أهم الأخبارالعرض في الرئيسةفضاء حر

كبار الوطن.. بين تعب الجسد وعظمة الروح

يمنات

أحمد خيرات

تتناقل منصّات التواصل الاجتماعي صورةً للنائب البرلماني احمد سيف حاشد وهو يعمل في متجرٍ للقهوة؛ صورةٌ صامتة، لكنها تحمل من الحزن ما يكفي لتروي حكاية بُعد عن الوطن أطول من الكلام.

يا للوجع..

أن يبلغ العَوَزُ برجلٍ قضى عمره صوتا للناس، حارسا لحقوقهم، وخصما للظلم، حتى يجد نفسه يطحن البنَّ بيديه بعد أن طحنته البلاد بين رحاها.

ليس في ذلك ما يعيبه، بل ما يعيب وطنا لم يعرف كيف يضمُّ أبناءه حين يضيق بهم الطريق.

أحمد سيف حاشد..

لم ينكسر؛ بل اختار أن يعيش بكرامته، وأن يقتات من تعب يديه بدل أن يمدّها.

تلك بطولة أخرى لا يفهمها إلا من ذاق غربة الروح قبل غربة الأرض.

سلامٌ عليه، وعلى كل من يشبهه من العمالقة الذين حملوا أحلام وطن لم يحملهم عند مرضهم وحاجتهم.

وليس حاشد وحده..

هذه السيرة تتكرر في وجوهٍ أخرى عبرت البحار، كانت يوما نجوما في سماء اليمن، ثم اضطرت للعمل في المطاعم، والمصانع، والموانئ، وشركات الشحن، وسياقة الأجرة، وحراسة الأبنية.

رجالٌ من وزن الجبال: أساتذة جامعات يعبّئون الطرود، قادة رأي يمسحون الطاولات، كتابٌ وشعراء يعملون في مخازن البضائع، ومهندسون يشغّلون آلات لم يدرسوها يوما،

لم يسقطوا، بل وقفوا في خطوط جديدة للحياة، يجرّون معهم كرامة لا تنحني، وإن انحنت ظهورهم من ثقل الغُربة.

وأحمد سيف حاشد، وهو يعمل في متجر قهوة، ليس إلا صفحة جديدة من حكاية قديمة..

حكاية أبي الأحرار محمد محمود الزبيري يوم كان يجمع الخُردوات من شوارع وأزقّة عاصمة باكستان ليقتات من ثمنها، بينما في قلبه تتوهّج الثورة، وفي يده جمرُ الكلمة.

لم يَخجل الزبيري من عمله، بل خجلت الأوطان من رجل كان أكبر من كل مناصبها.

واليوم يعيد حاشد المشهد ذاته؛ عمالقةٌ يُدفعون إلى الهامش، بينما الهامش في حقيقتهم هم الذين دفعوهم.

يا وطني..

كم من هامة سامقة خرجت منك لا تطلب مالا، بل تبحث عن نافذة يتنفس منها الإنسان دون أن يُسحق.

يا وطني..

إن كان كبارك يعملون في المقاهي، أو يجمعون الخردوات، أو في مكابي النفايات، أو حمّالين في الموانئ، فذلك لأنك أنت من طحنهم وشرّد أحلامهم.

لكل واحد من هؤلاء، ولأحمد سيف حاشد في مقدمتهم:

عزاءٌ يلامس القلب، لا على ما آل إليه حالهم، ولكن على ما آل إليه حال البلاد التي دفعتهم بعيدا.

وثناءٌ صادق، لأنهم اختاروا الصمود بدل الاستسلام، والعمل بدل الانكسار، والكرامة بدل أي شيء آخر.

لعلّ الأيام تعود بنا إلى وطن لا يكون فيه كبار القوم عمّالا في الغربة، بل عمادا في نهضته، وركائز في بنيته، كما كانوا دائما وأبدا.

﴿وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾.

زر الذهاب إلى الأعلى