ماذا لو طـبّعت قطر .. هل سينتقدها حلفاؤها باليمن مثلما انتقدوا الإمارات؟
يمنات
صلاح السقلدي
البعض في اليمن – وغير اليمن – للأسف لا يعترض على التطبيع العربي مع إسرائيل إلا بقدر موقفه من الدولة المُطبّعِـة، فهو لا ينطلق في اعتراضه أو تأييده إلا من باب المناكفة والتشنيع بهذه الدولة وتصفية حسابات مع الدولة التي يناوئها، أو من باب التبرير لتلك الدولة التي يواليها وفق منطق رتيب: (معهم معهم ،عليهم عليهم),مع الخيل يا شقراء .
لديّ اعتقاد أن الذي انتقد الإمارات في اليمن وسواها من الدول العربية- بتطبيعها مع دولة الاحتلال الصهيوني ( والذي يرى كاتب السطور أنه معيب للشعب الإماراتي وللعروبة قاطبة وطعنة نجلاء بالظهر والخاصرة العربيتين في زمن عربي حساس ورخو للغاية) ,الذي أعلنته أبوظبي مؤخرا مع إسرائيل لن يفعل الشيء ذاته مع قطر أو السعودية إن هما مضيا نحو التطبيع -مع أنهما يطبعان من تحت الطاولة و إن لم تجهران بقبح التطبيع علنا كما فعلت الإمارات-، ولديّ ذات الاعتقاد بأن الذي برر للإمارات تطبيعها في اليمن وغير اليمن ورأى في فعلتها عملا عروبيا بطولي وشجاع سينتقد قطر والسعودية نقدا مبرحا إن هما فعلتا ذلك علناً.
إذن نحن إزاء مواقف مزدوجة – الرافض والتأييد ، موقفان مبنيان على أساس مَـن هي الدولة المطبعة وما مدى مصلحتي أو مضرتي منها ، ولا ينطلق بهذا الموقف من قناعة حقيقة واستقلالية بالمواقف والقرار والمصلحة الوطنية والعربي، ولا يستند مواقفه على المبدأ الرافض للتطبيع المجاني من طرف واحد. كما أنه لا ينطلق من قناعة خالصة وصادقة لنُــصرة المظلوم والوقوف بوجه الظالم الغاصب، وكذا هو موقفا يشير بوضوح لحجم التبعية المفرطة – في اليمن على سبيل المثال- تبعية مقززة للخارج تتجاوز حدود العلاقة المتكافئة المبنية على المصالح المشتركة والندية. تبعية تفترس عقول ومواقف الداخل اليمني جنوبا وشمالا أفرادا وكيانات على حساب القضايا الوطنية القومية الى درجة التطرف بالرأي ، بل قُل التطرف بالولاء والتبعية المشينة.
لا يعقل أن يحدثني أحدهم في الجنوب اليمني عن رفضه للاحتلال اليمني في عدن منذ حرب عام 1994م وفي ذات الوقت يؤيد احتلال إسرائيل للقدس ، وعبثا يرفض التطبيع مع صنعاء ويرفض وقف الحرب مع قوات صنعاء وهو ويهلل للتطبيع مع تل أبيب ويستهزأ بالمقاومة الفلسطينية والسورية واللبنانية, كما لا يمكن قبول سخافة أن الاحتلال الإسرائيلي فلسطين بمذاق حالي، والاحتلال اليمني لعدن حامض ومرّ. ومن السحف أيضا أن يتحدث البعض في جنوب اليمن عن خزعبلة قتال الروافض والمجوس وهو يتمنى أن يلعق ببيادات جندي اسرائيل ظنا أن تل ابيب بوابة الولوج الى جنة ترام وبيته البيضاوي .أو يحاول أن ينتعل عقول عوام الناس برفضه ظلم الجنوبيين ويرضى بظلم الفلسطينيين، الله المستعان، سينحدر المجلس الانتقالي الجنوبي الى هوّة سحيقة من العار والضياع إن هو مضى معصوب العينين خلف الإمارات وانساق خلفها بحق وبباطل، ويضرب سمعة تاريخ شعبه في الصميم، وهو الشعب الذي ضحى بفلذات اكباده في جنوب لبنان والجولان منذ عشرات السنين أبان دولة جنوب اليمن، وسينسف مفخرته بعروبيته الشماء التي تجسدت بأبهى صورها حين استقبلت عدن الألاف من المقاتلين الفلسطينيين بعد غزو لبنان عام 1982م وغيرها وغيرها من المواقف المشرفة.
فالظالم هو الظالم أياً كان جنسه أودينه أو مذهبه أو قــوّته سوطته بالساحة الدولية ، هو ظالم بكل لغات العالم، وأيا كانت الجهة التي يظلمها أكنا على وفاق معها أو على خلاف.. فالظالم يجب التصدي له وردعه بكل ما يتاح من وسائل الرفض والمقاومة والتضامن ، أو عدم تشجيعه على ظلمه وهو أضعف الإيمان والمواقف. كما أن المظلوم هو المظلوم أي كان جنسه ودينه ومذهبه وقوميته، يجب شد عضده ونصرته في بقاع الأرض .
