أرشيف

ليست الانتخابات مشكلة رئيسية، ولا الحوار حلا وحيدا!

فوزي الكاهلي

ماذا كان يمكن أن يحقق الحوار بين السلطة والمعارضة لو استمر لعدة أشهر أخرى؟ وماذا سيحدث لو أصرت السلطة هذه المرة على إجراء الانتخابات البرلمانية في إبريل القادم بالفعل؟ الإجابة على السؤالين واحدة، لا شيء ذو أهمية.. ولهذا من المرجح عودة الطرفان إلى طاولة الحوار، والاتفاق على تأجيل ثان للانتخابات، ومواصلة المفاوضات العقيمة حتى ينهار المعبد على رؤوس الجميع.
السلطة فقدت عمليا مقومات ومبررات وجودها بعد أن أثبتت سنوات انفرادها بإدارة البلد منذ 1997م فشلها الذريع وفسادها المريع، لهذا من مصلحتها البقاء مع المعارضة في دوامة حوار لا نهاية لها قبل أن تغامر باتخاذ خطوات سياسية، أو اللجوء إلى أسلحة دستورية عندما تستدعي الحاجة الضرورية ذلك.
أما المعارضة فقد كشفت السنوات الأخيرة عن أخطاء فادحة ارتكبتها وخسرت بسببها أوراقا سياسية وشعبية كان يمكن الاستفادة منها كأسلحة «مشروعة» لتوجيه ضربات قاضية للطرف الآخر، أو على الأقل تحجيم فساده والقضاء على مشاريعه السياسية اللامشروعة، وهو ما يعني فشل المعارضة في أداء دورها الوطني كما يجب، واضطرارها بالتالي للبقاء في دوامة الحوار التي تستفيد منها السلطة أكثر من غيرها.

من أخمد ثورة سبتمبر 2006م!؟
ما لم يعلمه معظم الناس إلى الآن أن مفاوضات سرية سبقت الانتخابات الرئاسية الماضية حاولت فيها المعارضة الحصول على ضمانات كافية بإجراء إصلاحات سياسية واسعة عامي 2007-2008م تتيح التنافس بتكافؤ في الانتخابات البرلمانية إبريل 2009م وذلك مقابل أن تكون انتخابات سبتمبر 2006م مجرد نسخة محسنة لانتخابات سبتمبر 1999م غير أن السلطة رفضت لأنها وجدت بأن فوز الرئيس الساحق في الانتخابات مضمون 100% وليس هناك ما يثير القلق بشأنه، الأمر الذي حفز المعارضة لخوض معركة رئاسية حقيقية بصرف النظر عن ما ستحصده من نتائج فيها، ولكن حجم التفاعل الجماهيري مع الحملات الانتخابية لمرشح المعارضة فاجأ الجميع، ولدرجة أن قيادات معارضة بدأ تتتخوف من حدوث ما لم يكن بحسبان لو فاز مرشحها، لإدراكها باستحالة تسليم المرشح الآخر للسلطة ودخول الجميع في مأزق دستوري وأزمة سياسية غير مسبوقة.
ما جرى في تلك الانتخابات كان أشبه بثورة شعبية أربكت الجميع، خرجت منه المعارضة بانتصار كبير مقارنة بإمكانياتها التي خاضت بها الانتخابات، ومقارنة بالتزوير الهائل وإنفاق الطرف الآخر مئات المليارات لشراء الأصوات وتضليل الرأي العام وكان بإمكان المعارضة التأني في الاعتراف بنتائج الانتخابات «فاقعة التزوير والتضليل» للمساومة والحصول على ضمانات بعدم تكرار تزوير إرادة الناخبين بمثل ما حدث في 2006م ولكن قيادات المعارضة سارعت بتقديم هدية الاعتراف بالرئاسة الجديدة لمرشح السلطة وكأنه كان مرشحها، بينما الذي ضحى بالترشح باسمها تم تهميش وجوده وتجاهله ومعارضة الاعتراف بما أسفرت عنه انتخابات تعاملت معها السلطة وكأنها معركة عسكرية استخدمت فيها أسلحة محرمة علنا وبعنجهية لا يجوز القبول بها أبدا، وتلك كانت أولى أخطاء المعارضة التي لن تتوقف إثارة التساؤلات بشأنها ما دامت الأخطاء الفادحة تتوالى بعدها.
الاقتراب من الناس ثم الابتعاد عنهم
عام 2007م وبعد اشتعال الحراك الجنوبي نفذت المعارضة سلسلة فعاليات احتجاجية للتنديد بموجات الغلاء وتدهور معيشة المواطنين، ورغم أن المعارضة حرصت على إبقائها تحت سقف معين إلا أن تجاوب الناس معها دفع السلطة لمحاصرتها والضغط لإيقافها، ولم يستأنف النزول إلى الشارع إلا أواخر 2008م للاحتجاج على قرار السلطة المضي في التحضير لانتخابات منفردة في إبريل 2009م وعندما تراجعت عن ذلك القرار توقف تحريك الشارع إلى اليوم، مع أن أوضاع البلاد ومعيشة الناس تدهورت أضعاف أضعاف ما كانت عليه في 2007م.
صحيح أن التقارب مع السلطة وخوض حوار معها يفرض على المعارضة تهدئة الشارع ولكن ليس معناه إيقاف كافة الفعاليات الجماهيرية والتواصل المباشر مع المواطنين وإشعارهم بالقرب الدائم منهم. إن انغماس المعارضة في حوارها مع السلطة طيلة العامين الماضيين والجاري، قد أدى إلى ما يشبه القطيعة مع الناس في الشارع، إنه خطأ فادح آخر ارتكبته المعارضة وستدرك مدى تأثيره السلبي عندما تعود إلى الاحتكام للشارع مستقبلا.

