الحياة السرية
مهما قيل لك عن إنسان أنه واضح كالشمس يقول ما يفعل ويفعل ما يقول فلا تصدق علي طول الخط. هناك دائما حياة سرية لكل إنسان. قد تكون سيجارة يخفيها التلميذ الصغير عن أهله وقد تكون امرأة يخفيها الرجل عن زوجته.. تختلف الحياة السرية بين الناس وحين يتم اكتشافها، ودائما ما يتم اكتشافها حتي ولو بعد الوفاة، تحدث احتجاجات وغضب واحيانا دهشة وعجب، ولا تنتهي الحياة السرية للناس من الحياة .للنساء ايضا اسرارهن التي سرعان ما تنتهي في اكثرها بعد الزواج.
علي الأقل في المجتمع الشرقي الذي يصبح فيه الزواج غاية المراد للمرأة. ولكن هذا لا يمنع من حياة سرية بعد الزواج عند بعض النساء تبدا من إخفاء الزوجة الطيبة شيئا من مصروف البيت بعد توفيره انتهاء بالخيانة.
وللحياة السرية أسباب منها مثلا الخوف وأحيانا الحرص وايضا الاضطرار وكلها تدور في معني واحد هو عدم القدرة علي الإفشاء أو الوضوح .في الحياة السرية جانب اضطراري حقا لكن ايضا الجانب الاختياري فيها اكبر. فالانسان دائما ما يندفع وراء الشهوات أو الرغبات أو الأهواء.
ليس لسبب من قلة الاخلاق مثلا، وهو سبب وارد، ولكن هكذا وجد الإنسان محبا لكسر كل الاطواق وراغبا في المغامرة والتغيير والخروج عن المألوف. النزق طبيعة بشرية تتفاوت درجاتها بحسب العمر والمال والقوة.
وتزداد الحياة السرية عند اصحاب المال والسلطان ونجوم المجتمع. ويصبح كشفها هدفا كبيرا للصحافة حين تكون حرة او غير حرة ولكن في زمن تال. وتجلب قراء أكثر من أي موضوعات أخري.
ومن يقع علي شيء منها من الباحثين يعتبر ما وقع عليه ثروة خصوصا إذا كان يغير ما هو معروف عن النجم. وكثيرا ما يموت المشاهير في بلادنا واسرارهم معهم. وحين يتم كشفها يبدو الأمر اشبه بالأساطير. في العالم الغربي لا تجد ذلك.
تجد الحياة السرية طبعا ولكن كشفها يتم بسرعة. وفي الغالب من قبل اصحابها أنفسهم. خاصة اذا كانوا نجوما في أي مجال وكتبوا مذكراتهم. وما يكتبونه من مذكرات لا يمكن ان نكتبه نحن في مصر- لا يقبله المجتمع -مذكرات المرحوم الدكتور لويس عوض اثارت الكثير من الغضب عند اسرته رغم ان ما فيها من اسرار لا يمكن أن يكون كاملا. كذلك فعلت مذكرات المرحوم الدكتور سهيل ادريس.
وإذا ترك النجم مذكراته ورحل قبل ان تنشر يقوم ورثته بتنقيتها مما يظنونه مشينا. رغم أن الحياة لا يمكن ان تكون علي وتيرة واحدة. ولايمكن للزعماء والقادة والنجوم في الثقافة والفن والكرة وغيرها ان يكونوا انبياء. حتي الانبياء كانت لهم اخطاء قدمت الكتب المقدسة شيئا منها.
ومن هنا يأتي الصراع كل عام حين نسمع عن مسلسل عن حياة ممثل او زعيم. لا أحد يريد أن تخدش للزعيم أو البطل او النجم أي صورة. رغم ان الحقيقة لا تخدش الصورة بل تجملها وخصوصا في الفن. لذلك لم يصل اي مسلسل عن شخصية ما إلي الصدق الذي وصل اليه مسلسل اسمهان الذي قدمها انسانة حقيقية رغم نجوميتها الفنية.
ولقد أتي وقت علي مجتمعنا قطع فيه شيئا كبيرا من التقدم بحيث صار مهيئا ان ننظر إلي ابطاله باعتبارهم بشرا ثم تراجع هذا كله. بل تراجع المجتمع كله عن الحديث عن الدنيا وصارت الاخرة هي الاولي. ومن ثم ازداد الحرص علي إخفاء الحياة السرية للابطال والنجوم. وفي حالة ظهور اي سر يتم نفيه بشدة وترفع القضايا في المحاكم وتدبج المقالات المدافعة من الانصار رغم ان ذلك لن يقلل ابدا من قيمة البطل او النجم.
لا يقول احد ابدا ان ادهم الشرقاوي كان لصا. لكن دائما هو لص للاغنياء من أجل الفقراء. ولا يقول احد أبدا ان ياسين كان لصا ولكن ياسين هو عاشق بهية فقط ولا يقول احد إن ابن عروس الشاعر العظيم كان قاطع طريق لكنه صاحب الرباعيات العظيمة وكفي.
ولا يقول احد ابداً ان سعد زغلول كان يحب القمار. وأي كلام شخصي عن عبد الناصر مرفوض.
هؤلاء وغيرهم صاروا ابطالا لا يجب الخروج عن منطقة البطولة فيهم رغم ان ذلك لن يقلل ابدا من وضعهم في وجدان الناس.
عاثرو الحظ فقط الذين انتهت حياتهم بالهزائم هم من تفتح دفاتر حياتهم السرية، إما لتفسير هذه الهزائم أو للتقليل من قيمتهم. هل ياتي علينا وقت نفرق فيه بين الخاص والعام. نضع الخاص في مكانه باعتباره يتعلق بالجانب الانساني للشخص وليس بالضرورة له دوره في تحديد صورته عند الناس. لا اظن الآن. فكما يبدو لنا المظهر هو الاهم في كل شيء حتي الان بصرف النظر عن السلوك، يكون أمر الحياة السرية للمشاهير أو غيرهم. والمدهش ان هذه الحياة السرية حين يتم الكشف عنها تشغل الجميع رغم ان صاحبها ارادها سرية.
أي خاصة به وحده ، ومن ثم يجب حين كشفها ألا تثير احدا ولا تغير من وضعه في النفوس والقلوب لانها تخصه وحده. هكذا اراد وهكذا هي. لكن نحن لا نستوعب ذلك.
روزاليوسف ـ كتبها: إبراهيم عبدالمجيد