أخبار وتقاريرأدب وفنأهم الأخبارالعرض في الرئيسة

قراءة تحليلية لنص “عدل مفقود” لـ”أحمد سيف حاشد”

يمنات

تقدّم هذه القراءات المتعددة لنص «عدل مفقود» للكاتب والبرلماني اليمني أحمد سيف حاشد والمنشورة في كتابه “فضاء لا يتسع لطائر” مقاربة تحليلية شاملة، تسعى إلى تفكيك النص من زوايا جمالية، لغوية، نفسية، وتجريبية، مع الانتباه إلى كونه حلقة ضمن مشروع سردي مفتوح.

وقد أُنجز هذا التحليل بالاستعانة بتقنيات الذكاء الاصطناعي التحليلية، التي جرى توظيفها بوصفها أداة مساعدة في رصد البنى الدلالية، وتتبع الحقول اللغوية، واستكشاف الطبقات العميقة للنص. 

وتأتي هذه القراءات بوصفها محاولة لفهم النص في توتره الداخلي، وفي علاقته بالسياق الاجتماعي والوجداني والرمزي، والكشف عن الأسئلة الكبرى التي يطرحها حول الفقر، والعدل، والحب، والوجود الإنساني في عالم مختلّ الميزان.

قراءة جمالية

مع مراعاة كونه حلقة من سلسلة سردية مفتوحة؛ يأتي نص «عدل مفقود» للكاتب والبرلماني اليمني أحمد سيف حاشد بوصفه اعترافًا داخليًا عميقًا، لا يكتمل بذاته بقدر ما يفتح جرحًا سرديًا يمتد إلى ما بعده. 

نحن أمام حلقة من مشروع وجداني أطول، حيث لا تُستنفد الدلالة داخل النص، بل تُراكم وتؤجَّل، وتُسلَّم إلى الحلقات التالية باعتبارها امتدادًا للمعنى لا خاتمته.

كائن نوراني

في هذا النص، تتجاور القداسة والحرمان في توتر شعري لافت. تبدأ «هيفاء» ككائن نوراني، أقرب إلى الرمز الصوفي منها إلى الشخصية الواقعية؛ فهي «نسمة بحر»، و«غيث»، و«قبس من روح الله». 

هذا التعالي الجمالي في النص لا يُراد به تمجيد امرأة بعينها بقدر ما يُقصد به إقامة مسافة رمزية بين عالمين: عالم الامتلاء وعالم العدم. هيفاء ليست موضوع حب فحسب، بل هي مرآة للعدل الغائب، صورة لما ينبغي أن يكون عليه الوجود حين يكون منصفًا.

قدر لا مكان

وفي مقابل هذا النور، يقف حاشد في قاع البئر. والبئر هنا ليست مكانًا، بل قدرًا. صورة البئر المهجورة، الجافة، التي ينزف فيها حتى آخر قطرة، تُحيل إلى انسداد الوجود، لا إلى ضيق العيش فقط. 

الفقر في النص ليس نقصًا في المال، بل نقص في الاعتراف، وغياب في السماع، وتحوّل الإنسان إلى جزء من الحجر الذي يسجنه.

تضاد

جمالية النص تتجلّى في هذا التضاد الحاد:

نور/بئر

غيث/جفاف

بيت عالٍ/بيت فئران

ملكوت/قاع

وهو تضاد لا يُقدَّم بوصفه مقارنة عاطفية، بل كبنية ظلم. لذلك يتحوّل سؤال الحب إلى سؤال عدل، ويتحوّل طلب اليد إلى فعل تمرّد رمزي على نظام اجتماعي مقدّس، يرى في الفقر خطيئة لا يُغتفر التفكير بعدها في الحلم.

اللغة

اللغة هنا مثقلة، متراكمة، تتقصّد الإفراط في الصورة والنداء والتكرار. هذا الثقل ليس عيبًا أسلوبيًا، بل محاكاة لثقل الحياة نفسها. فالنص لا يريد أن يكون خفيفًا، لأن التجربة ليست كذلك. الجسد يُشوَى، والعظم يُهرس، والفراغ يُسمَع له صرير. إنها كتابة تجعل الألم محسوسًا، لا مقروءًا فقط.