التأجيل الأول والموافقة المجانية
اشتدت الأزمة بين السلطة والمعارضة بداية 2009م ووصلت إلى مستوى لفت نظر مختلف فئات الشعب وفجأة يتفق الطرفان على تأجيل الانتخابات، التأجيل كان قد أصبح ضرورة حتمية، إنما كان المتوقع أن المعارضة لم توافق عليه إلا بعد إجبار الطرف الآخر على تقديم تنازلات سياسية مهمة بحكم أنه الأكثر حاجة للتأجيل كما كان متوقعا أن لدى المعارضة رؤية مستقبلية لما سيترتب على التأجيل وما يمكن الاستفادة منه على المدى البعيد.. الغريب فعلا أن الموافقة كانت مجانية وبلا رؤية.. بينما السلطة استطاعت تضييع فترة التأجيل والتلاعب بالمعارضة، وهذه الأخيرة لم تتخذ أية مواقف تتناسب مع ما تفعله السلطة.
بين فبراير 2009م ويوليو 2010م حوالي سنة ونصف ذهبت هباء منثورا، انشغلت فيها المعارضة بلجنة التشاور الوطني وكأنه لم يعد لديها عمل إلا ندوات ولقاءات لجنة التشاور الوطني، أو فعاليات لجنة الحوار المنبثقة عنها أو التحاور مع السلطة فيما بعد، فيما كان المفترض العمل على مسارين: مسار الحوار مع السلطة أو مع غيرها، ومسار الأعمال الميدانية بحسب ما يقتضي دورها وواجبها كأي معارضة بالعالم، لاحظوا ما يجري الآن في مصر، الخصم الرئيسي للحزب الحاكم -وهو جماعة الإخوان المسلمين- يقرر خوض المعركة الانتخابية رغم كل الضربات السياسية والأمنية والمالية والإعلامية التي يتعرض لها، ورغم أن الحد الأعلى لعدد المقاعد المتوقع الفوز بها -في حال وجود صفقة فعلا مع النظام- لا يتجاوز 20% من مجموعها الكلي..
جماعة الإخوان المسلمين في مصر مثل حركة حماس في فلسطين وحزب الله في لبنان، لها امتداد شعبي حقيقي وواسع اكتسبته من العمل وسط الناس والمساهمة في تخفيف معاناتهم وتقديم الخدمات الاجتماعية والصحية الممكنة لهم، فأين المعارضة اليمنية مما جرى ويجري في مصر ولبنان والمغرب والكويت والعديد من بلدان العالم، وبالمناسبة ما حدث مع الراحل العظيم فيصل بن شملان بعد انتخابات 2006م تكرر بصورة أخرى مع محمد سالم باسندوة قبل توقيع اتفاق 17 يوليو 2010م، هل يوجد معارضة راشدة تفعل هكذا؟

الانتخابات والحوار والجوع الشعبي
لتقرر المعارضة المشاركة في الانتخابات القادمة أو مقاطعتها أو التعامل معها بالطريقة التي تراها مناسبة، فهذه ليست المشكلة لاسيما في الظروف الوطنية الراهنة، وإنما المشكلة الحقيقية -في تقديري- هي بقاء قيادات المعارضة أسيرة التفرغ للحوارات واللقاءات والنقاشات والاجتماعات -مع بعضها أو مع الطرف الآخر- على حساب التواصل مع الناس في الشارع والاستماع إلى قضاياهم في الميادين العامة، وتوضيح الرؤية لديهم حول ما جرى وما هو مطلوب مستقبلا، في فعاليات جماهيرية مفتوحة.
المواطنون البسطاء الكادحون، ومنهم الكثير من قواعد وأنصار المعارضة، بدءوا يصلون إلى مراحل متقدمة من فقدان الثقة في جميع السياسيين بالبلد، فمفاجآت اتفاقاتهم وخلافاتهم دائما ما تكون بعيدة جدا عن آمال وآلام المواطنين بحسب ما ظهر في السنوات الأخيرة.
50% من اليمنيين يعيشون تحت خط الفقر، لسان حالهم يقول: إننا نتضور جوعا أيها السياسيون فما هو الحل؟ لا أحد يجيبهم.. إذا السياسيون فاشلون أو أنهم متآمرون على الشعب بصورة أو بأخرى!!

 

نقل من الأهالي

زر الذهاب إلى الأعلى