فحين نختلف مع الشيخ \ هاني بن بريك، نائب رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي اليمني، المؤيد للخطوة التطبيعية الإماراتية مع اسرائيل فنحن نختلف معه على مبادئ وقيم سنظل نتمسك بها أيا كانت الظروف والضغوطات والمغريات والشتائم والسباب، من بينها مبدأ حق الشعوب المقهورة برفض القهر والاستعمار والعسف، ووقوفها بوجه الظلم والمحتل المغتصب أيا كان هذه الاحتلال دون انتقاء أو مجاملة لهذه الجهة أو تزلف لتلك الدولة ، فالمواقف والمبادئ التي شربناها كؤساً مترعة منذ الصغر تأبى أن تُـباع أو تُهدى ببازارات الساسة وسوق المجاملات ، فمن يزعم أنه يرفض ظلم الجنوب اليمني عليه إلا يقبله على الفلسطينيين، ومن يرى في الاحتلال لعدن مظلمة يجب أن ترفع فمن المعيب عليه أن يقبلها على إخوانه الفلسطينيين- أو غير الفلسطينيين في أية رقعة بالكون-, ومن يمقت من خذل القضية الجنوبية بعدن لا يمكن أن يقبل بخذلان القضية الفلسطينية بالقدس والضفة الغربية. ومن يتحدث عن التطبيع مع تل أبيب عليه ألّا ينزعج من التطبيع مع صنعاء. ..فليس هناك حربٌ جيدة أو سلامٌ سيءٌ ولا احتلال انيق، ولا مظلوم غبي، وليس من المقبول بالمطلق أن يكون الصوت الجنوبي مجرد صدى لصوت الآخرين بالداخل أو بالمحيط الإقليمي أو ينسلخ عن محيطه العروبي. ففلسطين بوصلة الأحرار .
فالانتصار للقضية الجنوبية في اليمن ليس مشروطا بأن يتماهى موقف الجنوب أو حتى موقف المجلس الانتقالي الجنوبي مع المواقف السياسية الدولية ومنها الإماراتية ، فاستقلالية القرار الوطني يجب أن تظل محفوظة لا تُــسترخص بهذا الشكل حتى وأن كانت رغبة إماراتية أو سعودية أو أمريكية أو غيرها، فالجنوب اليمني، واليمن عموما لا يحتمل مزيدا من الإقحام في مضمار الصراع الإقليمي ولا يقوى على مزيدا من امتهان لكرامته ولإرادته الوطنية.
وللتوضيح : فالاعتراض على التطبيع وعلى أية تسوية سياسية – محلية أو خارجية – لا يعني رفضنا للسلام وللتعايش مع الآخر من ناحية المبدأ، فلا أحد يرفض السلام ويرغب بحالة الحرب وسفك الدماء بل نرفض كل تطبيع وكل تسوية عوراء عرجاء كهذه التي أمامنا تسوية تكون على حساب أصحاب الحق، فالخلاف ليس عن السلام ذاته بل عن أي سلام وتعايش نقصد. نرفض اقحام كلمة السلام في فرض الاستسلام على أي جهة كانت ، أو إقحام اسمها النوراني لغرض تركيع طرف وانتزاع منه تنازلات فيما الطرف الآخر يتمترس خلف غطرسته وتعنته. فالسلام الغير عادل استسلام .وبالتالي يكون رفض الاحتلال في كل مكان واجب اخلاقي انساني قبل أن يكون موقف سياسي ووطني ،تماما كما هو الوقوف مع كل المقهورين بالعالم. فلا عدلُ إلّا أن تعادلت القوى، وتوازنت المواقف.!
ونافلة بالقول نُــذكّــر: حين غزا الرئيس العراقي \ صدام حسين دولة الكويت في 2 أغسطس 1990م وقف كل الجنوب تقريبا الى جانب الكويت وندد بالاحتلال، انطلاقا من قناعته بأن الكويت هو الطرف المظلوم الذي يجب الوقوف بجانبه وبأن صدام الطرف المعتدي الذي يجب الوقوف بوجهه أي كانت مبرراته . وظلت ذكرى الاحتلال تلك واحدة من المناسبات التي ظل الحراك الجنوبي يحييها كل عام كتعبير صريح عن رفضه للظلم وللإحتلال العراقي لدولة الكويت بل ولكل احتلال بالكون وتأكيده على حرية الشعوب المقهورة في التحرر.
…..نيلسون مانديلا : ( ليس حرا من يهان أمامه إنسان ولا يشعر بالإهانة).
المصدر: رأي اليوم
للاشتراك في قناة موقع يمنات على التليجرام انقر هنا
لتكن أول من يعرف الخبر .. اشترك في خدمة “المستقلة موبايل“، لمشتركي “يمن موبايل” ارسل رقم (1) إلى 2520، ولمشتركي “ام تي إن” ارسل رقم (1) إلى 1416.