تيارات مبعثرة – “عراقا” آخر.. أو “صومالا” جديدا اليمن.. “السقوط” علي بعد خطوة
اليمن أسوأ حالا الآن من السودان يسير نحو هوة سحيقة ليصبح عراقا آخر أو صومالا جديدا.. لديهم حكومة فشلت في توفير الاحتياجات الأساسية لليمنيين والحد من حالة الفقر المدقع والجوع المزمن والذي يسيطر علي ثلث الشعب هناك ومعاناة نصف أطفال اليمن من سوء التغذية والجهل المطبق الذي يسيطر علي 40% من الناس وغياب المرأة عن الحياة العامة تماما.. هذا جانب من المأساة التي يعيش اليمن الذي كان يسمي في الأزمان الغابرة “اليمن السعيد”.
أما الكارثة الحقيقية والتي تهدد بانهيار أجهزة الدولة وسيطرة الاحتلال الأجنبي الذي يترقب الفرصة حاليا للانقضاض علي هذا البلد حتي يجري تمزيقه إلي أشلاء في الشمال والوسط والجنوب مثلما فعلوا هناك في العراق ونجحوا في ذلك بدرجة امتياز.
ولن يقوموا بهذا الدور وحدهم فقد تزايد نفوذ تنظيم القاعدة بشكل واضح وأصبح يشكل خطرا داهما يهدد بتحويل اليمن إلي بؤرة مهمة للارهاب في العالم وصناعة وتصدير الجرائم الارهابية خاصة بعد أن أعلن زعيم هذا التنظيم في اليمن إنشاء جيش اطلق عليه اسم “جيش عدن – أبين”.
قال انه يهدد إلي تحرير اليمن من الصليبيين وعملائهم المرتدين واعتبر هذا الجيش خط الدفاع عن الأمة ودينها وتحرير مقدساتها – علي حد قوله – وبدأ بالفعل هذا التنظيم نشاطه الارهابي من خلال عبوات مفخخة أخذت شكل عبوات الحبر الخاصة بطابعات الكمبيوتر في مؤامرة ساعدت السعودية في الكشف عنها واحباطها قبل التنفيذ.
وهناك مخاوف من شن هجمات “قاعدية” خلال موسم الحج ومحاولة تسريب مقاتلين من اليمن إلي السعودية حيث تمتد الحدود بين البلدين إلي مسافة 1500 كيلو متر وتنتشر خلالها ظاهرة التهريب كل لون ونوع وهو أمر جعل السعودية تعلن تحالفها مع اليمن في محاربة الارهاب وتقديم كل المساعدات اللازمة لها حتي تتمكن من محاصرة هذا الخطر الداهم علي البلدين وربما دول العالم الأخري خاصة وان هناك سعوديين كثيرين انضموا إلي القاعدة.
الكارثة أيضا تتعدد وجوهها الكئيبة علي اليمن “السعيد!!”.. هناك 23 مليون يمني هم كل سكان هذا البلد يواجهون اخطارا لا حصر لها فالقوات اليمنية تحارب علي جبهات متعددة وهي ليست بالمستوي العسكري الجيد والمطلوب لمواجهة كل هذه التداعيات علي الأرض.. ففي الشمال هناك الحوثيون الذين دخلوا في معارك طاحنة مع القوات اليمنية بتحريض ودعم إيراني ويريدون الانفصال وإقامة دولة شيعية في شمال اليمن.
وهناك الجنوبيون الذين يريدون الانفصال واعادة دولة اليمن الجنوبي من جديد بعد أن فرضت عليهم الوحدة قسرا وبقوة السلاح مع صنعاء في معارك شرسة عام 1994 لازالت آثارها المدمرة موجودة حتي الآن ولازالت المرارة تملأ نفوس أهل الجنوب وهم متحفزون لتحقيق الخلاص من هذه الوحدة التي لم تعد عليهم بأي فائدة تنموية أو سياسية.. ولذلك فهم يواصلون المشاكسات والاضرابات المستمرة والتي أصبحت تشكل مصدر ازعاج كبير للرئيس علي عبدالله صالح حتي انه اعتقل مؤخرا حسن باعم أحد القياديين البارزين في الحراك الجنوبي واندلعت مظاهرات عارمة تطالب باطلاق سراحه.
