العواقب الوخيمة لمقولة “كيفما تكونوا، يولّى عليكم”

يمنات
حميد كشكولي
إن فكرة “كيفما تكونوا يولى عليكم” التي تستخدم غالبا ما لتبرير الاستبداد والقمع في منطقتنا وتطبيعهما، تحمل إهانة مؤلمة للشرائح المظلومة في مجتمعاتنا خاصة عندما نسترجع التضحيات العظيمة التي قدمتها في سبيل الخبز والحرية والكرامة. تقوم هذه المقولة على تعميم خاطئ وتتجاهل السياقات التاريخية والسياسية والاقتصادية المعقدة التي تحدد العلاقة بين الحاكم والمحكوم. للأسف، تختزل المسؤولية على الشعوب فقط، مع إعفاء الطغاة وأعوانهم والقوى الخارجية الداعمة لهم من أي مسؤولية.
الأنظمة المستبدة لا تعتمد فقط على استسلام الشعوب أو يأسها، بل ترتكز على قمع ممنهج يشمل التضييق على الحريات وتكميم الأفواه واستخدام العنف المفرط ضد كل محاولة للتغيير. في ظل هذه البيئة القمعية، يصبح من الصعب للغاية على الشعوب أن تعبر عن إرادتها بحرية وأن تختار قادتها.
دائمًا ما توجد في كل مجتمع قوى تقدمية تسعى إلى الحرية والعدالة وتعمل بإصرار من أجل التغيير، لكن هذه القوى غالبًا ما تتعرض للقمع والتهميش من أنظمة مستبدة ومعارضات رسمية تستهدف خنق كل محاولة للإصلاح أو التغيير.
هذا النهج يُكرّس حالة من الجمود واليأس، ويُنكر حق الشعوب في النهوض والتطور والسعي لمستقبل أفضل. وطالما سعى البعض إلى تسويغ الاستبداد وإضفاء طابع ديني أو قدري عليه، وذلك لتحقيق مصالحهم الضيقة والاحتفاظ بنفوذهم.
أما الإشارة المتكررة إلى أن “الشعب يحكمه النظام الذي يستحقه”، فهي تعبير جائر يسعى إلى تسطيح التاريخ وتشويهه. هذا التعليق، المتداول بسذاجة من بعض النخب الغربية أو حتى بعض الأفراد في الدول النامية، يُشكل صك براءة للجناة وانتقاصًا لا أخلاقي من حقوق الضحايا. ومن خلال تعميم كهذا، يجري إغفال النزاعات السياسية والاجتماعية وتعقيداتها الفعلية التي عادة ما تُنتج الأنظمة المستبدة، سواء بدعم داخلي عبر أدوات السيطرة القمعية أو عبر تدخلات خارجية تسعى لتحقيق أهداف مصلحية ضيقة.
فالشعوب المغلوبة على أمرها ليست سوى ضحية لأنظمة استبدادية قُدّمت لها على طبق من تدخلات داخلية وخارجية متشابكة، تسعى دائمًا للحفاظ على مصالح نخبوية تحكمها أطماع سياسية واقتصادية.
يمكن تحليل العبارة الشهيرة “كل شعب يستحق حكومته” في إطار المعطيات التاريخية والاجتماعية التي تعكس إشكالية عميقة في فهم طبيعة العلاقة بين الشعوب وأنظمتها الحاكمة. فعندما يتم استخدام هذه العبارة للتبرير للطغاة وتقديم مبررات لجرائمهم البشعة، يصبح ذلك تعبيرًا فجًّا عن احتقار عقول الناس وإزاحة كاملة لتضحياتهم المشرفة. إن توصيف مقتل مئات الآلاف من العراقيين، الذين كانوا ضحية لنظام دُفِعوا للعيش تحت وطأته، على أنه جزء من “طقوس دينية أو ثقافية”، ليس سوى محاولة مقيتة لتحريف الحقيقة التاريخية وتبرير للجرائم تحت غطاء زائف من الشرعية الثقافية.
التاريخ، كما يُعلمنا، مليء بأحداث تثبت زيف التصور القائل إن جميع الأنظمة هي انعكاس لمجتمعاتها. كثيرًا ما شهدنا حكم الطغاة والمستبدين الذين فرضوا دكتاتورياتهم على شعوب تُعارضهم قلبًا وقالبًا. فالشعوب بالتأكيد ليست عاجزة عن مقاومة الظلم والاستبداد. لقد أظهرت أمثلة كثيرة من النضال الإنساني أن الإرادة الجماعية للأمم تظل دائمًا حاضرة، حتى في أحلك اللحظات، حيث تسعى لتحقيق العدالة والحرية وبناء واقع أفضل لجميع أفرادها.
إن مسار الأمم والحضارات لا تحدده سمات ثابتة أو عرقية، بل تصنعه الظروف التاريخية والاجتماعية. ومن يحاول تفسير مصير الشعوب بناءً على “سمو ثقافي” أو تفوق قومي معين لا يفعل أكثر من الترويج لأفكار عنصرية وتنميط مغلوط. الإنجازات الإنسانية العظيمة، كالحرية والديمقراطية، ليست حكرًا على ثقافة واحدة أو منطقة محددة؛ إنها ثمرة تراكم نضالات الشعوب في كافة أنحاء العالم، ونتاج جهود بشرية متواصلة لتجاوز الظلم والاستغلال.