التحول الهادئ

ومع أن النص يغرق طويلًا في العجز والانكسار، إلا أنه لا يُغلق عند الهزيمة. في الفقرة الأخيرة، يحدث التحوّل الهادئ:

الانتقال من «أنا العاجز» إلى «أنا المقاوم».

وهنا لا ينتصر الحب، ولا يتحقق العدل، لكن يتحقق الوعي. قرار عدم التلاشي، وعدم التصالح مع الظلم، هو البذرة التي تُبقي النص مفتوحًا على الحلقات القادمة. وكأن الكاتب يقول: هذه ليست نهاية الحكاية، بل بداية الاصطدام.

وعي متعدد

بوصفه حلقة ضمن ثمانٍ، يمكن قراءة «عدل مفقود» كلحظة وعي أولى للكاتب أحمد سيف حاشد: وعي بالهوة، ووعي بالذات، ووعي بأن المشكلة ليست في الحب المستحيل، بل في عالم يصادر الحق في الحلم. وما سيأتي لاحقًا – على الأرجح – ليس بحثًا عن امرأة، بل عن معنى، وعن عدالة مؤجلة، وعن إنسان يُعاد تركيبه من شظايا الفقد.

“عدل مفقود”  هو نص لا يطلب التعاطف، بل يفرضه.

ولا يقدّم حلًا، بل يطالب بسؤال أكبر: كيف يمكن للحب أن يعيش في عالم مختلّ الميزان؟

قراءة لغوية

فيما يلي تحليل لغوي دقيق لنص «عدل مفقود» لـ”أحمد سيف حاشد”، مع التركيز على الأساليب البلاغية والخصائص اللغوية:

الأسلوب العام للنص

النص سرد وجداني – اعترافي، يعتمد التدفّق الحر للأفكار والمشاعر دون التقيد بهيكلية محكمة أو فواصل تقليدية. 

يميل الأسلوب إلى السرد الشعوري المكثف، حيث تتداخل العاطفة بالوصف والتأمل الفلسفي، ويظهر تأثر الكاتب بالخطاب الصوفي والرمزي.

اللغة والصور البلاغية

الرمزية والدلالات الصوفية

«نسمة بحر»، «قبس من روح الله»، «شلال غفران» رموز للنور والخير المطلق، وتعكس الصفاء الروحي والجمال المطلق.

هيفاء ليست مجرد شخصية، بل رمز للعدل والجمال الإلهي، أو ما يفتقده الكاتب. 

المقابلات والتضاد

النص يقوم على التباين بين المتناقضات لإبراز المعاناة:

«بيت الفئران» و «بيت عالٍ»

«النور» و «البئر»

«غيث» و «جفاف»

هذا التضاد يضيف قوة درامية ويبرز الفارق بين الوجود المثالي والواقع القاسي.

اللغة المجازية المكثفة

«طلبي يجعل فمي مكتظ بلساني المعقود بخرس جلمود أو صخر» استعارة مركبة تعبر عن العجز المادي واللغوي في مواجهة العاطفة.

«فقير مهروس بالفقر، ومفتون بالعوز البالغ» تكرار صياغة مركبة يعطي قوة وصفية ويجعل الفقر ملموسًا.

اللغة التصويرية

أوصاف حسيّة دقيقة: «الحر يلسعني»، «جلدي يسخن ويُسلخ» تصوير الجسد المتألم يعكس الواقع القاسي للفقر.

التركيب اللغوي

النص يعتمد على الجمل الطويلة المركبة، غالبًا جمل الامتداد أو التراكمية تعكس تشابك الأفكار والعاطفة.

مثال: «أنا فقير مُعدم مكروب الحال، خلقني الله في قاع البئر، أحاول إنقاذ ما بقي منّي، فيأبى قدري..» تركيب معقد يظهر تراكم الإحباط والألم.

الوظيفة السردية

اللغة تجعل المعاناة محسوسة ومقروءة في الوقت نفسه.

الأسلوب يمزج بين التعبير العاطفي الداخلي ووصف الواقع الاجتماعي، ليجعل النص أكثر صدقًا وجدانيًا.

