ارشيف الذاكرة .. كلية الحقوق .. حامد وأصفاره وزميلنا قائد
يمنات
أحمد سيف حاشد
الأستاذ حامد يدرّسنا مادة نظرية الدولة والقانون، والتي تعد من أهم المواد الدراسية في سنة أولى حقوق، وتستولي على نصيب الأسد في جدول الحصص الدراسية.. الأستاذ حامد يتصف بالحزم والجدية والإلمام في مادته، وأكثر من ذلك بالبخل الشديد في منح الدرجات لطلابه.. صحيح أن محاضر المادة دكتور روسي، فيما الأستاذ حامد يتولى الترجمة، ولكنه في الحقيقة كان الأكثر حضورا وفاعلية، ويتولى كل تفاصيل تدريس المادة، من ألفها إلى ياءها ما عدا إعداد المحاضرة، وبعض الحضور الشكلي للمحاضر.. كان الأستاذ حامد مهابا، وفارضا نفسه على الجميع..
أول اختبار حقيقي في هذه المادة بدا صادماً في نتائجه للجميع.. أول مادة يتم اختبارها في دفعتنا، وإعلان نتائجها في القاعة الكبرى.. إنه يوما لا يُنسى .. لقد أعطى ذلك الإعلان إلى حد ما ملمح أوّلي للمستوى التعليمي لكل طالب.. ربما هذا أول تعارف فعلي بين الطلاب، من حيث القدرة على التفوق، واختبار للمقدرة على التعاطي مع الدراسة الجامعية.. أكبر نتيجة تم إحرازها كان سبعة من عشرة.. حُزناها قلة قليلة لا نتعدّى الأربعة أو الخمسة طلاب.. بدينا محل دهشة وتساؤل الزملاء عن كيفية إحرازنا مثل تلك النتائج التي نلناها من أشد البخل وطأة.. كيف انتزعناها من بين فكي الأسد.. بدا الواحد منّا أمام زملائه كمن أجترح مأثرة أو معجزة، وسط خيبة كبيرة ومدوية، وفشل عريض طال أكبر عدد من طلاب الدفعة.. لقد كنّا أشبه بالناجين من الغرق..
لا أذكر إن طالبة نالت درجة سبعة من عشرة إن لم تخنِ الذاكرة.. أكثر فتاة حصدت على خمس درجات.. نتائج الطالبات في أغلبها كانت متدنية جدا، بسبب حفظ المادة من الكرّاس وعدم العودة إلى المراجع.. ومع ذلك نتيجة الخمس درجات بدت جيدة عند المقارنة بما دونها.. رقم لم ينله إلا القليل.. أما السبع درجات فتقدم لك التميز، وتجعل البنان تشير إليك..
صفر من عشرة سمعناه يتكرر ومعه الواحد والاثنان.. سماع الصفر كان يدوّي كثيرا في القاعة، وينزل على أصحابه كالصاعقة.. أما الواحد والاثنان ينزلا على أصحابه كطلقات المدفعية.. الخيبة كبيرة والنتائج صادمة، والوجوه بعد السماع تغرق بالخجل الوخيم، أما من يحصل على خمس أو حتى أربع درجات، فيقول في سر نفسه “اللهم لك الحمد والشكر”..
كانت رسالة الأستاذ حامد للطلاب من خلال هذه النتيجة هو أقرأوا من خارج الكُرّاس.. الدرس في الكراس مجرد عناوين.. لم تُمنح السبع درجات إلا لمن قرأ المراجع وأجاد الجواب.. أستشعر الجميع أن الجامعة شيء مختلف، وأن هذا الاختبار هو أول وأهم اختبار عرفناه في الجامعة، وعرفنا فيه أيضا قيمة الجامعة، وماذا يعني التعليم الجامعي..
لنا مع هذا الاستاذ القدير عدد من الطرائف.. ففي أحد “سيمنارات” النقاش كان صديقي وزميلي قائد حسن حزام إذا تصدّى للإجابة على سؤال الأستاذ؛ أستطرد وأفاض في الجواب، يبدأ مُسهبا من مطلع الكلام ليعدو ألف ميل، ولا يصل إلى الجواب إلا بعد طلوع الروح.. لا يعجبه أن يقطف الجواب مباشرة، بل يبدأ من وعادها نطفة، ولا يصل للجواب الذي يريده الأستاذ إلا بعد الولادة ، بل وبلوغ الفطام..
سأل الأستاذ زميلنا في إحدى المرات عن المرحلة الشيوعية، فبدأ زميلنا بالجواب والتسلسل من المرحلة المشاعية، وهذا يعني أن جوابه سيعبر العبودية والاقطاعية والرأسمالية والاشتراكية ولا يصل إلى الشيوعية إلا بعد مشقة مضنيه، ووقت سيتطاول ولن تدركه الساعات الطوال، وإن استعجل سيصل إلى المطلوب آخر النهار.. ففاجأنا الأستاذ حامد وأستأذن من الطلبة ليذهب إلى الشيخ عثمان، وأبلغنا أنه عندما يصل زميلنا المرحلة الشيوعية نتصل به ليأتي يكمل السمنار ههههههههه لحظتها كدنا ننتحر ضحكا..
كان عندما يوجه الأستاذ حامد سؤال إلى زميلنا قائد نظل جميعا نترقب الجواب بشغف، ونحبس أنفاسنا في صدورنا حتى لا ننفجر ضحكا، ونتذكر السالفة السابقة، حالما كاد الاستاذ يغادر القاعة إلى الشيخ عثمان.. ومع ذلك يظل زميلي قائد أعز أصدقائي وأطيبهم وأنقاهم وآمنهم.. كافح كثيرا ليكمل دراسته الجامعة بسبب ظروفه المادية الصعبة.. كان لديه زوجة وأطفال ومسؤولية، تحمل والده البسيط كامل الأعباء حتى أكمل ولده قائد الدراسة وصار بعدها قاضيا..
يتبع..
للاشتراك في قناة موقع يمنات على التليجرام انقر هنا
لتكن أول من يعرف الخبر .. اشترك في خدمة “المستقلة موبايل“، لمشتركي “يمن موبايل” ارسل رقم (1) إلى 2520، ولمشتركي “ام تي إن” ارسل رقم (1) إلى 1416.