فضاء حر

الاسلام السياسي الجهادي

يمنات

حسن الدولة

من نافل القول التأكيد بأن حركات التطرف بدأت منذ بداية النزاع على الحكم قبل مواراة جسد الرسول الطاهر الثرى ، ويستغر الحديث عنها مجلدات ؛ لكن حديثنا سيقتصر على بداية الحركات الجهادية المعاصرة التي تشظت إلى اكثر من حركة جهادية منذ ظهورها في سجون مصر، بل سنقتصر الحديث عن بعض من زعمائها الأشد تطرفا كمحمد عبدالسلام فرج في مصر ؛ وزعيم “الدولة الإسلامية للعراق والشام” (داعش) إبي بكر البغدادي.

حيث بدأت هذه الجماعات نشاطها في نهاية سبعينات القرن الماضي. فقد بدأت تتبلور داخل السجون المصرية ، حين تشكلت مجموعات “جهادية” تهدف إلى قلب أنظمة الحكم ليس في مصر فحسب بل وفي بقية اقطار الوطن العربي والإسلامي . وقد كان دليلها كتيب شهير معنون بـ “الفريضة الغائبة”.

يقول مؤلفه محمد عبدالسلام فرج إن على المسلمين أن:((يلتزموا بكثير من الفرائض الدينية، لكنهم غيبوا فريضة أساسية وهي الجهاد”. ودعا فرج إلى أولوية قتال “العدو القريب”، ويقصد به الأنظمة الحاكمة في الدول ذات الغالبية المسلمة، على قتال الأعداء الخارجيين، أو “العدو البعيد”. ومثل الجهاديون في تلك الحقبة نمطاً إنقلابياً أكثر منه حركة ممتدة.

وكان للرئيس السادات دور كبير في دعمها عقب توليه السلطة خلفا للرئيس جمال عبد الناصر، وقد عاصر كاتب هذه السطور تلك الفترة حين كنت طالبا في جامعة القاهرة ولمسنا دعم نظام السادات للإسلاميين الذين سيطروا على النقابات والحركة الطلابية في الجامعات المصرية على حساب الناصريين، واطلاق سراح الاسلاميين من السجون ، وتلقب السادات بالرئيس المؤمن.

ولعل السادات استهدف من دعم الاسلاميين القضاء على الناصرية من جهة ولأنهم لا يؤمنون بالخروج على الحاكم الظالم، ويوجبون طاعة الحاكم ما لم يظهر كفرا بواحا من جهة ثانية.

وما هي إلا سنوات قليلة حتى اندلعت احداث ” سلاح المهندسين في منشية البكري” بالقاهرة، التي تزعمها شكري مصطفى في محاولة فاشلة لقلب نظام الرئيس السادات ، وتمكن النظام من اخماداها بقوة ، ثم اعقبها اول انتفاضة شعبية بسبب رفع دعم رغيف العيش، اطلق عليها السادات اسم انتفاضة الحرامية.

اعقبها نصر حرب العاشر من رمضان / 6 اكتوبر 1073م ، وهو نصر لم يدم بسبب تقديم السادات تنازلات واعتبار ان تلك الحرب ليست حرب تحرير للأرض بل حرب تحريك موقف حسب تعبير السادات، فعاد سخط الشعب عليه من جديد ، وقد قام السادات بخطوة جريئة سماها “سلام الشجعان” حصل بسببها على جائزة نوبل للسلام، وبدأ كما انه بسبب تلك الخطوة الجريئة اغتالته الحركة الجهادية السلفية اثناء العرض العسكري عام1981.

وبعد اغتيال السادات بدأت الشرطة المصرية في ملاحقة الجهاديين ما اضطرهم إلى الفرار إلى خارج مصر، فكانت أفغانستان الملاذ الأكثر أمناً، والتي بدأت تتحول إلى “ساحة جهادية”. وشجعت الولايات المتحدة، ودول الخليج العربي سفر الشبان المسلمين للقتال ضد الاتحاد السوفياتي، وضد الحكومة الشيوعية في كابول.
وقد تزعم في اليمن هذه الحركات الجهادية وروج لها وجند لها الشباب الشيخ عبدالمجيد الزنداني ، الذي لقي دعما ماليا من قبل المملكة العربية السعودية، واشعل جوامع صنعاء بخطاباته التحريضية لإستقطاب المجاهدين، زاعما حدوث كرامات للمجاهدين لكنها من اغراقها في الخرافة والجهل بسنن الله في الطبيعة كانت تثير الضحك كقوله بأن الثعابين تقاتل مع المجاهدين، وانها بعد ان تقضي على عدد من الجنود الروس تعود إلى المجاهدين لتخبرهم برقم القتلى الذي تخطه بذيلها، وان قنبلة وزنها عشرون طنا تقع على كتف احد المجاهدين وما كأنها إلا قطعة قطن، فيستغرب الروس ذلك فيجمعون الخبراء لدراسة هذه الظاهرة، فما ان يتحلقوا حول تلك القنبلة التي انعدم وزنها وصارت كقطعة قطن لدراسة هذه الظاهرة فإذا بها تنفجر ولم تبق منهم او تذر احدا !!

