فضاء حر

النافذة .. لا تعني شيئا

يمنات

ضياف البراق

“النافذة ..لا تعني شيئا” كتاب تحت الطبع، للكاتب ضياف البَرَّاق.

في عتبته التي يلج منها إلى الأشياء والشخصيات والأحداث والمفاهيم واللغة والكتب، إلخ، يرسم لنا الكاتب مسارات الذات المتشظية “.. أنا التشظي إلى أبعد مدى…”

بين الدعوة إلى الاسترخاء وتوصيف الحرب “الحرب، يا صديقي استمناء عنيف!”

إنها “النافذة التي تطل في منظورها على “الحديقة” و “السجن”

أختلفُ مع عديد منظورات داخل هذا الكتاب، لكنني أتماهى دهشة مع هذه اللغة، التي تتخلق حياة، أو هذه الحياة التي تتجلى لغة، نصوصا تزهر دون توقف، تفلسف دون التباسات.

هذه الذات التي تعطي للمفاهيم والرؤى لغة تورق أشياؤها.

متحررة من الجدران، متماهية مع تفاصيل الحياة، ذات تكره التحيزيات واليقينيات القاتلة، سواها ذاته الغريبة والمغتربة، دون ذلك لا حدود، وإنما أفق بلا سقف.

هذا النص المفتوح، الذي تزول فيه حدود التجنيس، يتداخل فيه الشعر والسرد والتداعيات والومضات، والمقاربات النقدية، الكلمات والأشياء- هو ما يدهشني، بما في ذلك مواقفه المنفلتة والرافضة للانتماء المحدود، والمشتبكة والمنتجة للأفكار.
تنساب اللغة في صفحات هذا الكتاب بهديرها المتدفق، بتداعياتها وبوحها الرسولي. دون أن يردف نصوصه بلوازم الكلمات المفتاحية للأنبياء. التي تنطلق من يقينية القول الحق.

إنه ينطلق من الشك، ويقول أشياء متشظية، يلملمها في بياض هذا الكتاب.

يحل في الأشياء والكتب والشعر والشعراء، والكُتّاب، في السرد والسرديين، مفجرا من جدله معها ينابيع لغة ورؤى وأفكارا.

من هذا الصوت الرسولي المنتمي للزمن الرقمي، وسرعة الضوء تنسال وصاياه لذاته، لا لعشيرته الأقربين، ولا يزعم هدى وإخراجا للناس من الظلمات إلى النور.
إنه يحمل سراجا يضيء فيه عالمه الداخلي، وكهوفه العديدة.

وصايا لهداية ذاته، تنهمر متدفقة بغزارة وسرعة دون تمهل :

” اكتُبْ كأنك تضحك من قلبك، كأنك تمشي منفردا بهدوء وتأمل، كأنك تستلقي على فراشك وتحلم..

لا تنفعل وقتَ الكتابة، لا تخنق الكلمات، لا تستعرض أنك كاتب متمكن، لا تركض بسرعة، تمهل لا تستعجلْ..

اكتبْ بعشق وتواضع، ببساطة وبشاشة، دع الكلمات تخرج من روحك كالفراشات، كقطرات المطر.

لا تكتب من أجل الانتقام، لا تكتب لا بمنافسة ولا بخساسة، لا تجرح جمال الكلمات، لا تلوث عذوبتها، لا تقلد، غنِّ بصوتك أنت وبأسلوب يتناغم مع ذاتك ويعكسها..

اكتبْ كأنك تمرح مع طفل تُحِبّه، أو كأنك تعانق أمك وتحتفل بها..

الكتابة بطريقة الاغتصاب تأتي عقيمة، بليدة وثقيلة، أو تكون كزهرة بلا لون ولا عطر ولا براءة..

اكتب كأنك ذلك الراهب الذائب في صلاته. اكتب وانسَ أنك تكتب..

اكتب بطهارة وصدق، وإلاَّ فأنت تمارس الرذيلة لا الكتابة.

اكتُبْ، تعني : صلِّ بمنتهى الحرية والخشوع..”

هذا هو صوته الداخلي الذي يضيئه لنا من خلال الكتابة، فلسفته التي يوصي بها ذاته، مفهومه للحياة، وطريقته، ومعالم لغته ورؤاه وأفكاره وقراءاته.

“كل كتابة إبداعية جميلة هي بالضرورة ضد الحرب.

في الحرب إمّا تنتصر الكتابة، أو تندثر. ليس أمامها من خيار ثالث.

ما كتبته حتى الآن ضد الحرب، شعرا ونثرا، يكفي لإسعاد وسادة حزينة، يكفي لانشال طفلة تصرخ تحت الأنقاض، يكفي لقطع الطريق أمام رصاصة قناص مصوبة بدقة نحو قلبي، يكفي لفضح الأيدي الخبيثة التي تعبث بحياتنا في هذه البلاد، ويكفي أيضا لاكتشاف طريق الحرية.”

الكتابة بالنسبة لضياف البراق هي الشارع، ومخالطة الناس والإصغاء إلى ما يدور في نفوسهم، اكتشاف جراحاتهم العميقة، ثم رسمها بشغف وصدق، بحنان وحرية…

الكتابة لديه شغف بالناس، ونقيض للأبراج العاجية، إنها معايشة، صراع مع ظلمات الذات وتناقضاتها، قلقها وتوتراتها.

الكتابة هي الذات والحرب نفي لها. هي الكرامة، ونسف لظلامية الأزمنة الغابرة. بعث للإنسان الجديد.

الكتابة الروح الكلية للمجتمع، معالم الطريق المضيئة، ضد العنف، وانسداد الأفق.
الكتابة هي السلام، ينبوع الحياة.

كلما اتسع ضمير الكتابة علا صوتها وكبر مجدها، وأحدثت التغيير.

الكتابة رسم للإنسان الكامل، عزف على أوتار الجمال. معاناة مع الداخل، واللغة والتاريخ والحياة والأشياء.

بمقدار إخلاصك المعرفي تتقن الكتابة، وبمقدار انحيازك للناس وصوتهم تصل إلى لوحة الإنسان الكامل.

من حائط الكاتب على الفيسبوك

للاشتراك في قناة موقع يمنات على التليجرام انقر هنا

لتكن أول من يعرف الخبر .. اشترك في خدمة “المستقلة موبايل“، لمشتركي “يمن موبايل” ارسل رقم (1) إلى 2520.

زر الذهاب إلى الأعلى