استخدام الصور الصوفية والرمزية يوسع النص إلى ما وراء الواقع المادي، نحو تأملات في العدالة والقدر والحياة.

تحليل تجربة الكاتب

فيما يلي، تحليل للتجربة الكتابية لـ”أحمد سيف حاشد” المستبطنة بين سطور نص «عدل مفقود»

معاناة اجتماعية واقتصادية

يعكس النص حياة الفقر والحرمان: «أنا فقير مُعدم مكروب الحال»، «لا فرش لي ولا مأوى»، «بيت الفئران».

هذه الصور تكشف عن وعي حاشد بالفوارق الاجتماعية والاقتصادية، وتجربة شخصية أو ملاحظة عميقة للحياة الصعبة في عدن أو في بيئات مشابهة.

انكسار نفسي وتجربة العزلة

النص يفيض بالشعور بالوحدة والانعزال: «لا أحد يسمع صوتي»، «مثقل بالحزن وبالوحشة».

من خلال النص يعيش حاشد تجربة ذاتية عميقة من العزلة النفسية والشعور بالاغتراب عن المجتمع، وكأن التجربة الذاتية متجاوزة للفرد لتصبح تأملًا في المصير البشري العام.

وعي بالعدالة والقيم

العنوان نفسه «عدل مفقود» يوحي بأن الكاتب يحمل إحساسًا حادًا بالظلم وعدم المساواة.

حاشد لا يطلب مجرد الحب، بل الاعتراف والعدالة الرمزية في مواجهة عالم قاسٍ. وهذا يوحي بأنه تربّى على حس أخلاقي ووجداني حاد تجاه الظلم الاجتماعي والاقتصادي.

تجربة وجدانية وصوفية

استخدام الصور الصوفية والدينية: «قبس من روح الله»، «هي هبة الله في أرضه البكر»، «تسبيحات صوفي مسكون بالواحد».

يعكس ذلك أن حاشد يمزج تجربته الإنسانية بالقيم الروحية، أو أنه عاش تجربة وجدانية قوية للبحث عن النور الداخلي في عالم مادي قاسٍ. وهناك صدى لتجربة صوفية أو تجربة عقلية تبحث عن الخلاص والمعنى في مواجهة الألم.

فهم الفارق بين الإنسان والمُثُل العليا

حاشد يلاحظ فرقًا هائلًا بين ذاته وبين هيفاء أو «بيت عالٍ»: «الفارق كالفرق بين ذرّة رمل وأقصى الكون».

وهذا يعكس وعي الكاتب بمحدودية الإنسان أمام بعض المثل العليا، وربما شعور شخصي بالقصور أمام حياة الآخرين الأكثر حظًا.

تجربة حاشد هنا تجربة تواضع وجداني أمام الوجود والقدر، لكنها أيضًا تجربة تمرد داخلي، كما يظهر في نهايات النص عندما يقرر مقاومة الظلم.

التمرد على القسوة والقدر

رغم الهزيمة الظاهرية: «أنا منكوب بوجودي، ملبوق حد الهذيان»، هناك قرار مقاومة: «أقاوم عدمي بتفانٍ»، «حضور أكثف وللفقراء أنحاز ضد طغيان الجوع والظلم الصارخ».

هذا يوحي بأن حاشد عاش تجربة تجاوز العجز بالوعي الذاتي والعمل الداخلي، وهو ما يعكس تجربة شخصية بالمرونة النفسية والصمود أمام الصعاب.

تكثيف 

يمكن القول إن الكاتب أحمد سيف حاشد يجسد في نصه تجربة إنسانية مركبة: تجربة فقير ومعذب ومسلوب الاعتراف، لكنها تجربة ناضجة وجدانية وروحية تبحث عن العدالة والمعنى في عالم غير عادل.

قراءة مونولوجية

الطبيعة المونولوجية للنص

النص في جوهره حوار داخلي طويل لسارد واحد، يبوح بأفكاره، مشاعره، وصراعه الداخلي.

وكل النص تقريبًا عبارة عن تيار وعي، حيث تتدفق المشاعر والأفكار بلا فواصل واضحة، وهو ما يعطي القارئ إحساسًا مباشرة بالوجدان الداخلي للسارد.

