أرشيف

عندما يتصارع خصوم السياسة على الحاضر بأدوات الماضي

أثارت تصريحات لحسون صالح مصلح الواردة في حواره المنشور في العدد الماضي من صحيفة (الأمناء)، ردود أفعال متباينة، وهي في الغالب ردود فعل متوقعة بحكم موقع الرجل بالنظر الى رمزية والده الشهيد المناضل/ صالح مصلح قاسم أحد أبرز رموز ثورة 14أكتوبر ودولة الجنوب قبل الوحدة .. بيد أنه ليس من المعقول قراءة تلك التصريحات في سياق مبتور عن السياق العام لمجريات الأحداث التي تشهدها البلاد في خضم الأزمات المتلاحقة وتداعياتها وصولا للحراك الجنوبي وتصعيداته .

يعد لحسون صالح مصلح الذي يشغل وكيلا لمحافظة الضالع شخصية نادرة واستثنائية بنظر السلطة ومسئوليها ، كونه يقف في مواجهة مكونات الحراك الجنوبي بدون مواربة ، و لا يخفي نقمته على الحراك وفعالياته كما لم يصمت حين تم الإعلان عن (التصالح والتسامح الجنوبي) فقد كان صوته الأبرز في مناهضة تلك الدعوة التي يقول أنها دعوة لاصطفاف مناطق ضد مناطق أخرى، أما الحراك فيعده تابعا للسلطة في صنعاء في حين يتطوع المناصرون وبعض قيادات الحراك لوصم أصوله بـ(الجينات الشمالية)، وهو اتهام يطارد كثيرين وفق تصنيفات مختلفة الى الحد الذي صارت هذه التهمة تشبه تهمة (العداء للسامية) التي ترفع في وجه كل من يرفض سياسة غطرسة امريكا او عنصرية إسرائيل .

يمارس لحسون مهامه السياسية والإدارية بالطريقة التي تحلو له ، كما يفعل غيره مع فارق انه أكثر جرأة في مقارعة خصومه ، والجرأة التي تكون محمودة عند احد الأطراف قد تعد تهورا غير مرغوب فيه لدى الأطراف الأخرى، مع الإقرار انه لولا الحراك الجنوبي لما كان له هذا الحضور، كما ان ظهور الحراك منح آخرين غيره حضورا ملحوظا وجاد عليهم بمزايا لم تكن في حسبانهم، سواء في ذلك من حسبوا على الحراك او احتسبوا على السلطة.

عندما ظهر الحراك اتجهت السلطة لاستخدام سلاح مفضل لديها تمثل في توظيف الرموز التاريخية في مواجهة الخصوم الطارئين ، ومن ذلك استدعاء بعض أبناء الشهداء والرموز السابقة للجنوب في إطار المواجهة مع مكونات الحراك التي أخذت تتنامى بشكل لافت ، مع الإقرار بالوجه الآخر للحقيقة وهو أن الحراك ظل هو الآخر يتكئ على رموز لها علاقة بتاريخ الجنوب ( ثورة ودولة ) ولها حضور في أوساط الجماهير التي وجدت نفسها في مواجهة مفتوحة على أكثر من احتمال.

حين يحتفي الخطاب الرسمي بلحسون صالح مصلح وأمثاله فان فعاليات الحراك لا تكف عن الاحتفاء بشلال علي شايع وأمثاله ممن يتربعون على عروش المكونات استنادا على تركة آبائهم مهما حاول البعض هنا أو هناك أن يتعامى عن رؤية ذلك، وبالتالي فالمشكلة لدى الطرفين أنهما يلجئان للتصارع على الحاضر بأدوات الماضي، أو التلويح بها على الأقل .

هل كان لحسون سيصل لمنصبه هذا لو لم يكن في الساحة صراع يستدعي التمترس وراء اسم والده لتأكيد مضامين خطاب سلطة كان صالح مصلح عدوها اللدود وخصمها الأول لعقود من الزمن ؟

وبالمثل هل كان شلال سيقف في طليعة قيادات الحراك لو لم يكن هذا الحراك محتاجا لتوظيف رمزية والده الشهيد المناضل/ علي شايع الذي كان يشكل مع علي عنتر وصالح مصلح مثلث القيادة الأبرز للضالع والجنوب فيما بعد ؟

وفي كلا الحالتين ليس لحسون ولا شلال من يقع عليهما عبء التوظيف ، وهل ذنبهما في كونهما أبناء شهداء ومناضلين على قدر من الحضور والأهمية ؟

تجمع لحسون بشلال علاقة قرابة عززها اجتماع والديهما في خندق واحد لسنين طويلة، كما يتمتع الاثنان بصفات تبدو متقاربة وأحيانا متضاربة، فهما من جيل واحد تفتح وعيه السياسي على واقع جديد كانت وحدة 22مايو 90 ابرز ملامحه، إضافة إلى أنهما انخرطا منذ وقت مبكر في السلك العسكري، وحظيا بدعم ومباركة السلطات (قبل الوحدة وبعدها)، إلا أن ظهورهما على مسرح الأحداث لم يتشكل إلا مع انطلاقة الحراك الجنوبي على الرغم ان شلال خاض في انتخابات 2003م النيابية حملة انتخابية قوية عندما رشح نفسه مستقلا في مواجهة مرشح الاشتراكي والمشترك / صلاح الشنفرة ، كما قاد قبل ظهور الحراك عددا من الأنشطة الاحتجاجية في عدن والضالع .

في الوقت الحاضر يتبنى لحسون خطاب السلطة معتبرا الرئيس علي عبدالله صالح إحدى الثوابت الوطنية التي لا جدال عليها ، وعلى المعارضة ان تؤمن بهذا الثابت ! بينما ينظر شلال لعلي سالم البيض باعتباره الرئيس الشرعي للجنوب ، ويأخذ على نفسه العهد باقناع من يشككون بشرعية البيض، وفي الوقت الذي يراهن البيض على شلال فان الرئيس لا يخفي إعجابه بلحسون الذي وصفه في إحدى زياراته للضالع بـ(البطل).

وبنشاط مستمر يعمل شلال لاستعادة دولة مفقودة بينما يكافح لحسون للإبقاء على هيبة دولة موجودة ، ففي الوقت الذي يعمل شلال تحت راية (مجلس الحراك) الداعي لفك الارتباط مع السلطة التي يعد صهره لحسون احد وكلائها، فان الأخير يعمل جاهدا تحت راية (المؤتمر الشعبي) ومؤخرا قرر ان يتفرغ (للدفاع عن الوحدة) في إطار هيئة تعمل بهذا الاسم.

مثلما لم ينجح لحسون في كبح جماح الحراك وتهدئته لـ(صالح صنعاء) فان شلال هو الآخر اخفق بنسبة اقل في انتزاع صكوك البيعة من بقية مكونات الحراك للبيض ومنحه صفة (الرئيس الشرعي).

زر الذهاب إلى الأعلى