وبهذه الخرافات استطاع اغراء الشباب للسفر إلى افغانستان، الذين تم قذفهم في حرب غير متكافئة ، بين جيش مدرب على احدث الاسلحة ، واطفال لا يعرفون كيف يتم استخدام المسدس، ما اهل الشيخ عبد المجيد ان يختار خلفا للشيخ الأردني – الفلسطيني عبدالله عزام، الذي كان لفتاواه صدى كبير لدى هؤلاء الشبان. حيث افتى عزام بأن “الجهاد فرض عين” على كل مسلم، إذا ما احتلت أي أرض مسلمة.

وفي مطلع تسعينيات القرن الماضي بدأ تشكل تنظيم “القاعدة” وتعود جذور اسم “القاعدة” إلى مقال كتبه الشيخ عزام في إحدى المجلات التي كانت تصدر في أفغانستان وكان عنوانه: “القاعدة الصلبة”. ودعا فيه صراحة إلى تأسيس قاعدة “للجهاديين” في أفغانستان. وكان تطور “القاعدة” مختلفاً عما أراده عزام الذي قتل في سيارة مفخخة عام 1989. ولم يتبنَّ أحد مسؤولية اغتياله إلى الآن، وحينئذ تم ترشيح الشيخ عبد المجيد الزنداني خلفا له في زعامة التنظيم إلا انه اعتذر لأسباب قد تعود إلى هاجس الاغتيال، حيث عرف عنه خوفه من هاجس الاغتيال حد ان تكاليف حمايته ارهقت جماعة الاخوان في اليمن ماليا فاضطروا إلى فصله وخروجه من اليمن إلى السعودية .

بلكن عودته فرضها بدئ تشكل فكرة “الجهاد” العالمي لتصبح عنواناً رئيسياً لنشاط “القاعدة”. وبعد النصر على القوات السوفياتية في أفغانستان، بدأ “الجهاديون” يعودون إلى أوطانهم.

وحاول البعض نقل “النصر على قوة عظمى” إلى بلدانهم، فاستهدفت السياحة في مصر، وشهدت ليبيا مواجهات أيضاً، ووصلت التفجيرات إلى السعودية، والكثير من الخلايا ضبطت في الأردن.

وقد خططت القاعدة للقضاء على نظام الحكم الاشتراكي اليمني كمدخل للاستيلاء على الجزيرة العربية والتوجه إلى فلسطين، وبناء دولة الخلافة الإسلامية إلا ان محادثات الوحدة افشلت ذلك المخطط فجن جنون قيادة الحركة، فدعا الشيخ عبد المجيد الزنداني إلى مسيرة مليونيه لإفشال الوحد مع الشيوعيين حسب زعمه، وشنت حملة ضد الوحدة في الجوامع والمساجد، وعبر الصحف، وخطابات الشيخ عبد المجيد الزنداني التي وزعت في كاسيتات حول ما اسماه ثغرات في دستور دولة الوحدة ، والتي ركز فيها على المادة الثالثة المتعلقة بجعل الشريعة الاسلامية المصدر الوحيد لجميع التشريعات.

هذا في اليمن أما في الجزائر فقد شهدت الجزائر عقداً من العنف الدموي، وإن كان السبب يرتبط بمنع الإسلاميين من تسلم السلطة بعد فوزهم في الانتخابات في البلاد بداية التسعينات. إلا أن العائدين من أفغانستان، الذين لم يشاركوا في الانتخابات أصلاً، كانوا قد بدأوا في تشكيل مجموعات مسلحة منذ البداية.
وأراد آخرون ممن عادوا من أفغانستان، إعادة التجربة في أماكن أخرى، فشاركوا في القتال في البوسنة، وطاجيكستان، والشيشان.
وتزاوجت الأفكار “الجهادية – الانقلابية” المقبلة من مصر، مع الأفكار في أفغانستان. وكان المنتج الجديد هو “السلفية – الجهادية”.