خصائص المونولوج

التركيز على الذات: السارد محور كل شيء، فهو المتحدث والمفكر والمتأمل، ما يجعل النص تجربة انفرادية مكثفة.

الأسئلة البلاغية والتكرار

«كيف يمكن أن أجمع أشتاتي وشجاعة باتت تخذلني؟»

«هل أنا باغ يا رب لمجرد تفكير في طلب الحب؟»

تعكس التردد الداخلي والحاجة الماسة إلى التفاهم مع الذات.

التناقض بين الإحباط والأمل: رغم العجز والفقر، يظهر السارد عناصر مقاومة واصرار، ما يعكس الصراع الداخلي بين الهزيمة والإرادة.

الوظيفة الدرامية للمونولوج

يعرض النص الداخل النفسي المعقد للسارد: شعوره بالفقر، العجز، الغربة، والتعلق بالمثل العليا.

المونولوجية تسمح للقارئ بالولوج مباشرة إلى أعمق طبقات الذات، ومشاهدة صراع الإنسان مع الظلم، العاطفة، والقدر.

وتسلط الضوء على الوعي الذاتي والنقد الذاتي، إذ يراقب السارد نفسه، ويقيس قدراته مقارنة بالمجتمع وبالمثُل العليا.

النبرة والأسلوب

نبرة النص مكثفة، وجدانية، متوترة، تعكس حالة الانكسار النفسي والحيرة العاطفية.

يعتمد الأسلوب الجمل الطويلة والمتراكمة، التكرار، والصور الاستعارية لتعميق التجربة المونولوجية.

كل حدث أو شعور داخلي يتم تصويره وتحليله من منظور شخصي للغاية، مما يعزز الطابع المونولوجي للنص.

خلاصة مونولوجية

النص مونولوج داخلي يُظهر صراع الذات مع الفقر، العجز، الحب المستحيل، والعدل المفقود.

يسمح النص للقراء بمشاركة التجربة الوجدانية للشخصية بشكل مباشر، دون وسيط سردي، ليصبح المونولوج أداة لتصوير النفس الإنسانية في مواجهتها للواقع الصارم والمثل العليا.

نص “عدل مفقود” 

أحمد سيف حاشد

هيفاء” نسمة بحر تحيي من تهواه.. نظرتها تزيح عن الكاهل تعباً محتدماً يصطك ببعضه.. تمسح عنه براحة كفيها ركام حزن طال وتقادم عهده.. تطفئ لواعج وحرائق من تشتاق.. غيث يهمي على الأرض الحرَّاء؛ فتخضر، وتلبس رونقاً.. هي هبة الله في أرضه البكر.. قبس من روح الله وسره.. “هيفاء” تسبيحات صوفي مسكون بالواحد، وشلال غفران دافق لا ينضب.. هيفاء في ملكوت الله وتسبيحات الكون باسمه، وصلاة عوالمه لجلالته.. هيفاء فتاة لا يشبهها أحد.

أنا فقير مُعدم مكروب الحال، خلقني الله في قاع البئر، أحاول إنقاذ ما بقي منّي، فيأبى قدري.. لا أحد يسمع صوتي المخنوق في أعماق الغور، مثقلٌ بالحزن وبالوحشة.. البئر المهجورة جفّت حتى صارت صلدة.. ونزفتُ فيها حتى آخر قطرة.. حاولت أن أخرج منها فعجزت، وتخلّى عنّي الكل.. أعيتني الحيلة، فتحجّرت فيها، حتى صرت بعضاً منها.

كيف أقارن! والفارق كالفرق بين ذرّة رمل أصغر من عين النملة، ومجرَّة تتمدد في أقاصي الكون ولا تتوقف.. إن الفارق أكبر، كالفرق بين مخلوق وخالقه الأول..؟!! هي بنت النور من بيت عالٍ، وأنا إنسان بسيط جداً.. مسحوق بين رحاها والحب الناقص.. أنا إنسان خلقتُ منكوباً من أول يوم.. وما زلت أعيش خوائي، وبؤساً أسمع صريره في صلب عظامي، وأعيش فراغاً في عاطفتي، بحجم هذا الكون وأكبر.

