ما كان داع لها، و جملة كان يفترض تأخيرها، و أخرى كان يتعين تقديمها، و عبارة كان بالإمكان تحسينها، و أشعر أن تلك القراءة المتكررة لو حدثت قبل النشر لكان ما كتبته أجمل و أرصن، إن لم يكن أقل عيوبا، و كان هذا يعني بالإمكان اشباع ما كتبت، ليس ليغدو أكثر امتلاء، و لكن ليغدو أقل أخطاء و مثالب .. و كنت عند النشر أشتري عدة نسخ للأرشفة و الحفظ..

– في لواء الوحدة كنت أشتري الصحف، و أتابع الأخبار، و أتمنى أن أعمل في الصحافة، و كانت رغبتي بالعمل فيها جامحة، و لكن تخصصي كان ليس له صله بالاعلام، و إنما له صلة بالتكتيك العسكري، و التدريب الناري، و العلوم العسكرية إجمالا، بعيدا عن تخصص الإعلام و الصحافة..

– كنت أساير رغبتي لتسويغ الانتقال من تخصص إلى آخر، و أحدّث نفسي: أحمد بهاء الدين خريج كلية الحقوق، و لكنه صار من ألمع الصحفيين الذين تولوا رئاسة تحرير العديد من الصحف و المجلات، مثل “صباح الخير” و “الأهرام” و “العربي” و “آخر ساعة” و “دار الهلال” .. عديدون هم الذين برعوا و احترفوا الصحافة بعد أن تركوا تخصصاتهم التي درسوها، و صار كل واحد منهم نجم مشهور و اسمه نارا على علم .. و في المقابل هناك خريجين من كلية الإعلام تركوا التخصص الذي درسوه، و صاروا نجوم في مجال آخر، و آخرون قاموا بأشياء مذهلة في مجالات غير تخصصاتهم، بلغت حد الاختراع..

– و ينطبق هذا أيضا على كثير من النجوم و الممثلين المشهورين، فمثلا أحمد مظهر هو في الأصل خريج الكلية الحربية، و صلاح ذو الفقار خريج كلية الشرطة، و فؤاد المهندس و محمود ياسين خريجي كلية الحقوق، و يحيى الفخرانى خريج كلية الطب، و عادل امام و سمير غانم و صلاح السعدنى خريجو كلية الزراعة، و دريد لحام خريج كلية العلوم قسم الكيمياء .. كثير ممن فشلوا أو تركوا تخصصاتهم، ذاع صيتهم و نجاحهم في مجال آخر..

– كان يتداخل لدي الاهتمام و البحث عن الذات بين القصة و الشعر و الكتابة السياسية .. كنت أبعث بما اكتب إلى صحيفة الراية عبر الملازم أول أحمد مسعد القردعي مراسل الصحيفة في اللواء، و كان هذا الزميل من العناصر النشطة و الجريئة و ذوي الطموح البالغ أيضا .. و بعد غياب و انقطاع دام طويلا بيننا، و ظن أنه شبع موتا، نشرت قبل عام صورة له أسأل عنه، فوجدته لازال حيا و لكنه لا يُرزق في التوجيه المعنوي بصنعاء..

– كنت أبعثت إلى صحيفة (الراية) التابعة لوزارة الدفاع في عدن ببعض الكتابات و المشاركات و مواضيع السياسية الدولية، و هذه الأخيرة على قلتها كانت تنشر كاملة دون تبعيض أو نقصان .. و لازلت أحتفظ ببعضها إلى اليوم بعد 36 عاما من نشرها.

– كنت أتابع أخبار العالم من أقصى الشرق إلى أقصى الغرب، و من القضايا الكبرى إلى أصغر التفاصيل .. اكتب عن التدخلات العسكرية الأمريكية كبيرها و صغيرها في حق الشعوب و الأمم، و فرض وصايتها و هيمنتها عقب تلك التدخلات .. أذكر أنني كتبت حتى على عن احتلال القوات الأمريكية لجزيرة “جرينادا” التي كنت حينها أتابع أخبار معركتها على مدار الساعة، و كأنها مسقط رأسي..

– كانت كتاباتي السياسية تحظى بالنشر، في الصفحة الرئيسية المخصصة للشؤون الدولية، و لازلت أذكر مقالين تم نشرهما احدهما تحت عنوان “على هامش التدخلات الأمريكية” و الثاني أيضا في نفس السياق تقريبا تحت عنوان “شر البلية ما يضحك” و الذي تناولت فيه المبررات و الذرائع المعلنة و الواهية للتدخلات الأمريكية و البريطانية في العالم، و التي من خلالها تفرض إرادتهما و وصايتهما على الشعوب و الأوطان بتلك الحجج و الذرائع، و ينطبق على كل منها مثل “عذر أقبح من ذنب”..

– اهتمامي هذا ربما كان يجعل العلوم السياسية و العلاقات الدولية من بين الخيارات التي أفكر فيها، بل و دفعني مثل هذا الاهتمام لاحقا إلى دراسة العلوم السياسية، و الحصول على دبلوم سياسة دولية بعد الجامعة، بالتزامن مع دراستي السنة الأولى أو الثانية في معهد القضاء العالي بصنعاء.

– أما رغبة الصحافة فظل حلم ينازع مسار حياتي، و أذكر أنني أول ما قرأت في الصحافة، كتاب “مدخل إلى الصحافة” في النصف الأول من عقد الثمانينات من القرن المنصرم، و بعد العام 2000صرت أتعاطى معها كواقع و حقيقة، أبتدأ برئاسة تحرير نشرة “القبيطة” أو صحيفة المجانين كما كان يسميها البعض، و حتى صرت مالكا لصحيفة خاصة “المستقلة” و موقع يمنات الإخباري، اللذين أشارك في تحرير بعض موادهما، حوارات و استطلاعات و لقطات و أخبار و تحرير بعض الصفحات.. و رغم أن ظروف الحال و الواقع تكالبوا ضدي أثناء هذه الحرب، و أردوا الإجهاز على ما تحقق من حُلم و رغبة، إلا أنني لازلت أقاوم، و لم استسلم للحسرة و الخسران، رغم أن ما يحدث قد بات كونيا و ليس فقط أكبر منّا .. و كان لمواقفي من أطراف الحرب و الصراع في اليمن كُلفته أيضا، و لازلت أدفع هذه الكُلفة إلى اليوم.

***

يتبع

للاشتراك في قناة موقع يمنات على التليجرام انقر هنا

لتكن أول من يعرف الخبر .. اشترك في خدمة “المستقلة موبايل“، لمشتركي “يمن موبايل” ارسل رقم (1) إلى 2520، ولمشتركي “ام تي إن” ارسل رقم (1) إلى 1416.

زر الذهاب إلى الأعلى