وترجم ذلك لاحقاً بتحالف بين المصري زعيم تنظيم “القاعدة” حالياً أيمن الظواهري، وزعيمه السابق، المليونير الداعم للجهاد الأفغاني أسامة بن لادن.

وأعلن عام 1998 عن تأسيس “الجبهة الإسلامية العالمية لقتال اليهود والصليبيين”. وبدأ ما يعرف بـ “الجهاد العالمي” للقاعدة. وفي العام ذاته، فجر الجهاديون سفارتي الولايات المتحدة في كل من كينيا وتنزانيا. وبعد ثلاثة أعوام فجر “الجهاديون” المدمرة الأميركية “كول” على سواحل اليمن.

في صباح يوم الحادي عشر من سبتمبر(أيلول) هاجمت أربع طائرات مدنية، يقودها “جهاديون”، مباني أساسية في كل من نيويورك وواشنطن العاصمة في الولايات المتحدة الأميركية.

وأودت التفجيرات بحياة حوالى ثلاثة آلاف شخص. وقادت إلى حرب أفغانستان، وملاحقة المشتبه بهم. وبدأ “جهاديو القاعدة” بأسلوب جديد عبر تجنيد شبان وتدريبهم، وإرسالهم إلى بلدانهم للقيام بتفجيرات، كما حدث في بالي – إندونيسيا (2002)، والدار البيضاء (2003)، ومدريد (2004)، ولندن وعمان (2005).
وشهدت السعودية مواجهات مع الجهاديين بين عامي 2003 – 2007. لكن الاحتلال الأميركي للعراق عام 2003، لعب دوراً أساسياً في ظهور جيل جديد من المسلحين يقودهم الأردني أبو مصعب الزرقاوي. وقدم “القاعدة” في العراق، أو في بلاد الرافدين، نموذجاً أكثر راديكالية من الحركات “الجهادية”.

وبدأت تسجيلات الذبح تنتشر على الإنترنت، وكذلك العمليات الانتحارية، والخطف. وقتل الزرقاوي في قصف أميركي جوي عام 2006.

ومنذ عام 2008، بدأ تنظيم “القاعدة” ينسج تحالفات جديدة، فانتشرت فروع التنظيم في أكثر من مكان. ففي العراق، أصبح تنظيم “القاعدة” يعرف باسم “الدولة الإسلامية في العراق والشام – داعش-“.
وفي اليمن اتحد “جهاديو” البلاد تحت مظلة “القاعدة في جزيرة العرب”.
وفي الجزائر، بايع “جهاديوها” “القاعدة”، وغيروا اسم التنظيم إلى “القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي”، ووسعوا نشاطهم لدول الساحل جنوب الصحراء.

كما أن “حركة الشباب المجاهدين” الصومالية، انضمت إلى “القاعدة” لاحقاً، بعد مقتل زعيم التنظيم أسامة بن لادن، في عملية أميركية خاصة عام 2011.

شكل مقتل بن لادن تحدياً لـ “القاعدة”، وللحركات “الجهادية”، لكن التحدي الأكبر كان الربيع العربي.
فحركات التظاهر في العالم العربي التي أسقطت أنظمة قوية في المنطقة كتونس، ومصر، واليمن، همشت الأيديولوجية “الجهادية”.

لكن تصاعد العنف في أكثر من مكان في العالم العربي، بخاصة في سورية، أعاد الزخم إلى تلك الحركات. وتحولت سورية إلى منطقة جاذبة “للجهاديين” من كل أنحاء العالم، وتعددت الحركات “الجهادية” المسلحة فيها.
وبرزت خلافات بين تلك الحركات، بخاصة بين “جبهة النصرة” المرتبطة بتنظيم “القاعدة”، وتنظيم “الدولة الإسلامية” التي باتت تسيطر على مساحات واسعة بين العراق وسورية.

وقد احتل هذه التنظيم الذي غير اسمه مرات عدة، وجذوره تعود إلى “القاعدة” في بلاد الرافدين، ثاني أكبر المدن العراقية الموصل في حزيران (يونيو) عام 2014.

ودفع هذا التوسع، وإعلان الخلافة في المناطق التي يسيطر عليها التنظيم، وصور الذبح لصحافيين، إلى إعلان ضربات جوية عليه من جانب الولايات المتحدة الأميركية، ودول حليفة.