قبل سنين من معرفتي بهيفاء، وأنا عمري دون الرشد.. كنتُ أبحث عن مأوى بمساحة قبر، فوجدت الخيبة أكبر من مقبرة تتسع وتكبر.. سكنت على سطح “مصباغة”.. كل يوم تضحي الشمس على ظهري وتشويني في رابعة نهار يشتد.. يلسعني الحر.. من يرحمني من حر الكاوي، وغضب الشمس؟! وحُبيبات الحر تسلخ جلدي، وتشوِّه جسدي المنهك، ولا تترك مكانا فيه إلا وأصابته بسلخ أو عبث أو مقتل.

عدن كنت أذرع شوارعها وأجوس.. أتمنى أن أجد فيها بيتاً تأويني أو تتبنى ما فيَّ عام أو شهر.. فراغي وحنيني يهرس عظمي.. أبحث عن أسرة حانية تهتم بأمري.. كنت أرى من يملك في عدن بيتاً من طوب أو بردين، أو كوخاً من قش، أشبه بمن أكمل دينه ودنياه وظفر بفردوس الرب.

أنا يا الله لا فرش لي ولا مأوى.. وعندما ابتسمت في وجهي الدنيا، وجدتُ بيتاً لم يكتمل بناؤه، كانت تشبه بيت الفئران، فيما بيت من أحببت تتعالى في منزلة تسمو جواره.. تحت ظلاله.. وإن فحش الوصف، أنزل درجة لأنال غفران الرب.. هكذا بدا لي الفرق بين الاثنين.

يا لفارق يقسم ظهري أعشاراً، و يا عشرة أعسار تفتتني كحجرة جير رملي.. ماذا بقي منّي؟! طلبي يجعل فمي مكتظ بلساني المعقود بخرس جلمود أو صخر، لمجرد تفكير غامر ومغامر في أن أطلب يدها، ولو حتى في الحلم المشفوع بالنوم الغارق في العمق.. كيف لأصابع مجذومه بأمر الله، أن تحفر نفقاً في الجبل وصم الصخر؟!! ما زلتُ أبحث عن عدل مفقود، في بلاد القسوة والظلم.

يا إلهي.. أنا ابن الدباغ المدبوغ بالفقر والحظ البائس.. كيف يمكن أن أجمع أشتاتي وشجاعة باتت تخذلني؟! كيف أفكر بطلب اليد، ويدي مقطوعة بالحاجة من الكِتف.. إني أشبه بثائر يفكر بالثورة على مقدَس متجذر في عمق الوعي، ومتأصل في عمق الوجدان وسط جامع غارق بالتهويم والتحريم الأشد غلاظة.

أي جنون هذا؟! كيف لفقير مهروس بالفقر، ومفتوت بالعوز البالغ، أن يتجرّأ بطلب يد فتاة تعلوه بمسافة ضوء بعمر ألف سنة مما نعُد؟!! ماذا سأقول لها ولأهل العد إن سألوني هل لديك فيلا، أو قصر يليق بملكة؟! سؤال يصعق جبلاً ويقذف في وجهي خيبات الأرض، جحيم جهنم.. يا لحسرة بيت الفئران.

هل أنا باغ يا رب لمجرد تفكير في طلب الحب أو عقد قران.. حب صيرته منّي أبعد من عين الشمس.. كيف أسافر؟!! أنا عالق في غب الحسرة.. منكوب بوجودي، ملبوق حد الهذيان.. يبدو أن الله قد كتب في لوحه المحفوظ حظّي العاثر بالفقدان، والمصلوب بشقاء البؤس، وغياب يصل حد المعدوم.

قررت أن لا أتلاشى في وجه الفقر.. أن لا أتصالح مع الظلم الهابط كقدر لا يتزحزح.. أقاوم عدمي بتفانٍ يتخلق منه إنسان لا يستسلم للجور.. وأن أستحضر وجودي بالطول وبالعرض في وجه غياب موحش وفراغ الفقدان.. حضور أكثف وللفقراء أنحاز ضد طغيان الجوع والظلم الصارخ.. شرف يبقى إن كنت حياً، أو مطموراً تحت الأرض في محراب الخلد مائة عام أو ألف سنة.

*​*​*

زر الذهاب إلى الأعلى