ويعاني الشعب اليمني في الداخل من مشاكل لا حصر لها فلديه حكومة فشلت حتي الآن في تلبية الحاجات الاساسية للناس وتقليل حدة الفقر المدقع لدي شرائح كثيرة في المجتمع بالاضافة إلي تفشي الفساد الذي يؤدي تدريجيا إلي تآكل شرعية الدولة علي مدي ثلاثة عقود هي فترة حكم الرئيس علي عبدالله صالح.
الأكثر من ذلك مرارة هو فشل الحكومة في ترتيب وتحديد أولوياتها ومجالات احتياجاتها للتمويل الدولي والمعونات ففي عام 2006 تعهد المانحون الدوليون بدعم اليمن بمبلغ 7.4 مليار دولار هذه الأموال حاليا إما مجمدة أو تفتقر إلي التوظيف الأمثل واستخدامها في مشروعات اجتماعية وتنموية تساعد علي تسهيل الحياة للمواطنين وحل مشاكلهم المعيشية حيث لا توجد تنمية اقتصادية أو اجتماعية حقيقية ومبنية علي خطط صحيحة ومدروسة ويقال هناك ان كثيرا من أموال الدعم الدولي المخصصة لمقاومة الارهاب تذهب إلي جيوب رجال النظام.
وحقق المانحون الأجانب والخليجيون فشلا ذريعا في كبح التدهور المستمر في اليمن ولم يستطع شعار “أصدقاء اليمن” الذين يعملون تحت لوائه في إنقاذ اليمن مما هو من فقر وبطالة واهمال وترد للأوضاع الاقتصادية والاجتماعية مما ساعد علي اندفاع الشباب اليمني للانضمام إلي التنظيمات الارهابية والمناوئة للنظام وهناك حديث آخر حول سعي الحكومة لتوريث الحكم وتوزيع المناصب العسكرية والأمنية والاقتصادية علي قبيلة حاشد واقرباء الرئيس مما ساعد علي زيادة شحنات الغضب والتمرد علي الأوضاع القائمة والتي تزداد سوءا مع مرور الايام.
وإذا كانت الولايات المتحدة قد بدأت تدخلا سافرا في اليمن بدعوي محاربة الإرهاب وتنظيم القاعدة ونشرت طائرات الاستطلاع بدون طيار وآخرها من طراز “بريدتيور” من أجل افتراس واصطياد قيادات في تنظيم القاعدة وشن هجمات ضد معاقل التنظيم وتحديد مواقع ومعاقل القياديين وضربهم بالصواريخ ومع زيادة التعاون والدعم الأمريكي لليمن وزيادة التواجد المخابراتي والعسكري حتي أصبحت اليمن الآن هي الشغل الشاغل لأمريكا واهتمام بريطانيا أيضا باليمن حتي ان قائد القوات البريطاني قال انه لا يستبعد ارسال قوات عسكرية لليمن لمحاربة الارهابيين.
هذا وذاك نذير تحول خطير يبشر بتدخل اجنبي سافر وواسع النطاق في اليمن لتواجه مصيرا اسوأ مما هي فيه وتنضم إلي لائحة الدول العربية التي تتساقط تباعا علي أيدي الأجانب.
هذه المخاطر وغيرها تستوجب التعامل مع المشاكل في اليمن بالسرعة المطلوبة والأداء الجيد قبل فوات الأوان لأن ما يحدث الآن هناك هو نتاج طبيعي وحتمي لفترة طويلة من سوء الادارة وفشل الحكومات المتعاقبة في ادارة الأزمات ووضع الحلول اللازمة لكن الغريب في ظل هذه الدوامة الهائلة التي يعيشها اليمن نجد الرئيس صالح يكتب مقالا في صحيفة يمنية يتحدث فيه عن ضرورة إجراء الانتخابات النيابية في موعدها!! أي انتخابات هذه يا سيدي الرئيس في ظل الأوضاع المتردية المحيطة باليمن داخليا وخارجيا.. ليتك تركز علي الحسم في المشاكل المصيرية ثم تعيد ترتيب البيت اليمني من الداخل ثم تجري الانتخابات كما تريد.. ليتك تسرع الآن وليس غدا.. قبل أن تنهار اليمن ويعض الجميع اصابع الندم وقت لا ينفع فيه أي ندم!!
بقلم: السيد نعيم
الجمهورية المصرية