وفي مصر أعلنت أخيراً جماعة “أنصار بيت المقدس” المتشددة التي تنشط في محافظة شمال سيناء، انضمامها إلى تنظيم “الدولة الإسلامية” ومبايعتها زعيمه أبو بكر البغدادي.

خاتمة:
ونختتم الحديث عن هذه الحركات الجادية التي ولدت في الاساس من رحم الاخوان المسلمين عن بداية نشوئها بواسطة مؤسسها في اليمن مقبل بن هادي الوادعي الذي بدأها بتأسيس معهد دماج مطلع ثمانينات القرن العشرين وتفرغ منها عدة حركات دار بينها سجالا؛ وتمخض الى اخراط الجهاديون في العمل الارهابي منذ عام 1992م بشكل عشوائي؛ وفي اكتوبر سنة 2000م تم استهداف المدمرة الامريكية:( يو اس اس كول) وتبعها تفجير باخرة النفط ؛ وفي عام 2009م اعلن تنظيم القاعدة تشكيل فرع له في اليمن الذي اتخذ لنفسه اسم ” تنظيم قاعدة الجهاد في جزيرة العرب.؛ مكون من عناصر تنظيم القاعدة الذين حاول نظام الرئيس السابق علي عبدالله صالح احتوائهم ؛ وكانوا اداة من ادوات صراعه مع منافسيه في الحزب الاشتراكي حيث اطلق يد هذه الجماعات للقيام بالاغتيالات ؛ وقد لقي هذا التنظيم في القبائل اليمنية حاضنة له كما اسلفنا بسبب انقلاب 21 ايلول 2014م على العملية السياسية السلمية؛ ورغم ذلك لم يحقق نفس النجاحات التي حققها تنظيم داعش في العراق وسوريا؛ وترجع طفرة داعش في اليمن الى عام 2015م تاريخ ظهور ” ولاية صنعاء” الذي اعلن مسؤليته عن تفجيرات صنعاء ؛ ونفت القاعدة صلتها بتلك التفجيرات؛ ومما اسلفنا فان النظام السابق استخدم تلك الحركات وقد اتخذت من معسكر الفرقة شمال صنعاء مقرا لتدريب اعضاء التنظيم الذي سبق ان استخدمهم النظام افراده لتصفية خصومه.. وبخاصة مع شريك الوحدة – الحزب الاشتراكي – وبسب الفراغ الامني المتعمد تهيأت بيئة خصبة لجءب جماعات ارهابية وافدة من من سوريا والعراق ؛ لكنها رغم كل ذلك ظلت في جحورها لا تجرؤ على الظهور العلني حتى انقلاب 21 ايلول الذي حمل شعار مكافحة الدواعش فخرجت تلك الحركات المطاردة من جحورها وخرجت الى العلن تحولت الى منقذة وبالرغم من تعدد التنظيمات الارهابية في اليمن فان اعلان انصار الله الحرب محاربة القاعدة وخلايا داعش التي كانت نائمة حتى وجدت الدعم من دول التحالف ولعل النخبة الحضرمية التي دعمها طيران التحالف التي استولت على المكلا ثم خرجت بسلاحها واختفت بناء على اتفاق مع دول التحالف و قد اصبح لهذه الحركات وجود سياسي في مارب وتعز ومعظم المحافظات الجنوبية ما ينذر بان هناك اعداد لهذه الحركات للقيام بدورها بعد ان تضع الحرب اوزارها ..

فقامت لذلك بشراء الأسلحة تخزينها في مخازن سرية استعدادا لحرب اهلية قادمة لا سمح الله قد تطول فترتها وتكون اكثر خطورة من هذه الحرب اللعينة التي مزقت النسيج المجتمعي ..

ولولا خشية الاطالة لتم تناول كل حركة من الحركات الجهادية التي تنتشر انتشارا سرطانيا في الجسد اليمني يغذيها الخطاب المذهبي لحركة انصار الله.
والله من وراء القصد

من حائط الكاتب على الفيسبوك

للاشتراك في قناة موقع يمنات على التليجرام انقر هنا

لتكن أول من يعرف الخبر .. اشترك في خدمة “المستقلة موبايل“، لمشتركي “يمن موبايل” ارسل رقم (1) إلى 2520، ولمشتركي “ام تي إن” ارسل رقم (1) إلى 1416.

زر الذهاب إلى الأعلى